انقلاب مالي يفاقم الضغوط على الجزائر ودول الساحل
خبراء يكشفون السيناريوهات المتوقعة لما بعد الانقلاب العسكري على حكم بوبكر كايتا.
أشار خبراء ومحللون إلى الارتدادات الأمنية للانقلاب العسكري الأخير في مالي على حكم إبراهيم بوبكر كايتا على المنطقة، خصوصاً جيرانها الجزائر ودول الساحل.
وأعلنت اللجنة العسكرية التي أطاحت، الثلاثاء الماضي، بالرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، أنه سيتم تنصيب "رئيس انتقالي" سيكون "مدنياً أو عسكرياً".
وكانت الجزائر من أوائل الدول التي أدانت الانقلاب العسكري الذي قاده ضباط بالجيش في جارتها الجنوبية مالي، وأبدت "رفضاً تاماً لأي تغييرات غير دستورية على الحكم".
ودعت جميع الأطراف إلى احترام النظام الدستوري "والاحتكام لرجاحة العقل من أجل الخروج من الأزمة سريعاً"، كما شددت على أن "صناديق الاقتراع هي وحدها الكفيلة بأن تشكل سبل الولوج إلى السلطة والشرعية".
بدورها، طالبت دول جوار مالي بـ"عودة" الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وقررت إرسال وفد "فورا" إلى باماكو خلال قمة استثنائية لرؤساء بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا حول "الوضع في مالي.
وقال رئيس النيجر محمد يوسوفو الذي يرأس المجموعة في ختام القمة التي جرت عبر الفيديو "نطالب بعودة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا رئيساً للجمهورية، وقررنا إرسال وفد رفيع المستوى فورا لضمان العودة الفورية للنظام الدستوري".
تحديات أمنية جديدة
وحذر خبيران في تصريحات منفصلة لـ"العين الإخبارية" من خطورة والتداعيات السلبية للانقلاب العسكري على الوضع الأمني الداخلي بمالي الهش أصلا، وعلى جيرانها، لا سيما مع تزايد النشاط الإرهابي لداعش والقاعدة الإرهابيين في شمال البلد الأفريقي وباتوا على مشارف العاصمة باماكو.
كما أشارا إلى أن الانقلاب العسكري ستكون له ارتدادات وتحديات أمنية كبيرة خصوصاً على الجزائر التي لها حدود شاسعة مع دولة مالي يبلغ طولها 1376 كيلومترا، وهي المساحة الصحراوية من شمال مالي التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية منذ عقد من الزمن.
ولفت الخبيران إلى أن ما تعيشه مالي من عدم استقرار أمني حتى في عهد بوبكر كايتا يعود بالدرجة الأولى إلى تأثرها بالأوضاع الأمنية في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي.
وقدم الخبير الأمني أحمد كروش سيناريوهات لما بعد الانقلاب العسكري، إذ توقع أن "يزيد من تقويض الأمن المهتز أصلا في دولة مالي ويزيد من حجم الضغوط الأمنية على الجزائر ومنطقة الساحل".
وأشار في حديث لـ"العين الإخبارية" إلى أن تجارب هذا البلد الأفريقي مع الانقلابات العسكرية "أثبتت بأن نتائجها كانت دائما وخيمة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وهي اليوم تعيش أصلا انفلاتاً أمنياً بعد أن أصبحت أرضها بؤرة للجماعات الإرهابية التي تسيطر على نصف مساحتها تقريباً ووضعاً اقتصادياً كارثياً نتيجة الفقر والبطالة التي أخرجت الماليين في مظاهرات حاشدة".
واعتبر أن مالي تعيش بعد الانقلاب العسكري حالة من العزلة الدولية من محيطها الأفريقي وجوارها ومن الدول الفاعلة والمؤثرة، متوقعاً أن "تزيد تلك العزلة السياسية والاقتصادية من تفاقم أزمتها القديمة، وهو ما يعني زيادة احتمالات الانفلات الأمني، وسوف تعيش أزمات أخرى".
غير أنه نوه إلى أن الحكم على التحكم في أي ارتدادات سلبية مرتبط "بمدى ارتباط الانقلابيين على كايتا بالحراك الشعبي المالي أم أنهم ركبوا موجته ولهم أجندة أخرى، على الرغم من أن المتظاهرين رحبوا بالانقلاب العسكري، وهو ما ستكشفه الأيام المقبلة".
