"ماركس والدمية".. رواية تُعري نظام الملالي
الرواية للكاتبة الإيرانية مريم مجيدي حازت بها على جائزة "جونكور الرواية الأولى" وتغوص عميقا في مجتمع ما بعد الثورة الإسلامية في إيران
"ماركس والدمية" هي الرواية الصادرة عن دار "نوفيل أتيلا"، والتي تَوجت الكاتبة الإيرانية مريم مجيدي بجائزة "جونكور الرواية الأولى"، الجائزة الفرنسية، التي تمنح من قبل أكاديمية "جونكور" المرموقة والتي تهدف إلى تشجيع الكُتَاب الشباب في مستهل مشوارهم مع الكتابة الإبداعية.
تغوص الرواية عميقا في مجتمع ما بعد ما عرف بالثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وكيف تحولت هذه الثورة إلى نقمة؛ عبر الحكم المتسلط والمتشدد الذي أنتجته، والذي صار يعرف بحكم الملالي هناك، لينتج العديد من القصص المأساوية في المجتمع الإيراني، ربما تكون تفاصيل هذه الرواية واحدة منها، فـ"ماركس والدمية"، تعبر بجدارة عن حكايا كثيرة تناثرت شظايها في متن السرد الإيراني الحديث، والذي يقف على النقيض في كتلة المقاومة.
وتمارس مجيدي في الرواية السرد عن الذات بتداع حر عن طفولتها في كنف والديها، حيث يتعرضان للتضييق والمطاردة حتى يضطرا لمغادرة البلاد صوب فرنسا بحثا عن وطن بديل، وهنالك تستعيد مريم الطفلة تلك الذاكريات القاسية، فتعيد إنتاجها ورسم ملامحها باللغة الفرنسية؛ فمريم درست في فرنسا وتعلمت الأدب ولغة موليير، لتتأثر بالأدب الفرنسي ورايته التي تحفل بالعاطفة والانفعالات الشاعرية، لتستعيد بهذه الأُسلوبية البديعة ذكريات طفولتها في منزل والديها المناضلين، حيث الحكايا والقصص، وهي ليست إلا طفلة صغيرة، لكن لأن الأحداث جسيمة رسخت في ذاكرتها الصغيرة، وظلت تكبر حتى حولتها إلى هذا العمل الإبداعي الكبير.
وعلى الرغم من السخرية اللاذعة التي تختبئ داخل السرد، إلا أن مريم كانت تحكي عن وقائع حقيقية مؤلمة، حولتها إلى ما يشبه الملهاة، وهي حقيقة رسم كاريكتوري لحكم الملالي باسم الدين، ولكن في ذات الوقت نجد أن مريم مجيدي، تلجأ كذلك إلى الأُسلوب الجاد في سرد الوقائع حتى تصل بها إلى ذروتها، خاصة الأحداث التي كانت، وهي في بطن أمها، جزءا منها، لتحكم قبضتها على السرد عبر خيال ممتع وجميل يشد القارئ حتى آخر سطر.
وعنوان الرواية يحيلنا إلى الفيلسوف الألماني كارل ماركس، حيث كان كل من والدي الكاتبة ينتيمان إلى الفكر الماركسي، وبإبداعية عالية تصور لنا الكاتبة مشهد والديها عندما قررا أن يخفيا أي أثر لهذا الانتماء، أن يدفنا مؤلفات ماركس ولينين وغيرهم من رموز الفكر الماركسي في حفرة، لتضم ذات الحفرة ألعاب الطفلة مريم ولعبتها الأثيرة إلى نفسها "الدمية"، في ذات الحفرة، لقد قررا أن يدفنا إلى جانب انتمائهم الفكري، كذلك ذكرياتهم التي عاشوها هنالك، حتى يتمكنا من الفرار إلى فرنسا، لكن الكاتبة تعيد نبش تلك الحفرة وكل الذكريات المتعلقة بها، معلنة ولادة جديدة، بسرد رفيع يجمع بين الخيال وسرد الوقائع، ويجمع كذلك بين الجدية والسخرية، لتضعنا في قلب مشاهد حية ومؤثرة، كانت هي جزء أصيل منها، ومن تلك المشاهد المؤثرة، تصويرها لكيف كان والديها ورفاقهما يخبئون المنشورات الحزبية داخل حفاضها، وكيف كانوا يتبادلون هذه الطفلة؛ في عملية توزيع المنشورات.
والراوية تعري نظام الملالي، في تناولها للاضطهاد والقمع السياسي الذي مارسوه، وكذلك في تصويرها لمشاعر الخوف والحزن، ليمتد ذلك الأثر حتى لحظة وصول الأسرة إلى فرنسا، فتعكس الكاتبة مشاعر التشظي والقلق والحنين إلى الديار التي حرموا منها، فتصور غربتهم وقساوة حياة المنفى وافتقادهم إلى اللغة الأم، لكن الكاتبة استطاعت أن تشرك القارئ في هذه المعاناة، من خلال نجاحها في التعبير الممتع عن تلك القسوة التي عاشتها هي وأسرتها، فالقصة تشبه قصص كثيرين عانوا من ويلات النظام السياسي الإيراني المتأسلم بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية، فقد كان مجرد هذا الاختلاف جريمة كبرى في إيران الخمينية.
عالم من البؤس والظلم عاشته الكاتبة ذات السنوات الست، حيث ولدت عام 1980، أي بعد عام واحد من استيلاء الملالي على الحكم، لتشهد إيران مذ ذلك التاريخ، حقبة من الويلات والمظالم، عبر فكر ظلامي يتم تسويقه، للأسف، باسم الإسلام، ولئن غابت الكاتبة في رحم أمها في أول عام من تلك الحقبة، لكن ظلت ذاكرتها متقدة، لتحكي عن تلك الأيام، عبر ما سمعته من والديها والرفاق الذين تشردوا في الأرض، لكنهم يحضرون مرة أخرى هنا في تفاصيل سرد ساخر ومؤلم.