كابلات الإنترنت "العارية" في البحار.. ثغرة تهدد حصون التكنولوجيا العالمية
تمر 99% من الاتصالات الرقمية حول العالم عبر كابلات ترقد "عارية" في قيعان بحار دولية وعلى مسافات تمتد لأميال طويلة في أعماق نائية.
لسنوات طويلة، لم تكن تلك الكابلات مصدرا للقلق، إذ كانت صيانتها والحفاظ عليها أمرا منطقيا في عالم تحكمه "العولمة" وتسيطر عليه المصالح المشتركة المعقدة والمتشابكة.
لكن وفي ظل التوترات الجيوسياسية الحالية انقلب الأمر لتصبح تلك الكابلات "ثغرة" في حصون التكنولوجيا العالمية، ومصدر تهديد قويا لأمن كل دول العالم.
- "الأقمار الصناعية" سلاح أمريكا في حرب التغير المناخي
- كارثة غذائية.. الاحتباس الحراري يلتهم القمح في ثاني أكبر الدول المصدرة
ويأتي هذا التهديد المحتمل، بالتزامن مع تعرض خطوط نورد ستريم إلى تخريب متعمد بحسب ما تقول روسيا والقوى الغربية، ما أدى إلى تعطل مؤقت في إمدادات الغاز الطبيعي المسال، قبل إصلاح الخلل.
ثغرة الكابلات البحرية
والكابلات تحت البحر تضم كابلات للاتصالات أو كابلات للإنترنت وهي مسؤولة عن 99% من تواصل العالم رقميا، بينما النسبة المتبقية تتم من خلال الأقمار الصناعية ذات الكلفة المرتفعة.
وأثار النشاط البحري الروسي منذ عام 2014 وموجات الصدمة الجيوسياسية التي أحدثتها حرب أوكرانيا خلال العام الجاري 2022، قضية ضعف البنى التحتية البحرية التي تحظى الآن باهتمام متزايد من الجمهور والسياسة.
ومع ذلك، ما تزال دول العالم تبحث عن قنوات لإدارة وحماية هذه الكابلات البحرية من أي هجمات تخريب أو قرصنة غير محسوبة العواقب، ما قد يدفع إلى تصاعد وتيرة الهجمات على مئات الكابلات البحرية المنتشرة شرقا وغربا.
ويكشف بحث صدر الشهر الماضي عن الشرطة الأوروبية، أنه يمكن التفكير في عدة طرق للهجوم على البنية التحتية للكابل؛ وسيناريوهات التدمير المادي لهذه الشبكات التي تربط العالم اليوم.
ويمكن أن يكون هذا الهجوم إما عبر كابل واحد أو هجوم منسق على العديد من توصيلات الكابلات بالإضافة إلى محطات الهبوط والبنية التحتية على اليابسة.
كما يمكن تنفيذ الهجمات على الكابلات بطرق مختلفة، منها من خلال تسليح السفن المدنية، بما في ذلك سفن الأبحاث وسفن الصيد وسفن النقل أو اليخوت الترفيهية.
ولا تتطلب مثل هذه الأشكال من الهجمات قدرات متطورة من الناحية التكنولوجية، مثل القدرات تحت سطح البحر، وهي سهلة التنفيذ بحسب الشرطة الأوروبية.
والطريقة الرئيسية لمنع مثل هذه الهجمات من خلال المراقبة السطحية للأنشطة البحرية المدنية وتحديد السلوك الشاذ، وهو ما يستدعي ميزانيات ضخمة للحماية 24 ساعة يوميا.
الشكل الثاني للهجوم هو من خلال المتفجرات تحت سطح البحر؛ ويمكن تنفيذ ذلك باستخدام الألغام البحرية من الدرجة العسكرية أو الأجهزة المتفجرة المرتجلة البحرية التي يمكن تشغيلها عن بُعد.
وترى الشرطة الأوروبية أن هذه النوعية من أجهزة التفجير سهلة الصنع، ورخيصة في الإنتاج، "فالقوة التفجيرية المنخفضة بالفعل يمكن أن تقطع اتصال الكابل".
يعد منع مثل هذه الهجمات أكثر صعوبة ويتطلب مجموعة من المراقبة السطحية وتحت سطح البحر بالإضافة إلى قدرات البحث عن الألغام لاكتشاف المتفجرات وتدميرها.
