مسيرة العودة بغزة.. حصاد عام من الإنجازات والإخفاقات
قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت خلال عام 274 فلسطينيا بقطاع غزة، منهم 197 خلال مشاركتهم في المسيرة، فضلا عن إصابة 30 ألف آخرين.
من دعوات فردية عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى تظاهرات شعبية كبيرة، تحولت مسيرة العودة وكسر الحصار في قطاع غزة خلال عام إلى فاعل مهم في الساحة الفلسطينية وسط تباين في تقديرات الخبراء حول قدرتها على ترجمة ذلك إلى نتائج ملموسة حتى الآن.
- بالصور.. شهيدان و181 مصابا بالجمعة الـ41 لمسيرة العودة في غزة
- هيئة "مسيرات العودة" ترحب بتبني مجلس حقوق الإنسان تقريرا يدين إسرائيل
راسم عبيدات، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، يرى أن هذه المسيرات أكدت بشكل واضح الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتنازل عليها التي يصمم الشعب الفلسطيني على تحقيقها (قضية اللاجئين).
وأضاف عبيدات لـ"العين الإخبارية" أن القضية الأخرى التي حققتها المسيرة إرباكها للمؤسسة العسكرية والأمنية والسياسية الإسرائيلية من خلال تأكيدها أن جذوة المقاومة الفلسطينية للاحتلال لن تنطفئ.
ومنذ 30 مارس/آذار يتظاهر آلاف الفلسطينيين في 5 ساحات اعتصام نصبت بها خيام في محافظات القطاع الخمس، بزخْم كبير كل جمعة، ضمن فعاليات مسيرة العودة الكبرى وبعد أشهر انطلق حراك بحري قبالة موقع زكيم الإسرائيلي على شاطئ بحر شمال قطاع غزة.
مواجهة صفقة القرن
ويرى عبيدات أن المسيرات بعثت رسالة لأمريكا بأن صفقة القرن لن تمر من خلال قطاع غزة ولن يتحقق المشروع الأمريكي في غزة أو عبرها، كما أكد كذلك على وحدة الموقف السياسي الفلسطيني.
وتشرف على مسيرة العودة التي انطلقت منذ عام هيئة وطنية مشكلة من جميع الفصائل الفلسطينية، وعدد من منظمات المجتمع المدني.
القضية الفلسطينية على أجندة العالم
ويرى الدكتور صادق أمين، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، أن أهم إنجاز حققته مسيرة العودة نجاحها في إعادة طرح القضية الفلسطينية على أجندة الرأي العام الدولي بعد أن تعرضت للتهميش وكذلك في ظل الأزمات التي تضرب المنطقة.
وأوضح أمين في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن المسيرة انطلقت من بُعدين الأول يتعلق بحق عودة اللاجئين وجاء بالتزامن مع محاولة تصفية هذه القضية وهو ما بدا في خطوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف تمويل الأونروا وبعض الأفكار المتداولة لإنهاء عملها، أما البعد الآخر فهو إنساني ومتعلق بكشف الحصار على قطاع وغزة وتداعياته على المواطنين.
وذكر "أمين" أن من بين الإنجازات المهمة الأخرى إصدار تقرير عن لجنة تحقيق دولية تابعة للأمم المتحدة أدان إسرائيل واتهمها باقتراف جرائم ترقى لجرائم الحرب وهو التقرير الذي تبناه مجلس حقوق الإنسان خلال الأيام الماضية.
إحياء قضية اللاجئين
ويتفق مع الرأي السابق، الدكتور رائد نعيرات، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، مبينا أن المسيرات أعادت القضية الفلسطينية وعودة اللاجئين وحصار غزة لتتصدر أولويات العالم ووضعتهما على طاولة المجتمع الدولي بقوة ودليل ذلك لجان التقصي الأممية وتقريرها الأخير؛ فضلا عن الإدانات الدولية لجرائم الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار "نعيرات" في حديثه لـ"العين الإخبارية" إلى أن المسيرات خطت طريقا آخر وهو التأثير في رفع الحصار عن غزة وتقوية الجبهة الداخلية الفلسطينية.
ومع أهمية ما حققته المسيرة من إنجازات على هذا الصعيد، يبدو أن ثمن ذلك كان باهظا؛ بالنظر لحجم الشهداء والإصابات والإعاقات جراء قمع الاحتلال الإسرائيلي لها.
