القوات الأممية.. خروج من مالي يثير أسئلة عن الماضي والمستقبل
أسدلت مالي الستار على عقد من وجود القوات الأممية في البلد الواقع في غرب أفريقيا، فيما يبدأ خبراء في تقدير الارتدادات المحتملة للقرار، وأثره في مكافحة الإرهاب.
وتتفاوت تقديرات الخبراء الذين استطلعت "العين الإخبارية" آراءهم بين من يرى أن الوجود الأممي لم يقدم شيئا يذكر في الحرب على الإرهاب، وآخر يعتقد أن دول غرب أفريقيا فقدت داعما رئيسيا وأن مغادرة القوات الأممية ستلقي بظلالها على المشهد السياسي في بلدان غرب أفريقيا بما في ذلك مالي.
خروج البعثة
المتحدثة باسم البعثة "مينوسما"، فاتوماتا كابا قالت لوكالة فرانس برس إن البعثة أنزلت اليوم الإثنين علم الأمم المتحدة عن مقرها العام قرب مطار باماكو، مؤكدة أن هذا الاحتفال الرمزي يشكّل النهاية الرسمية للمهمة.
ورغم أن بعض أفرادها لا يزالون موجودين في المكان، يضع إنهاء المهمة حداً لالتزام بدأ في 2013 في مواجهة أعمال عنف هدّدت استقرار الدولة الأفريقية التي تعاني من الفقر، وطال العنف وسط البلاد وامتد إلى دول مجاورة في منطقة الساحل مثل بوركينا فاسو والنيجر، ما تسبّب بمقتل آلاف المدنيين والمسلحين ونزوح ملايين الأشخاص.
ويعد خروج القوات الأممية من مالي هو الثاني بعد انقلابين عسكريين في 2020 و2021، وذلك بعد دفع المجلس العسكري القوات الفرنسية التي كانت تنفذ مهام ضد الإرهابيين، إلى مغادرة البلاد في 2022، فكيف يقرأ الخبراء مستقبل باماكو بعد خروج هذه القوات الدولية.
مرحلة جديدة
محمد أغ إسماعيل الأستاذ في العلوم السياسية بجامعة باماكو في مالي، قال إن بلاده تبدأ الآن مرحلة جديدة مع حلفائها في روسيا، وسوف تسيطر القوات الحكومية على مواقع البعثة، بما يحقق السيادة الوطنية والسيطرة على معظم مناطق البلاد.
وأوضح إسماعيل لـ"العين الإخبارية" أن أنباء متداولة تشير لقرب استضافة السلطات الحركات الأزوادية الأسبوع المقبل للتباحث في كيفية إعادة ملف السلم والمصالحة بين طرفي الصراع في مالي، لافتا إلى أهمية الخطوة رغم استمرار في الهجمات الإرهابية وتعطل العملية السياسية.
الخطة البديلة
وأكد الخبير المالي أنه في اللحظة الراهنة لا يمكن تبين وجود رؤية مختلفة لدى السلطات سوى المعالجة الأمنية، كل ما جرى هو استبدال من يحمل السلاح، فالتحالف العسكري بين مالي وبوركينافاسو والنيجر والدور الروسي لم يقدم جديدا إلى الآن.
وقال إسماعيل "قد تتغير الأمور في العام المقبل، خصوصا مع إجراء الانتخابات وفق الإعلان الحكومي"، إلا أنه أشار إلى صعوبة إجراء الاستحقاقات الدستورية في ظل استبعاد الحلول السياسية لرأب الصدع الحركات الأزوادية ومعالجة ملف الحركات المتطرفة.
لا يضر ولا يفيد
الدكتور محمد شريف جاكو الخبير التشادي في الشأن الأفريقي يرى من جانبه أن سمعة البعثات الأممية في أفريقيا ليست بالطيبة، وقال جاكو في حديثه لـ"العين الإخبارية" إن بعثة الأمم المتحدة في مالي لم تحقق أي خطوة للأمام منذ عشر سنوات.
وأضاف أن باماكو حققت نجاحا ملحوظا في السيطرة على منطقة (كيدال)، التي كانت محتلة من الأزواد شمالي البلاد، بعد خروج البعثة منها، وأنه تم تحريرها من قبل القوات المالية وتم طردها حتى الحدود، ولم يعد للأزواد تواجد يذكر في الأراضي المالية.
وأشار جاكو إلى أن رئيس المجلس العسكري في مالي أقام احتفالا مشهودا قبل أسابيع للاحتفاء بالانتصار، لافتا إلى أن المواطن المالي يرى أن وجود مثل هذه القوات يخدم المصالح الغربية على حساب مهمتها في المنطقة، مؤكدا أن خروجها لا يضر وأن وجودها لا يفيد.
