الخلافات المادية تفجر الأسر المصرية.. خبراء يقدمون وصفة للنجاة (خاص)
أظهرت دراسة رسمية في مصر زيادة نسبة الخلافات الزوجية القائمة على أسباب مادية إلى 26.8% مقارنة بنسبة 10.2% في دراسة مماثلة عام 2002.
وجاءت الدراسة الصادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بعنوان "العنف في الحياة اليومية في المجتمع المصري.. دراسة تتبعية عام 2022".
وأظهرت الدراسة ارتفاع نسبة المشادات الكلامية بين الأزواج إلى 15.1% عام 2022، بينما كانت هذه النسبة لا تتعدى 6.4% في الدراسة التي أجريت عام 2002.
وتقول الدراسة إن "هذه النسب تعكس أن منحنى الخلافات الزوجية المتزايد كان نتيجة التطورات التي شهدها المجتمع من انفتاح على مجتمعات أخرى عبر الدراما التلفزيونية مع ما تحمله من مؤثرات على نمط الحياة اليومية داخل المجتمع المصري".
"أزمة قيم"
وترى الدكتورة سوسن الفايد، أستاذ علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن الضغوط الاقتصادية لها دور في إعلاء القيم المادية على القيم المعنوية، معتبرة أن المجتمع المصري يعاني من "أزمة قيم" في الوقت الحاضر.
وتقول الفايد لـ"العين الإخبارية" إن "نسبة الطلاق ارتفعت في الفترة الأخيرة، خاصة بين الأجيال الجديدة، ونجد أن أبناء هذه الأجيال غير قادرين على النجاح في بناء وتكوين أسرة، وعاجزين عن مسايرة الأجيال السابقة في استمرار الأسرة والتماسك والارتباط الحقيقي".
وأضافت: "هذا في رأيي يرجع إلى القيم المخلخلة، وارتفاع القيمة المادية على غيرها من القيم، أما القيم المعنوية الرفيعة التي تقوم بسد نوافذ الفشل بالنسبة للأسرة والزيجات فقد أصبحت غائبة"، مشيرة في الوقت نفسه إلى دور التنشئة في غياب القيم المعنوية، متسائلة: "أين التربية الصحيحة الآن؟".
وأردفت: "معظم الآباء والأمهات يربون أبناءهم الآن على عدم التحمل وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية وتعزيز الأنانية وعدم التنازل وعدم التسامح، لذا لم يعد هناك إيثار ولا تضحية بين الأزواج، بالإضافة إلى التطلعات اللانهائية بفعل الاتجاه إلى تمكين المرأة اقتصاديًا، وهو ما جعلها تشعر بالقدرة على الانفراد والاستقلال".
ومضت تقول: "هذه المسألة تحتاج إلى الترشيد والفهم بمعنى الزواج والاستقرار والأسرة، وتجنب الاختيارات الخاطئة قدر الإمكان، وفهم كيفية بناء أسرة والحفاظ عليها"، مشيرة إلى أن "بعض الأجندات الخارجية تسعى لتفكيك المجتمع".
وتابعت: "في حروب الجيل الرابع يتم توجيه الأجندات إلى مجتمعات مستهدفة، ومصر من هذه المجتمعات، والهدف هو تفكيك الأسرة لتعزيز الفردية وتسهيل التحكم والسيطرة، وفي رأيي استعمار العقول هو الحرب الجديدة".
"غياب الحوار"
من جهتها، تقول الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع في مصر، إن معدلات الطلاق المتزايدة جزء كبير منها يرجع إلى الجانب المادي، موضحة أن "65% من المجتمع المصري شباب، وهذه النسبة الكبيرة تحتاج باستمرار إلى تغذية فكرية وثقافية، ولكن هذا الدور غائب تمامًا في مصر".
وتضيف خضر لـ"العين الإخبارية" أن"البرامج التلفزيونية باتت خالية من الوجبات الفكرية الموجهة إلى الشباب، ونحن بحاجة ماسّة إلى عودة القوة الناعمة لاختراق عقول الشباب المغلقة، كما أن الحوار الأسري لم يعد موجودا في المجتمع، وقديمًا كان الأب يتكلم مع الأبن، ومعظم الأمهات كن أميات ومع ذلك استطعن تربية جيل محترم، بفضل الحوار الذي كان قائمًا بين أفراد الأسرة، وغياب هذا الحوار جعل الأسر على المحك عند حدوث أي مشكلة".
