مالي تعتمد دستورها الجديد.. آمال ومطبات

مالي تعتمد رسميا دستورا جديدا وسط آمال بأن يقود نحو العودة لحكم مدني، ومخاوف من أن تزج المطبات بالبلد الأفريقي في مربع الأزمة مجددا.
مد وجزر يربكان هذا البلد الذي يحكمه مجلس عسكري منذ 2020، ونظم في أول مرة يونيو/حزيران الماضي استفتاء على دستور جديد لم يحظ بمشاركة واسعة.
كما غاب التصويت في معظم المناطق الشمالية، إما بأمر من الحركات المسلحة وإما خوفا من حوادث أمنية، في توزيع غير متزن تفاقم مخاطره رفض الحركات الموقعة على اتفاق السلام لبنود كثيرة بالوثيقة الجديدة.
فهل تعبر مالي نحو قيادة مدنية أم أن الأشواك المزروعة على طريق الاستقرار لا تزال كثيرة، لردجة أن كل التطورات تشي بعودتها إلى الأزمة الأمنية التي عصفت بها انطلاقا من 2012 وصنعت منها الدولة الهش التي هي عليها اليوم؟
مخاوف
عبر 96,91 بالمئة عن تأييدهم للدستور الجديد في الاستفتاء، الذي بلغت نسبة المشاركة فيه 38,23 بالمئة حسب المحكمة العليا التي رفضت جميع الطعون.
ونسبة المشاركة منخفضة عادة في مالي، لكن التصويت الذي جرى في 18 يونيو/حزيران واجه عراقيل في عدد من المناطق الوسطى والشمالية، بسبب الخوف من هجمات إرهابية أو بسبب خلافات سياسية.
وقالت المحكمة إنها لم تحسب الأصوات في بعض اللبدات من دون أن تذكر أي تفاصيل، فيما شهد الاقتراع حوادث ومخالفات بحسب مراقبين ومعارضين للإصلاح الدستور.
ويصف معارضو الدستور المشروع بأنه مصمم خصيصا لإبقاء العسكريين في السلطة بعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في فبراير/ شباط 2024، على الرغم من التزامهم مبدئيا بتسليم السلطة للمدنيين بعد الانتخابات.
ويعزز الدستور الجديد سلطات الرئيس ويمنح مكانة كبيرة للقوات المسلحة، ويشدد على "السيادة" شعار المجلس العسكري منذ توليه السلطة.
آمال؟
رغم أن خبراء يبدون غير متفائلين بالمستقبل في ظل المعطيات الراهنة، لكن يحاولون مع ذلك الدفع نحو أهمية الاستفتاء كخطوة على مسار يفترض أن يؤدي في مارس/آذار 2024 إلى عودة المدنيين للسلطة.
فالاستفتاء يعد أول عملية اقتراع منذ تولي الجيش السلطة قبل نحو 3 سنوات، وهو يمارس منذ ذلك الحين السلطة بلا مشاركة من الطيف السياسي.
وجرى الاستفتاء الذي يعد محطة في برنامج زمني لإصلاحات ومشاورات مخطط لها حتى الانتخابات الرئاسية، وسط متابعة دقيقة بحثا عن المؤشرات التي يمكن أن يقدمها بشأن دعم السكان للمجلس العسكري وزعيمه الكولونيل أسيمي غويتا، وكذلك بشأن الوضع الداخلي.
ومما لا شك فيه أن مالي مقبلة -كما قال سابقا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة القاسم وان، على "عام حرج"، فإما أن تعبر المرحلة الانتقالية بنجاح وهو ما لم يتحدد بعد.
وإما أن تستمر حلقة الفوضى وتتسع الفتوق بلا انتهاء، وهو ما يتجسد وإن كان بنسق بطيء حتى الآن، لكن قد يتسارع بشكل ضوئي في حال بلوغ الأمور ذروة توترها.
تجارب استفتاء
أول استفتاء شهدته مالي كان في عام 1974، أي بعد سنوات من انقلاب عام 1968 قام به موسى تراوري الذي أنهى الجمهورية الأولى.
وفي عهد تراوري تبنت البلاد دستورا رسخ للحكم العسكري باحتكار الصلاحيات بيد الرئيس الذي يتولى أيضا مهام رئيس الحكومة ويهيمن على كافة مؤسسات الدولة وجميع شؤونها مع الاعتراف بحزب وحيد في مالي.
وهذا الدستور ظل ساريا في مالي حتى عام 1991، أي قبل عام واحد من استفتاء ثان أسس للجمهورية الثالثة.
والدستور المنبثق عن ذلك الاستفتاء شكل منعطفا في مالي ورسم نقطة تحول ديمقراطي على أساس التداول السلمي للسلطة، حيث تبنى التعددية السياسية والحريات والانفتاح.
لكن اليوم، وفي ظل الرفض التام الذي تبديه الحركات المسلحة الموقعة، في 2015، على اتفاق سلام مع باماكو، تبدو المطبات كثيرة على طريق الاستقرار في بلد تحكمه الانقلابات والأزمات.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU1IA== جزيرة ام اند امز