"سوء التغذية".. مرض صامت يفتك بأطفال المخيمات في المخا اليمنية
داخل قسم معالجة أمراض سوء التغذية بمستشفى المخا العام، لا يزال سبعة أطفال يتلقون الرعاية الطبية منذ أسابيع، للتغلب على المرض الصامت.
ووفقا لبيانات داخلية خاصة بالمستشفى فإن عدد المصابين الذين تم استقبالهم خلال النصف الأول من العام الحالي يصل إلى نحو 133 طفلا، فيما تم استقبال 1331 حالة إصابة من 8 مديريات ساحلية خلال الثلاث السنوات الماضية.
أطباء ومسؤولون التقتهم "العين الإخبارية" تحدثوا عن خطورة تفشي مرض سوء التغذية والدور الذي يقومون به لمواجهة هذا المرض الذي يفتك بالأطفال.
وبحسب مديرة مكتب الصحة في المخا، الدكتورة سميحة زايد، فإن أغلب الأطفال المصابين ينتمون إلى أسر نازحة، بسبب الحرمان من الغذاء وتدهور الحياة المعيشية فضلا عن انخفاض الوعي لدى الأمهات بأهمية التغذية السليمة لأطفالهن.
ويمثل ارتفاع حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون الخامسة في مناطق الساحل الغربي معضلة كبيرة للقطاع الطبي، إذ يستقبل مستشفى المخا 30 حالة إصابة شهريا، فيما وصل عدد المصابين خلال العام الماضي 233 حالة ينتمون لـ 8 مديريات ساحلية بمحافظتي تعز والحديدة.
ويرى الدكتور جبران الصوفي، وهو أحد الأطباء العاملين في مكافحة مرض سوء التغذية لدى الأطفال، أن غالبية المصابين بهذا الداء هم من النازحين خصوصا فئة المهمشين داخل المخيمات المؤقتة في المخا.
ويعدد "الصوفي" الكثير من الأسباب التي أدت إلى وصولهم إلى هذه الحالة، لعل أسوأها الحرمان من الغذاء وقلة الوعي لدى الأمهات بأهمية التغذية السليمة للأطفال دون سن الخامسة.
وبالرغم من تلقي النازحين حصص غذائية منتظمة من برنامج الغذاء العالمي، إلا أن البروتينات والفواكه تظل بعيدة عن الأسر النازحة، لعدم قدرتها على شرائها، بسبب ضعف المدخولات المالية.
عدد المصابين في المخيمات
يعمل الدكتور "الصوفي" إلى جانب خمسة من رفاقه على متن عربة طبية تتنقل يوميا بين المخيمات الـ 16 في المخا، لتقديم الإسعافات الأولية للمرضى ومعالجة الأمراض الشائعة، لكن العمل الرئيس للفريق الطبي التابع لمكتب الصحة في المخا، يتمثل في مراقبة مرضى سوء التغذية.
يقول "جبران" إن عدد الأطفال الذين تم تسجيل إصابتهم بالمرض منذ أواخر العام الماضي حتى الآن في المخيمات وصلوا إلى 200 طفل، تعافى منهم 100 طفل، لكن عدد الإصابات تسجل بشكل أسبوعي في مخيمات النزوح.
أغلب المصابين بالمرض، هم من الأطفال المهمشين في مخيمات النزوح بحسب "الصوفي"، إذ يشكل افتقار الأمهات للمعلومات بأهمية الغذاء لصحة الطفل عاملا إضافيا للإصابة بالمرض إلى جانب الحرمان من الحصول على وجبات مكتملة.
ويرى الدكتور "عواد" وهو أحد أطباء العربة المتنقلة، أن الفريق الطبي يقوم بعمليات توعوية بين سكان المخيمات ، لكن الكثير من الأمهات لا يلتفتن لما نقوله، ما يؤدي إلى تزايد عدد المصابين باستمرار.
أسباب أخرى
هناك أسباب كثيرة لإصابة الأطفال بسوء التغذية، منها أسباب اجتماعية، كالفقر والنزوح، وأخرى مرضية مرتبطة بإصابة الطفل بأمراض الجهاز الهضمي، ما يجعله فاقدا للشهية، وغير متقبل لتناول الحصص الغذائية اليومية.
يقول الطبيب، صفوان الكبيبي إن الوضع الاقتصادي لكثير من الأسر دفعها للتخلي عن الجزء الأهم من الغذاء، وأجبرها على الاكتفاء بتناول وجبات غذائية للإشباع و تخلو من قيمتها الغذائية، ومع مرور الأيام تظهر لدى أطفال الأسرة عوارض المرض كتراجع شهية الطفل دون أن يدرك الأبوان ذلك.
عندما تظهر علامات الهزال لدى الطفل يقوم والديه بإسعافه بحسب "الكبيبي"، وهنا يكون قد دخل مراحل متقدمة من المرض، وإن افتقار العديد من الأسر للوعي بصحة الأطفال، يجعل أطفال المخا عرضة للإصابة بمرض سوء التغذية بشقيه الحاد والوخيم.
تأثيرات المرض
بالنسبة إلى الدكتور طارق المرواني، فإن التأثيرات المرضية تأخذ أبعادا أكثر من المتوقع لعل أخطرها تلك التي تلازم الطفل حتى الكبر.
ويضيف أن القدرات الإدراكية للطفل المتعافي من المرض تكون الأقل مقارنة بأقرانه الأصحاء ذلك يتعلق بالتحصيل العلمي أيضا، حيث يواجه الطفل عند التحاقه بالمدرسة ضعف في الاستيعاب وتشتت الذهن وتراجع في ذكائه العقلي.
وينصح "المرواني"، الأسر خصوصا النازحة منها بالعمل على منع وصول الأطفال إلى هذا المستوى من المرض عبر عرضهم على طبيب متى ما بدأت تظهر. عليهم علامات فقدان الشهية أو الهزال.
ويعاني اليمن منذ فترة طويلة من واحد من أعلى معدلات سوء التغذية في العالم، ورغم التدخلات الإنسانية لعلاج سوء التغذية والوقاية منه، وتقديم المساعدات الغذائية الطارئة ، إلا أنها لم تسهم في الحيلولة دون حدوث تدهور أكثر حدة من ذلك.