التسرب النفطي يتجدد.. سفن متهالكة تتحول لقنابل في سواحل عدن (خاص)
يتكرر التسرب النفطي في سواحل العاصمة اليمنية المؤقتة عدن إثر السفن المتهالكة وناقلات النفط الجانحة على امتداد مرافئ المدينة منذ عقود.
وكانت آخر حوادث التسرب هذه منذ منتصف أغسطس/آب الجاري، بعدما رصد مختصو الهيئة اليمنية لحماية البيئة تلوث ساحل منطقة المهرام بمديرية البريقة غرب عدن بمخلفات المشتقات النفطية، مما ينذر بكوارث على الحياة البحرية وحياة المواطنين.
هيئة حماية البيئية قدرت طول الشريط الذي تعرض للتلوث من 250 إلى 300 متر، واحتوى على حبيبات من مادة "الدامر Tar balls" في بقية الشريط الساحلي باتجاه فندق القصر، وفق بيان صادر عن الهيئة الحكومية طالعته "العين الإخبارية".
الحادثة لم تكن هي الأولى، إذ سبق ورُصدتْ حالة تلوث مماثلة مطلع شهر يوليو/تموز الماضي في الساحل الواقع خلف المحطة الكهروحرارية، وموقع عشش الصيادين باتجاه مديرية البريقة.
معضلة السفن المتهالكة
وكان التسرب النفطي الأخير ناتج بسبب الناقلة كورال، الجانحة في حرم ميناء عدن بعد دخول مياه البحر إلى الفتحات الموجودة على سطح الناقلة وخروج الزيوت منها على شكل دفعات.
كما توجد سفينة "تاج" جانحة قبالة شاطئ منطقة الحسوة، ويتم تقطيعها من قبل مواطنين، دون وجود أي رقيب من الجهات المختصة، وفقا لمصادر محلية.
ووفقا لخبراء ومسؤولين في البيئة فإن هذه الظاهرة تتطلب الإسراع في تعويم السفن المتهالكة وإخراجها إلى خارج محيط ميناء عدن وتفكيكها بالإضافة إلى السفن الغارقة التي تعيق حركة الملاحة البحرية.
كما حثوا المجلس الرئاسي لإلزام ملاك السفن المتهالكة، وهي أكثر من 13 ناقلة تعد المتسببة الرئيسية بالتلوث للبيئة البحرية ولشواطئ المنطقة، بمعالجة الضرر البيئي وفق أحكام القانون اليمني لحماية البيئة رقم 26 لسنة 1995.
وكانت الهيئة العامة لحماية البيئة في عدن حذرت من استمرار وجود السفن المتهالكة بحالة سيئة في حرم ومنطقة رمي المخطاف بميناء عدن، باعتبارها أحد مصادر القلق من تلوث البيئة البحرية والشواطئ بالمخلفات النفطية وآثارها الضارة على مختلف التنوع الحيوي.
وأكدت أن هذا التنوع الحيوي تعتمد عليه شريحة واسعة من الصيادين كمصدر أساسي للرزق، إضافة إلى الأضرار البيئية الأخرى الناجمة عن تلوث الشواطئ، التي تعتبر متنفسا للأهالي وزوار العاصمة اليمنية المؤقتة.
كما تعتبر شواطئ مدينة عدن وبحارها موئلاً ملائماً للعديد من أنواع الطيور المستوطنة والمهاجرة خاصة خلال فصل الشتاء، بحسب الهيئة.
وطالبت بضرورة الإسراع بتفريغ المواد النفطية المخزنة داخل صهاريج ومحركات السفن المتهالكة في حرم ومنطقة رمي المخطاف بميناء عدن الدولي.
أولوية قصوى وضعف إمكانيات
تولي سلطات عدن هذه الظاهرة أولوية قصوى لكنها لا تزال مقيدة بالإمكانيات وعدم تفاعل الجهات الحكومية الأخرى، ورغم ذلك استشعرت مؤخرا حجم الكارثة المتربصة بشواطئ المحافظة والبيئة البحرية التي تتميز بها، وسارعت بقرع أجراس الخطر، وتداعت لبحث الوضع الراهن وإيجاد الحلول.
وقال الأمين العام للمجلس المحلي بدر معاون إن السلطة المحلية ممثلة بوزير الدولة محافظ عدن أحمد لملس تولي قضية الحفاظ على البيئة البحرية أولوية قصوى.
وأضاف معاون لـ"العين الإخبارية" أنه ناقش مع القائم بأعمال رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة المهندس فيصل الثعلبي، ونخبة من الخبراء والمختصين البيئيين المخاطر المحدقة نتيجة تلوث البيئة البحرية في عدن.