تعايش جزائري مع الانقلابات
ويعتقد الخبير الأمني أحمد كروش أن للجزائر "تجارب في التعامل مع الوضع الأمني في جارتها الجنوبية، والجيش الجزائري تعايش مع هذه الظروف سواء مع الوضع في ليبيا شرقاً أو جنوباً مع مالي منذ عدة سنوات، خصوصاً مع ما سمي بثورات الربيع العربي".
وأشار إلى المحاولات المتكررة للجماعات الإرهابية المتركزة في المنطقة لاختراق حدود الجزائر وتنفيذ عمليات مسلحة في العمق الجزائري، "وبيانات الجيش تكشف في كل مرة عن تحييد بعض الإرهابيين الذين حاولوا التسلل أو ضبط الكثير من مخابئ الأسلحة والذخيرة بالقرب من الحدود الجزائرية".
وأكد أن اليقظة الأمنية التي يتمتع بها الجيش الجزائري وجميع الأجهزة الأمنية حالت دون "أن تجعل من الجزائر موطأ قدم لهم أو بؤرة أخرى للإرهاب".
ومنذ 2011 دفعت الجزائر بتعزيزات عسكرية كبيرة على حدودها مع مالي وليبيا، وأعلنت في الأعوام الأخيرة رفع حالة التأهب العسكري والأمني إلى الدرجة القصوى، خصوصاً بعد تزايد النشاط الإرهابي والجريمة المنظمة في منطقة الساحل وليبيا، نتيجة التدخل التركي الذي جلب آلاف الدواعش والمرتزقة من شمال سوريا إلى ليبيا وشمال مالي.
بدوره، قلل أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور إسماعيل دبش من الانعكاسات الأمنية للانقلاب العسكري الأخير في دولة مالي.
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" بأن "الجزائر لا يهمها من يكون على رأس الدولة المالية لأنها رتبت جانبها الأمني بترتيب محكم على حدودها الشاسعة مع مالي والنيجر، وأعتقد أن الجزائر وفقت لحد الآن بشكل كبير جداً في إبعاد التهديدات الإرهابية".
وأشار في المقابل أن "الحل في مالي يتوقف على اتفاق الجزائر الموقع في 2015، باتباعه وتطبيقه، ولا يمكن الوصول إلى أي حل سياسي دون تنفيذ ذلك الاتفاق الذي يشمل جميع الماليين سلطة وأحزابا وقبائل، ودون ذلك ستبقى مالي سجينة التدخلات الأجنبية والإرهاب".
دور تركي مشبوه
وكشفت مصادر أمنية مالية لـ"العين الإخبارية" عن "وقوف تركيا وراء دعم قيادات دينية في الحراك الشعبي المالي وفق الخطة ذاتها التي تستعملها مع عملائها من التيارات الإخوانية في الدول العربية".
وأوضحت أن "المخابرات التركية ربطت اتصالات مع قيادات دينية وإسلاموية في مالي وعدد من دول غرب أفريقيا والساحل استعداداً لتنفيذ مشروعها الجديد في المنطقة في قلب أنظمة الحكم بالانقلابات العسكرية أو بتحريك الشارع ضدها تمهيداً لاستيلاء الإسلامويين على الحكم فيها".
وحذر الخبير الأمني من "خطورة احتمال أن يكون لتركيا دور فيما تعيشه مالي ولم تعد هذه الدولة ومنطقة الساحل منطقة نفوذ فرنسي بحت فقط كمان كانت"، مشيرا إلى وجود عدة مؤشرات على سعي أنقرة لزيادة نفوذها في المنطقة.
وأشار إلى أن "رؤية الانقلابيين تبقى غير واضحة لحد الآن، هل هم مع الحراك الشعبي لتنفيذ مطالبه أم أنهم اقتنصوا فرصة ضعف الدولة للاستيلاء على الحكم".
غير أن المحلل السياسي إسماعيل دبش استعبد قدرة تركيا على مجاراة النفوذ الفرنسي في مالي ومنطقة الساحل، مشيرا إلى أن باريس "تبقى القوة الحاكمة في مالي ولن تتنازل عنها بحكم مصالحها الاقتصادية والموارد الطبيعية الموجودة فيها وفي النيجر".
مضيفاً "أن تركيا بعد الإطاحة بنظام القذافي في ليبيا تريد أن تأخذ قيادة الإسلام في أفريقيا، وتطمح لأن يكون لها نفوذ سياسي اقتصادي وتجاري في المنطقة، لكن إذا رُفضت تركيا أن تكون عضوا في الاتحاد الأوروبي، فلا يمكن أن تقبل دول المنطقة أن تسمح لها بالتوسع في أفريقيا".