ومنذ انطلاق المسيرة، قتلت قوات الاحتلال 274 فلسطينيا بقطاع غزة، منهم 197 خلال مشاركتهم في المسيرة، فضلا عن إصابة 30 ألف آخرين، منهم قرابة 150 أصيبوا بإعاقات وحالات بتر، بينما هناك أكثر من 500 في حالة الخطر الشديد، وفق وزارة الصحة بغزة.
ويرى عبيدات أن قياس الإنجازات والإخفاقات في المسيرة لا يقاس بما قدم من شهداء وجرحى وأسرى وتدمير، مضيفا: "نحن ندرك أن التحرير تكلفته عالية جدا وذلك قياسا بثورات التحرر في العالم".
وعلى الرغم من أن أمين يتفق مع عبيدات في الإطار العام إلا أنه يختلف معه في التفاصيل، مبينا أن التكلفة الباهظة تؤخذ بالاعتبار، مشيرا إلى أن بعض الأدوات التي تستخدمها التظاهرات كان لها تكلفة باهظة بحاجة إلى إعادة دراسة.
ويعتقد "عبيدات" أن أبرز الإخفاقات في المسيرة تتعلق بغياب الاستراتيجية الواضحة والواحدة للمسيرات، قائلا: "لا يكون هناك مساومات حولها وربطها بتهدئة هنا أو مصلحة هناك".
كما أشار إلى غياب الرؤية الشاملة الموحدة وعدم رسم الأهداف، مؤكدا أنه جزء من الأخطاء التي تقع فيها القوى السياسية.
وعلى هامش المسيرة وضمن فعالياتها، أقر نشطاء تفعيل عمليات إطلاق بالونات حارقة ومحاولات قص السياج الفاصل وما يعرف بالإرباك الليلي، وهي فعاليات مقاومة شعبية خشنة تجابه بعنف أشد من الجيش الإسرائيلي.
وحدة الفصائل الفلسطينية
ويذهب الكاتب الفلسطيني مصطفى إبراهيم إلى أن من ضمن إنجازات المسيرة وحدة صف القوى والفصائل الفلسطينية التي اتفقت على أهدافها مع وجود بعض التباين.
وقال إبراهيم لـ"العين الإخبارية": "على الرغم من مقابلة الاحتلال المسيرات بعنف شديد وقتل وإصابة الفلسطينيين في مناطق خطرة، فإن المسيرات أخذت صدى دوليا وأكدت حق الفلسطينيين في العودة وحقهم في النضال السلمي، وهذا ما أكده تقرير حقوق الإنسان الأخير".
وأضاف أن الأولوية المهمة مع حلول عام للمسيرة هي الحاجة إلى إجراء مراجعات وتقييم حقيقي لما قدمته ولقدرتها على تحقيق الأهداف ومقابل أي ثمن.
ويؤكد "إبراهيم" أن الانقسام الفلسطيني يلقي بظلاله السلبية على المسيرات لذلك نحتاج مراجعة لها وللأدوات النضالية التي تعتمدها.
ونبَّه بأن محاولات حماس الانفراد بالمسيرة وعملها على كسر الحصار عنها في بعض المراحل أكثر من كسر الحصار عن غزة يسجل من الإخفاقات.
كما أن محاولات إسرائيل جر الفصائل للمربع العسكري أكثر من مرة كاد يجر لعدوان واسع على غزة يحتاج للانتباه له.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن عن توصل لتفاهمات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل برعاية مصرية وأممية تقضي بتخفيف الحصار، وتحسين الكهرباء مقابل خفض مستوى العنف في المسيرة، وهي التفاهمات التي سرعان ما انهارت.
المراجعة الشاملة
ويوضح إبراهيم أنه "على الرغم من التفاهمات التي تقودها أطراف عربية ودولية عدة فإن إسرائيل تحاول ابتزاز الفلسطينيين وحماس خاصة لترجمة تلك التفاهمات".
ورأى أن المطلوب العمل قدر الإمكان من الفصائل على تخفيض أعداد الضحايا بين الفلسطينيين والأضرار المادية، قائلا: "صحيح عادة أي شعب أو حركة تحرر يدفع الناس ثمنا كبير لكن نستطيع كقوى وقيادة أن نقلص حجم الضحايا والأضرار بما لا يؤثر على استمرار النضال السلمي".
ويتفق الخبراء على الحاجة لإجراء مراجعة شاملة للمسيرة وأدواتها، وإعلاء الروح الوحدوية وصولا لإنهاء الانقسام والانخراط في مشروع وطني كبير لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتحديات المرحلة القادمة والقاسية سواء في غزة أو الضفة الغربية.