"مقام الشهيد".. أطول نصب تذكاري يخلد ثورة الجزائر
مقام الشهيد لم يشيّد للتفاخر بالفن المعماري، لكنه اختير أن يكون الصورة المرئية الدائمة للذكرى التي تخلد أبطال شهداء الثورة الجزائرية.
يمثل "مقام الشهيد" في الجزائر نُصبا تذكاريا لنضال وتضحيات بلد المليون ونصف المليون شهيد، وجزءا من العملة الجزائرية، وأجمل ما شُيد في الجزائر تخليدا لأرواح من ضحوا بالغالي والنفيس من أجل أن تستقل الجزائر.
- حكايات جزائرية.. العربي التْبَسّي "الشهيد الذي لا قبر له"
- بالصور.. المتحف الوطني للمجاهد راوي وقائع الثورة التحريرية الجزائرية
مقام الشهيد، لم يشيّد للتفاخر بالفن المعماري، لكنه اختير أن يكون الصورة المرئية الدائمة للذكرى التي تخلد أبطال الجزائر الشهداء، ومن رجال ونساء، وهبوا دماءهم وأرواحهم الطاهرة وممتلكاتهم طلبا لحرية تُؤخذ ولا تُعطي.
فكرة هندسة المقام
تعود فكرة هندسة مقام الشهيد إلى عام 1981 من قبل الرسام الجزائري بشير يلس مع مهندسين في شركة "لافالين" في مونتريال الكندية؛ إذ خطط برفقتهم لبناء مجسم يخلد شهداء الثورة التحريرية الجزائرية المجيدة.
وتلقّى الرسام يلس الفكرة من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، غير أن تنفيذها لم يتم إلا بعد وفاته، وكُتب للرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد تدشين هذا المعلم التاريخي الأكبر في الجزائر.
قامت خلالها شركة "لافالين" التي كُلفت بهندسة وبناء النصب التذكاري بالتعاقد مع رسامين جزائريين وأوروبيين آخرين وهم الخطاط إسكندر عبدالحميد والنحات البولوني ماريان كونشني، وتطلب تشييد مقام الشهيد 9 أشهر كاملة.
موقع مقام الشهيد
يقع مقام الشهيد على هضبة "الحامَّة" المطلة على خليج الجزائر العاصمة وضواحيها، واختيرت له الذكرى العشرون لاستقلال الجزائر لتدشينه، وكان ذلك في الخامس يوليو عام 1982، من قبل الرئيس الجزائري الراحل، الشاذلي بن جديد، وهي الفكرة التي بدأ تجسيدها في عهد الرئيس الجزائري الراحل، هواري بومدين في سبعينيات القرن الماضي.
موقع برسائل تاريخية واستراتيجية
لم يكن اختيار موقع مقام الشهيد في هذا المكان محض صدفة، حتى وإن كان الرئيس الجزائري الأسبق، هواري بومدين، قد فضّل أن يكون موقعه في عاصمة الثورة الجزائرية، مدينة باتنة، لكن الاختيار وقع على الجزائر العاصمة، لاعتبارات لها أبعاد تاريخية واستراتيجية، أجبرت فيما بعد المسؤولين الفرنسيين على الترحم على أرواح شهداء الجزائر من هذا المكان.
- لالَّة فاطمة نسومر.. الجزائرية التي قهرت الاستعمار الفرنسي
- متحف الفن المعاصر.. يمزج بين ثقافة الجزائر وإرث الأندلس
ومن بين الأسباب التي جعلت السلطات الجزائرية تصر على موقع هضبة الحامة، أنها شهدت عدة معارك تاريخية، من بينها معركة ضد الحملة الصليبية التي قادها "شارل لوكان" (Charles Lequint) على الجزائر في 23 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1541، حيث تؤكد الدراسات التاريخية أن الضربات المدفعية المنطلقة من هذه الهضبة حطمت سفن "شارل لوكان" وجعلتها ترجع من حيث جاءت.
كما كانت الهضبة خلال فترة الحكم العثماني، مرصدا لمراقبة النشاط الملاحي وسواحل المدينة من قبل سكان العاصمة الجزائرية.
وخلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، اختارت "مجموعة الـ22 التاريخية" الاجتماع في هذه الهضبة في 24 يونيو عام 1954 من أجل التحضير لاندلاع الثورة التحريرية الجزائرية.
إضافة إلى هذا، فإن موقع الهضبة، اتخذه الاستعمار الفرنسي مكانا لتعذيب وتقتيل الجزائريين خلال الثورة التحريرية، في مكان عُرف بـ"فيلا سوزيني".
أقسام مقام الشهيد
يتربع مقام الشهيد على مساحة هكتار واحد؛ حيث يظهر المقام في كل مكان من أحياء العاصمة الجزائرية نظرا لعلوه وبنائه أيضا على هضبة عالية، ويتكون من قسمين.
القسم العلوي
تم تشييده على شكل 3 سعفات، يبلغ طول كل واحدة منها 97 مترا، وتتعانق عند ارتفاع يبلغ 47 مترا، فيظهر بشكل أسطواني ينتهي بقُبة مصنوعة وفق الفن المعماري الإسلامي، ويبلغ قطرها 10 أمتار، وارتفاعها 25 مترا، أما عرضها فيبلغ 6 أمتار، ثم تتفرع لتنتهي عند ارتفاع 92 مترا.
كما يتوسط الفراغ الموجود بين السعفات الثلاث، منصة مخصصة للترحم على أرواح الشهداء ووضع باقات الزهور في المناسبات والزيارات الرسمية، فأصبح الترحم على أرواح الشهداء من أهم بروتوكولات الجزائر عند الزيارات الرسمية لقادة دول العالم إلى الجزائر.
أما من الجانب الخلفي لكل سعفة، فتوجد 3 تماثيل برونزية ضخمة، إذ يرمز الأول للمقاومة الشعبية، والثاني لجيش التحرير الوطني، أما الثالث فيرمز للجيش الوطني الشعبي الجزائري.
القسم السفلي
يتكون القسم السفلي لمقام الشهيد من المتحف الوطني للمجاهد، في شكل أروقة تحيط بقبة الترحم، وخُصصت جلها للعرض ولملاحق إدارية وخدماتية.
كما يتكون من قاعة شرفية وقاعة للمحاضرات ومكتبة واستوديو لتسجيل الشهادات الحية للثورة التحريرية، يتم فيها أيضا تركيب وإنتاج الأشرطة السمعية البصرية والأقراص المضغوطة، إضافة إلى وجود منتدى للاتصال والإنترنت، ومخبر للصور.