وتابعت: "الأسباب المادية تحتل نسبة كبيرة من الخلافات الزوجية، مع العلم بأن نسبة كبيرة من الزوجات لا تعملن، ومع ذلك تكون مطالبها المادية كثيرة، وبعض الزوجات لا تعي الظروف التي يمر بها الزوج لتوفير احتياجات المنزل، وفي المقابل قد تجد المرأة فرصة عمل وترفض المساهمة في ميزانية البيت، وهنا قد تنشأ الخلافات الزوجية وقد تصل إلى الغضب والطلاق".
ودعت "خضر" إلى إعادة إحياء الحوار داخل الأسرة من خلال وسائل الإعلام ومبادرات وحملات التثقيف، كما دعت إلى التحلي بالمصداقية والمكاشفة في فترة الخطوبة، قائلة: "دعنا من الأقنعة الكاذبة حتى لا يصدم أحد بعد الزواج، ومن الضروري أن يكون هناك توافقا ثقافيا واقترابا من النفس، وأنا أقول دائمًا يجب أن يكون الرجل شهمًا، ويجب أن تكون المرأة حنونة وعطوفة".
"مجس اختبار"
أما الدكتورة عزة زيان، استشاري العلاقات الاجتماعية والأسرية، فترى أن "الضغوط الاقتصادية والظروف المادية لا تؤثر بنفس الدرجة على جميع الأسر"، مشيرة إلى أن الضغوط الاقتصادية تزايدت خلال الفترة الأخيرة، وأدت إلى ظهور مشاكل أسرية لا يمكن إنكارها.
وأضافت لـ"العين الإخبارية": "الأزمات والضغوط تعرفنا مدى قوة أو هشاشة الأسر، والحقيقة أن جميع الفئات والطبقات تأثرت بالضغوط الأخيرة، وللانصاف فإن هذه الضغوط لا تقتصر على مصر، ولكنها تصيب الدول النامية والمتقدمة على مستوى العالم".
وتابعت: "هناك أسر تواجه هذه الضغوط، وأخرى تفقد القدرة على السيطرة والتحكم وتتعرض في النهاية إلى التفكك، ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت جميع الفئات والطبقات مكشوفة جدا على بعضها البعض، وبما أننا بشر تتزايد الطلبات والتطلعات، وهذا بدوره يؤدي إلى ظهور مشاكل نفسية ويؤدي إلى تراجع الرضا".
وأردفت: "إذا جاءت الضغوط الاقتصادية مع عدم الرضا والاستقرار ستتأثر الأسرة بالسلب، ولكن إذا كان هناك رضا وتوافق بين الزوج والزوجة والأطفال فسنرى ميكانيزمات التكيف مع الوضع الجديد، ولا ننكر هنا دور السوشيال ميديا والسينما والدراما في إظهار حالة الرفاهية في الأسر والدول والمجتمعات المختلفة، وهذه الصورة تؤثر على الأسر الهشة".
ومضت تقول: "أضف إلى ذلك مشاعر الحقد والحسد ضد الطبقات الأكثر ارتياحا"، مشددة على أنه "يجب تقدير الوالدين مهما كان الوضع المادي وألا يرتبط الاحترام بما يملكه الوالد من ثروة وأموال، وبعض الأبناء يمارسون ضغطًا كبيرا على رب الأسرة، وبعض الآباء والأمهات لا يعلّمون أبناءهم الصبر على الاحتياجات أو ترتيب الأولويات المادية".
واختتمت: "الزوجة قد تمرر وتسامح في بعض احتياجاتها الضرورية في حالة حسن العشرة والدفء الأسري والرحمة والمودة، وإجمالًا يمكن القول إن الضغوط الاقتصادية هي مجس اختبار لقوة أو ضعف الأسرة، ويجب المكاشفة بشأن الوضع المادي وترتيب الأولويات في الإنفاق، وتعليم الأبناء قيم التضامن والتنازل عن الأشياء غير الضرورية".
aXA6IDMuMTM1LjE4NC4xMzYg جزيرة ام اند امز