والشكل الثالث للهجوم، هو من خلال القوارب الغاطسة أو الحرف اليدوية أو الطائرات بدون طيار والغواصات العسكرية، والتي يمكن أن تكون مأهولة أو بدون طيار.
تنتشر التكنولوجيا الغاطسة بشكل متزايد ومتاحة بسهولة في صناعة الغوص؛ كذلك، أفادت التقارير أن المنظمات الإجرامية تقوم ببناء واستخدام الأصول الغاطسة في عمليات التهريب. وهذا يشير إلى أن هذه التكنولوجيا ليست متاحة فقط للقوات البحرية ذات القدرات العالية.
لصد هذه الهجمات، يمكن استخدام الغواصات والتقنيات المتطورة، مثل الأسلحة ذاتية الدفع تحت الماء (الطوربيدات) والأسلحة الكيميائية أو أسلحة الليزر المستقبلية.
شكل آخر من أشكال الهجوم لا يستهدف مباشرة الكابلات البحرية ولكن البنية التحتية الأوسع على الأرض. ويقصد بذلك محطات الهبوط التي يتصل فيها الكابل البحري بالأرض هي مواقع معرضة للخطر بشكل خاص.
وتتراوح سيناريوهات الهجوم من قطع إمدادات الطاقة إلى تفجير العبوات الناسفة إلى الهجمات الصاروخية. من المحتمل أن تؤدي مثل هذه الهجمات إلى أضرار جسيمة ويصعب إصلاحها في وقت قصير.
سيناريو آخر، كثيرا ما يتم ذكره في وسائل الإعلام وأماكن أخرى، يتعلق بالتنصت على الكابلات لاشتقاق البيانات أو نسخها أو تشويشها لأغراض استخباراتية.
"SWIFT" بدون كابلات
ولم تكن العولمة إلا مزيدا من التشابك بين شرق الكرة الأرضية وغربها، وشمالها وجنوبها، لدرجة أن شبكات الإنترنت أصبحت متصلة بين غالبية دول العالم، باستثناءات قليلة بصدارة الصين وكوريا الشمالية.
ومن بين مليارات الرسائل التي تنتقل يوميا عبر شبكات الاتصالات والإنترنت البحرية "الكابلات"، تعتبر المدفوعات المالية العابرة للحدود إحدى أشكال الرسائل التي تتم بين الدول.
ماليا، يكشف تقرير لمعهد التمويل الدولي أن 99% من شبكة الإنترنت تمر عبر الكابلات البحرية؛ وأن التقديرات تتحدث عن وجود 10 تريليونات دولار شهريا من المعاملات المالية العابرة للحدود، تتم بين الدول من خلال شبكات الإنترنت البحري.
هذه الطرق السريعة للتحويلات المالية التي تجري في قاع البحر، هي الوقود لعمل أكبر شركات المدفوعات المالية عبر الحدود وهي جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "SWIFT".
يعتبر أمن هذه المعاملات مشكلة سياسية واقتصادية واجتماعية؛ وهي قضية رئيسية تم تجاهلها منذ فترة طويلة، خاصة مع ظهور تقارير وتقديرات لأن تكون كابلات الإنترنت في قاع البحار والمحيطات، مصدرا لهجمات من جهات غير معلومة.
وبحسب تقارير نشرها موقع "energy" الأمريكية، فإن التركيز الجغرافي الشديد للكابلات يجعلها عرضة للخطر بشكل خاص، إذ تنتشر في قاع البحار والمحيطات أكثر من 420 خطا، يبلغ مجموعها 1.3 مليون كيلومتر.
هذه المسافة تساوي أكثر من ثلاثة أضعاف المسافة من الأرض إلى القمر؛ فيما يعد أطول خطوط كابلات للإنترنت تحت البحر 39000 كيلومتر لكابل SEA-ME-WE 3، الذي يربط جنوب شرق آسيا بأوروبا الغربية عبر البحر الأحمر.
والمسألة المرتبطة بالتحويلات المالية وكابلات الإنترنت في قاع البحار، هي احتمالية اختراق هذه الكابلات، ليس قطعها بشكل مادي، بل اختراقها والحصول على مختلف بيانات المعاملات المالية العابرة للحدود بين الدول.
وحتى اليوم، لم تعلن أي من البنوك أو حتى "SWIFT" عن عمليات اختراق أنظمة المدفوعات من خلال الإنترنت، نظرا لما تقول الجمعية، إنها تطور باستمرار أنظمة أمن البيانات، وحمايتها من مخاطر القرصنة الرقمية.