وقال إن وجود القوات الأممية لم يحقق أي نجاح سواء في مالي أو سيراليون أو ليبيريا أو الكونغو الديمقراطية وغيرها من الدول، وأن هذه القوات حتى لم تستطع الدفاع عن نفسها في دارفور من قبل، وأن تواجدها في المناطق الأفريقية المختلفة مجرد ميزانية كبيرة وصرف مرتبات للبعثة فقط.
وقال الخبير الأفريقي إن الأنظمة العسكرية الجديدة في كل من مالي وبوركينافاسو والنيجر تعتقد أنها قادرة على مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار بدون هذه القوات، وهي ترى أيضا أن وجودها يعرقل مجابهة المخاطر الأمنية الموجودة في دول الساحل الأفريقي.
خروج مؤثر
ويختلف السفير صلاح حليمة نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية والخبير بالشأن الأفريقي مع ما ذهب إليه جاكو مؤكدا أن القوات الأممية في مالي كان له تأثير ايجابي.
وقال حليمة لـ"العين الإخبارية" ربما لم يكن وجود هذه القوات على النحو المنشود في ملف الإرهاب، إلا أن خروجها سيكون له تأثير سلبي على الأوضاع عموما في مالي وسوف تزداد تدهورا، مضيفا أن النظام العسكري الموجود حاليا بالبلاد لن يكون قادرا على التحديات الداخلية، خصوصا بعد عقوبات منظمة غرب أفريقيا الاقتصادية (إيكواس) العسكرية والاقتصادية والسياسية، لافتا إلى أنه ربما يعتمد المجلس العسكري في مالي على كل من روسيا والصين في المقابل، مؤكدا أن هذا الاعتماد لن يحقق ما يصبو إليه.
ورأى حليمة أن مع الرؤية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية بشأن وجود مرن في القارة ومع إدراك تلك الأنظمة في غرب أفريقيا للتبعات التي ستواجهها ربما تتحلى بقدر أكبر من العقلانية السياسية في رسم سياستها الإقليمية والدولية.
لحفظ السلام
وفرق الخبير المصري بين قوات حفظ السلام وقوات بناء السلام، موضحا أن القوات الأممية في مالي كانت لحفظ السلام، وقال إن قوات حفظ السلام يكون دورها تدريبيا استشاريا مخباراتيا داعما، أما قوات بناء السلام يكون لها دور فاعل في المعارك على الأرض، وهو ما يعني أن باماكو كانت تنتظر ما لا يمكن للقوات الدولية أن تحققه.
وأشار في هذا السياق إلى القوات الأممية في الصومال التي حققت مكاسب إيجابية على الأرض نظرا لاختلاف طبيعة المهمة فيها عما كان عليه الأمر في مالي والنيجر.
تدهور العلاقات
يذكر أن العلاقات تدهورت بين بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) والمجلس العسكري بالبلاد منذ استيلاء العسكريين على السلطة، ونددت الأمم المتحدة علنًا بحظر السفر لعناصر البعثة وغيرها من العوائق التي وضعتها السلطات أمامها.
واحتجت السلطات على تدخل مينوسما في الدفاع عن حقوق الإنسان والذي كان مع ذلك جزءًا من تفويضها، وفي السادس عشر من يونيو/حزيران الماضي ألقى وزير خارجية مالي عبدالله ديوب خطابًا أمام مجلس الأمن الدولي كان له وقع الصدمة، طالب فيه بسحب بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) من دون تأخير منددًا بفشلها.
وأضاف يبدو أن مينوسما باتت جزءًا من المشكلة عبر تأجيج التوترات الطائفية التي تنامت بسبب مزاعم بالغة الخطورة والتي تحدث ضررًا بالغًا بالسلام والمصالحة والتماسك الوطني في مالي.
المعسكرات
ولم يكن بإمكان مينوسما أن تبقى في مالي رغمًا عن السلطات، وأنهى مجلس الأمن الدولي تفويضها في 30 يونيو/حزيران وحدد لها هدف مغادرة مالي بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ومنذ ذاك الحين، انسحبت مينوسما من غالبية معسكراتها البالغ عددها 13 في ظروف صعبة في الشمال في ظلّ تصعيد عسكري بين الأطراف المسلّحة المنتشرة على الأرض، بالإضافة إلى معسكرها في باماكو.
وتُعتبر مينوسما بعثة السلام التابعة للأمم المتحدة التي تكبّدت الخسائر الأكبر في السنوات الأخيرة، مع مقتل أكثر من 180 من أفرادها جراء أعمال عدائية ارتكبتها خصوصاً جماعات إرهابية مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، وتضم البعثة حوالي 15 ألف جندي وشرطي من بلدان عديدة.