وأشار إلى أنه بحث مجمل الإشكاليات المتعلقة بالمخاطر المحدقة المتسببة بتلوث البيئة البحرية في عدن بشكل عام وسواحل مديرية البريقة بشكل خاص.
ولفت معاون إلى أن جميع تلك المشكلات ناجمة عن مخلفات المشتقات النفطية للسفن المتهالكة الواقعة في حرم ومنطقة رمي المخطاف بميناء عدن الدولي، معتبرا ذلك تهديدا مباشرا للبيئة البحرية والتنوع الحيوي، والثروة السمكية، وأنواع نادرة من الطيور، والحيوانات البحرية والبرية مثل السلاحف وغيرها.
معاون قال إن "بقاء السفن المتهالكة في حرم ومنطقة رمي المخطاف بميناء عدن الدولي دون معالجة يفاقم تلوث البيئة البحرية، الذي يزداد توسعا يوما عن يوم".
وطالب بتدخل الحكومة اليمنية والمجلس الرئاسي "لإلزام مالكي السفن بمعالجة الأضرار الناجمة عن تلويثها للشواطئ والبيئة البحرية، ومضاعفة المسؤولية القانونية على جهات الاختصاص المتمثلة بالهيئة العامة للشؤون البحرية ومؤسسة موانئ خليج عدن".
حزمة إجراءات
وأضاف المسؤول الحكومي أن السلطة المحلية في عدن، والجهات البيئية ذات العلاقة أقرت حزمة إجراءات من الإجراءات للحفاظ على البيئة البحرية وحمايتها من التلوث.
وفي مقدمة ذلك رفع مذكرة لرئاسة مجلس القيادة الرئاسي بضرورة إلزام الجهات المختصة ممثلة بالهيئة العامة للشؤون البحرية ومؤسسة موانئ خليج عدن ومالكي السفن بالعمل على سرعة تفريغ المواد النفطية المخزونة داخل صهاريج ومحركات السفن المتهالكة، والإسراع بتعويم السفن ونقلها إلى خارج محيط ميناء عدن ومن ثم تفكيكها، بحسب معاون.
وأضاف أن الإجراءات تضمنت أيضا "منع دخول السفن المتهالكة إلى المياه الإقليمية للبلاد، منعا لتكرار مثل هذه الحوادث" التي تضر بالبيئة البحرية.
وأعرب معاون عن أسفه لعدم تفاعل الجانب الحكومي ومؤسسة موانئ خليج عدن والهيئة العامة للشؤون البحرية مع المذكرات المرفوعة من قيادة محافظة عدن بشأن ما تتعرض له البيئة البحرية وشواطئ وسواحل مدينة عدن، خصوصا مديرية البريقة، من تلوث بسبب تسرب المشتقات النفطية من السفن المتهالكة التي تزيد على 13 سفينة.
وأكد أن استمرار عدم التفاعل من قبل الجهات المختصة سيضاعف الإشكاليات ويهدد بكارثة بيئية وتدمير للحياة البحرية والتنوع الحيوي والحيواني في البحر والشواطئ، وعلى حركة الملاحة البحرية.
كما سيؤثر على عملية تحلية مياه البحر، خصوصا أن هناك مشروعا بدعم من البنك الدولي مزمعا تنفيذه لإنشاء 4 محطات لتحلية المياه لمدينة عدن.
ومنذ انقلاب مليشيات الحوثي أواخر 2014 ظلت أكثر من 13 ناقلة نفطية صغيرة ترسو في منطقة "المخطاف" في ميناء عدن الدولي دون أن تتلقى أي صيانة، ما أدى إلى تهالك هياكلها وتحولها إلى قنابل ومصادر مرعبة، فيما لا يعرف كم طن متري تحمله هذه الناقلات التي تستخدم كخزانات عائمة وتعد شبحا آخر في بحر العرب.
ومن مطلع يوليو/تموز 2021 وثقت منظمات محلية ودولية مختصة بالبيئة تسربا نفطيا كبيرا متكررا من هذه الناقلات المهجورة في ميناء عدن، إذ تسرب في إحدى الحوادث أكثر من 40 طنا متريا من النفط، وتتبع إحدى السفن البرلماني الإخواني حميد الأحمر، فيما الغالبية الأخرى مملوكة ومسجلة وتدار من الشركات النفطية لرجل الأعمال النافذ أحمد العيسي.
وأدى الموقع الاستراتيجي لميناء عدن كأحد أكبر الموانئ الطبيعية في العالم إلى تحوله إلى مكان مثالي لتوقّف السفن لإعادة التزوّد بالوقود، إلا أنه بات مؤخرا محاصرا بالكارثة، لا سيما أن اليمن ليس ضمن اتفاقية ماربول الموقعة عام 1973، التي تلزم ناقلات النفط وملاكها بمعايير أعلى للسلامة والالتزام بعدم تلويث البيئة.