ووفق بيانات صادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن الأقمار الصناعية لا تمثل سوى 1% فقط من عمليات تبادل البيانات، ومن ضمنها البيانات المالية العابرة للحدود، والسبب بسيط: إنها تكلف أكثر من الكابلات وهي أبطأ بشكل كبير.
بالتالي، فإن شبكة كابلات البيانات العالمية تحت سطح البحر، تستحوذ على ما يصل إلى 99% من الاتصالات الرقمية في العالم، ويعتمد عليها الاقتصاد العالمي والخدمات الرقمية بشكل كامل.
وتعترف الشرطة الأوروبية في بحث حديث لها صدر هذا العام، أن الحوكمة الأوروبية لحماية الكابلات والمرونة متخلفة وتحتاج إلى تحسين؛ إذ سيتعين على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه معالجة نقاط الضعف في الاتصال الرقمي الأوروبي.
ويقترح البحث العديد من الإجراءات التي يمكن أن ينفذها الاتحاد الأوروبي ويقدم توصيات إلى البرلمان الأوروبي حول كيفية توجيه هذا التطور، وحمايته لما يقول إن الصين وروسيا هما الخطر الأكبر على الكابلات وأمنهما.
ويرى البحث، أن المدفوعات المالية والمعاملات النقدية العابرة للحدود والقارات، ستكون واحدة من مئات الخسائر التي قد يتعرض لها الاتحاد الأوروبي في حال تعرضها إلى اختراق أو إلى تخريب متعمد.
وبينما لم تعلن أي من شركات المدفوعات العالمية عن علاقة مباشرة مع بديل الكابلات البحرية، ممثلا بشركة سبيس إكس المملوكة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك، إلا أن الشركة تعتبر خيارا احتياطيا لها.
وتملك شركة "سبيس إكس" عشرات آلاف المحطات في الفضاء والقادرة عن توفير خدمات الإنترنت، من خلال ذراعها "شركة ستارلينك" والتي تقود اليوم العمليات العسكرية الأوكرانية ضد تحركات الجيش الروسي.
ستارلينك" البديل الأبرز
هل يمكن أن يأتي يوم وتتعرض فيه كابلات الإنترنت البحرية حول العالم، إلى هجوم تتعطل فيه خدمات الإنترنت عن غالبية الدول؟ نعم هي فرضية غير مستبعدة وتزداد إمكانية وقوعها يوما بعد آخر.
ينتشر في العالم أكثر من 430 كابلا بحريا رئيسيا يربط القارات، وجميعها دون استثناء لا تملك أدوات أمنية لحمايتها من أية هجمات سواء كانت تلك الهجمات تقليدية أو غير تقليدية، بحسب ما تشير إليه تقارير أوروبية وأمريكية.
أمام هذه التكهنات والأزمات التي قد تصل يوما ما إلى تدمير شبكات الإنترنت البحرية، تبرز البدائل الأخرى، وربما أبرزها اليوم هو برنامج "ستارلينك" التابع لشركة "سبيس إكس" ويملكها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك.
و"Starlink" هو أول وأكبر كوكبة أقمار صناعية في العالم، تستخدم مدارا أرضيا منخفضا لتقديم إنترنت واسع النطاق قادر على دعم البث والألعاب عبر الإنترنت ومكالمات الفيديو والمزيد.
وبالاستفادة من الأقمار الصناعية المتقدمة وأجهزة المستخدم إلى جانب خبرة عميقة تملكها شركة سبيس إكس، مع كل من المركبات الفضائية والعمليات في المدار، توفر Starlink إنترنت عالي السرعة وزمن انتقال منخفض للمستخدمين في جميع أنحاء العالم.
كيف يعمل STARLINK؟
تأتي معظم خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية من أقمار صناعية واحدة ثابتة بالنسبة للأرض تدور حول الكوكب على ارتفاع 35786 كم.
ونتيجة لذلك، فإن وقت بيانات الرحلة ذهابا وإيابا بين المستخدم والقمر الصناعي، المعروف أيضا باسم زمن الانتقال، يعتبر مرتفعا، مما يجعل من الصعب تقريبا دعم البث أو الألعاب عبر الإنترنت أو مكالمات الفيديو عندما تكون الخدمة في كامل طاقتها الخدماتية.
