آذار نفيسي.. أن تكتب من خارج أسوار إيران
إيران "القديمة" هي حُلم الكاتبة الإيرانية آذار نفيسي، التي رسخت كتاباتها لرثاء التشدد والشمولية ومصادرة الأحلام بعد الثورة الإسلامية.
اقتلاعها من الموطن الأول.. وإطلالتها عليه مُجبرة من بعيد.. أحد ظلال سيرة الأديبة الإيرانية آذار نفيسي، التي ما زالت تحلم حتى اليوم بإيران.. إيران القديمة.
آذار نفيسي التي حملت لقب "بروفيسور"، هي أستاذة إيرانية عملت بتدريس الأدب الغربي في جامعة طهران والجامعة الإسلامية الحرة وجامعة العلامة الطباطبائي، وكان لها في ذلك باع كبير.
في عام 1981 فُصلت من جامعة طهران بسبب سلسلة من المواقف التي اعتبرها القائمون على الجامعة مواقف "متمردة"، تبع ذلك حصولها على منحة من جامعة إكسفورد، وفي 1997 غادرت هي وأسرتها إيران، واستقرت في الولايات المتحدة الأمريكية.
في بلاد المنفى تلك راسلت آذار العديد من الصحفي العالمية التي رسختها لرأيها المعارضة للسلطة الإيرانية، وتوجت مواقفها تلك في سيرتها الذاتية المدوية "أن تقرأ لوليتا في طهران" (سيرة في كتاب).
فاكهة مُحرمة
كملايين الإيرانيين الذين شكلوا عام 1979 تاريخاً محورياً ومفصلياً في حياتهم، شاركت نفيسي من مواليد 1955، في الثورة آنذاك وكانت من الحالمين بأن تجني لهم الثورة الحرية والكرامة، ولكن هذا ما لم يحدث، حسب شهاداتها الجريحة الموصولة، وقالت في إحداها "الثورة الإيرانية اختطفتها جماعات ومليشيات متشددة، أرادت فرض إرادتها على الجميع، فصادرت الأحلام، وحجرت على الحرية الفردية التي صارت بمثابة فاكهة محرمة، وجعلت البعض يترحم على أيام الشاه، رغم ما كان فيه من سوءات وفساد".
من ذات المنظار ظلت نفيسي تتابع الوضع السياسي في بلادها، وأتبعت سيرتها "أن تقرأ لوليتا في طهران" بكتاب آخر أطلقت عليه "أشياء كنت ساكتة عنها"، كتاب يرفض السكوت ويتمسك بالحنين لإيران التي كانت تستحضر الذكريات والتاريخ واختطاف الثورة، تقول فيه "هكذا يأتي الماضي إلينا، لا يأتي بصورة رقيقة وناعمة، بل يأتي كالسكين، ودوماً بصورة غير متوقعة، ويأتي بهيئة شذرات، تحاول أن تلملم القطع الصغيرة، لكنك لا تستطيع أن تفهمه فعلاً إلا إذا تقبلت طبيعة كونه لا يمكن أن يستعاد، وأنه متشظٍ".
تنطلق آذار في هذا الكتاب من يوميات الأب أحمد نفيسي، والأم نزهت نفيسي، ولا تغيب الحرية أبداً عن صفحات الكتاب ولا وجع الاغتراب الذي دُفعت إليه.
لوليتا
رغم أهمية هذا الإصدار إلا أن سيرتها "أن تقرأ لوليتا في طهران" يظل أحد أبرز الكتب التي تؤرخ لما بعد الثورة الإيرانية حتى يومنا هذا، الكتاب نشر في عام 2003، وترجم إلى 32 لغة، وتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لنيويورك تايمز لمدة أكثر من مائة أسبوع.
الكتاب يدور في باحة خلقتها الكاتبة بنفسها بعد استقالتها من الجامعة، واختارت سبع من الطالبات لتخوض معهن نقاشات في الأدب، لأن الأدب برأيها من مهمته كشف الحقيقة، ففكرت بانتقاء عمل أدبي يعكس واقعها في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتتبدل الأيام ومعها تتقلب صفحات من الروايات العالمية والمحلية كالفضاء المفتوح الذي تتنفسن فيه الحرية التي لا يجدنها خارج جدران البيت، فضاء أقرب للسحر منه للحقيقة، تصفه آذر نفيسي في كتابها "كنا ونحن جالسات متحلقات حول طاولة القهوة الواسعة وقد كللتها باقات الزهور، نحلق بنشوة من رواية لأخرى نقرأها. وإذ أنظر للماضي الآن أراني مذهولة للكم الذي تعلمناه من دون وعي".
اكتشفت نفيسي أن من بين طالباتها من تعرضت للسجن والقهر والتعذيب عقب الثورة، وأن من بينهن من هي بحاجة إلى علاج نفسي، وتقول في ذلك "إن أسوأ الجرائم التي يمكن أن ترتكبها عقول الأنظمة الشمولية هي أن تجعل مواطنيها ضحاياها شركاء في جرائمه، فحينما ترقص مع جلادك، وتشارك بنفسك في حكم الإعدام على نفسك، فإن ذلك الفعل هو أقصى درجات الوحشية".
تختتم آذار نفيسي الرواية الذاتية بنزعة نوستالجية مكثفة "ولكن يجب ألا يغيب عن الذهن أن رفضها للأنظمة شيء، وحبها لوطنها وأهلها وأصدقائها شيء آخر، على الرغم من ابتعادها عنهم في بلاد الغرب، فقد ظل الحنين يشدّها إليهم تقول: "فقد ظل غيابهم حاضراً فينا مثل ألم مبرح يوخزُ المشاعر دون أن يكون له من سبب عضوي، وهذا هو ما تعنيه لي طهرانُ تماماً: فغيابها يبدو أكثر حقيقية وعمقاً من حضورها".