وتتميز أقمار Starlink بمجموعة شمسية واحدة، مما يبسط النظام بشكل كبير؛ فالخلايا الشمسية موحدة ويسهل دمجها في عملية التصنيع.
ويتميز كل قمر صناعي بتصميم صغير الحجم ومسطحة يعمل على تقليل الحجم، مما يسمح بمجموعة إطلاق كثيفة للاستفادة الكاملة من إمكانات إطلاق صاروخ فالكون 9 الخاص بشركة سبيس إكس.
وتقوم أقمار ستارلينك الصناعية بالمناورة الذاتية لتجنب الاصطدام بالحطام المداري والمركبات الفضائية الأخرى؛ وتقلل هذه القدرة من الخطأ البشري وتوفر موثوقية استثنائية، تتجاوز معيار الصناعة بترتيب من حيث الحجم.
وتقوم مستشعرات التنقل المصممة خصيصا من Starlink بمسح النجوم لتحديد موقع كل قمر صناعي وارتفاعه واتجاهه، مما يتيح وضعا دقيقا للإنتاجية ذات النطاق العريض.
ويمكن لـ Starlink تحمل البرودة الشديدة والحرارة والبرد والصقيع والأمطار الغزيرة والرياح القوية، بفضل التجارب التي نفذتها شركة SpaceX وهي مشغل الأقمار الصناعية الوحيد الذي لديه القدرة على إطلاق أقمار صناعية خاصة به حسب الحاجة.
تعمل Starlink على تقنية خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية التي كانت موجودة منذ عقود؛ بدلاً من استخدام تقنية الكابلات، مثل الألياف الضوئية لنقل بيانات الإنترنت، يستخدم نظام الأقمار الصناعية إشارات الراديو من خلال فراغ الفضاء.
تبث المحطات الأرضية إشارات إلى الأقمار الصناعية في المدارات، والتي بدورها تنقل البيانات إلى مستخدمي Starlink على الأرض.
ويزن كل قمر صناعي في كوكبة Starlink نحو 573 رطلاً وله جسم مسطح؛ إذ يمكن لصاروخ سبيس إكس فالكون 9 أن يتسع لما يصل إلى 60 قمرا صناعيا.
العام الماضي، اقترحت شركة سبيس إكس كوكبة تضم ما يقرب من 42000 قمر صناعي بحجم الكمبيوتر اللوحي تدور حول العالم في مدار منخفض لتلبية هذا الطلب المتزايد على خدماتها.
ومع ذلك، فإن Starlink ليست المنافس الوحيد في سباق الفضاء ولديها عدد قليل من المنافسين، بما في ذلك OneWeb و HughesNet و Viasat و Amazon.
تهدف SpaceX إلى إطلاق ما يصل إلى 40000 قمر صناعي في المستقبل القريب، مما يضمن تغطية الأقمار الصناعية العالمية والنائية مع تقليل انقطاع الخدمة.
وتقدم Starlink بيانات عالية السرعة غير محدودة من خلال مجموعة من الأقمار الصناعية الصغيرة التي توفر سرعة إنترنت تصل إلى 150 ميغابت في الثانية (Mbps)؛ وتخطط SpaceX لمضاعفة هذا المعدل في الأشهر المقبلة.
وفقًا لاختبار Speedtest الأخير بواسطة Ookla سجلت Starlink أسرع متوسط سرعة تنزيل لها في الربع الأول من عام 2022 بسرعة 160 ميجابت في الثانية في ليتوانيا.
كما سجلت Starlink سرعة 91 ميجابت في الثانية في الولايات المتحدة و 97 ميجابت في الثانية في كندا و124 ميجابت في الثانية في أستراليا.
ستارلينك إنترنت؛ هذه الحزمة موجهة نحو الاستخدام السكني وتكلف 110 دولارات شهريا بالإضافة إلى رسوم لمرة واحدة للأجهزة بقيمة 599 دولارا.
تقدم Starlink حاليًا خدمة إلى 36 دولة ذات مناطق تغطية محدودة. في الولايات المتحدة، تخطط الشركة لتوسيع نطاق تغطيتها إلى بقية أنحاء الولايات المتحدة بحلول نهاية عام 2023.
aXA6IDMuMTQ3LjEzLjIyMCA= جزيرة ام اند امز