مريم المهدي.. خارجية السودان تحت "مشرط جراح"
برزت وزيرة الخارجية الجديدة مريم الصادق المهدي في المشهد السوداني، كواحدة من رائدات العمل السياسي والنضالي، عبر رحلة كفاح طويلة.
المسيرة الناصعة لمريم "المنصورة"، كما يحلو لوالدها الراحل الإمام الصادق المهدي تسميتها، مكنتها من نيل ثقة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، لاختيارها وزيرة للخارجية في حكومته التي جرى إعلانها الإثنين، متفوقة على منافسيها الآخرين.
وفرضت المنصورة نفسها بقوة بعد أن تميز ملف ترشيحها بالكفاءة والتأهيل الأكاديمي والخبرات المتراكمة في العمل السياسي لنحو 3 عقود، لتسترد بجدارة عرش الدبلوماسية للمرأة السودانية، بتقلدها منصب وزير الخارجية لتكتب تاريخيا جديدا لنواعم البلاد.
كما أنها المرأة الثانية التي تتقلد منصب وزير الخارجية في تاريخ السودان، حيث سبقتها أسماء محمد عبدالله، التي حملتها ثورة ديسمبر المجيدة ضد حكم الإخوان بقيادة المعزول عمر البشير، لهذه الحقيبة الحساسة.
وبعد أن تم إعفاء أسماء عبدالله، سادت حالة الإحباط وسط نساء السودان لكون الخطوة تمثل انتكاسة للتقدم الذي جرى، لكن مريم المنصورة أعادت الأمل مجددا للكنداكات، بنيل نصيبهن كاملا في السلطة أسوة بالرجال.
لم تكن مريم المنصورة، نجلة الإمام الصادق المهدي، تستند إلى هذا الإرث والاعتماد على المكانة الاجتماعية الرفيعة لعائلتها، لكنها عملت على تأهيل نفسها بالعلوم الأكاديمية والانخراط في العمل السياسي مما مكنها من الإلمام بدهاليزه، الشيء الذي أهلها لتقلد مناصب مختلفة في حزب الأمة القومي حتى وصلت لنائب الرئيس، (هيئة قيادة)، وهو ما أكده زملاء لها لـ"العين الإخبارية".
بيئة سياسية تبني شخصية المنصورة مبكرا
تربت مريم المنصورة، التي ولدت بمدينة أم درمان العام 1965، في بيئة سياسية لكونها ابنة زعيم أكبر الأحزاب في السودان، وامتزج ذلك مع أجواء التصوف والتدين التي وفرتها لها طائفة الأنصار المرجعية الدينية لحزب الأمة، المحيطة بها.
ويقول عروة الصادق، وهو رفيق مريم المهدي في طريق النضال، إن المنصورة تربت وترعرت وسط أجواء وزخم سياسي، مما مكنها من ولوج هذا المجال في سن مبكرة حتى صارت من الرائدات بحزب الأمة القومي، ولاحقا في المشهد السوداني ككل.
ويضيف عروة، وهو قيادي بحزب الأمة القومي حاليا لـ"العين الإخبارية"، أن شخصية مريم المنصورة تشكلت مبكرا وساعدها على ذلك قربها الشديد من والدها الراحل الإمام الصادق المهدي.
كما تأثرت بطباع والدتها سارة الفاضل محمود والتي ما تزال تستلهم من شخصيتها حب العمل والكفاح والشغف للمعرفة.
وأنتجت هذه البيئة، وفق عروة الصادق، مريم المنصورة كامرأة شجاعة ومصادمة بقوة في وجه الطغيان، إذ جرى اعتقالها أكثر من مرة في عهد المعزول عمر البشير إثر مشاركتها في تظاهرات تدعو لإسقاط النظام وتم معاملتها بعنف حتى كسرت يدها.
مسيرة بدأت بدراسة الطب
بالتوازي مع شقفها للسياسة ودهاليزها، كانت مريم الصادق تمضي في مشوارها الأكاديمي، حتى بلغت مبتغاها بدراسة الطب العمومي والجراحة في الجامعة الأردنية، وكان ذلك في العام 1990، ومن ثم دبلوم طب وصحة الأطفال للمناطق الحارة بمدرسة طب المناطق الحارة جامعة ليفربول "1995".
واستمرت المنصورة في مشوارها الأكاديمي، ونالت الدبلوم العالي للتنمية وقضايا النوع من جامعة الأحفاد للبنات بامدرمان عام 2006، وحصلت أيضا على بكالوريوس القانون من جامعة النيلين السودانية 2013.
ونالت مريم الصادق أيضا، بكالوريوس في القانون بدرجة الامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من ذات الجامعة.
ورغم دراستها للطب وتخرجها في وقت مبكرا، فإن مريم الصادق لم تمارس مهنة الطب في المستشفيات سوى 6 سنوات فقط (1991 -1997)، حيث قضتها كطبيب عمومي بمشافي الأطفال السودانية.
المنصورة بميدان الكفاح مسلح
عندما خرج والدها الإمام الصادق المهدي وشكل جبهة عسكرية تحت مسمى "جيش الأمة" لمقاومة نظام الإخوان المعزول منتصف تسعينيات القرن الماضي في عملية معروفة محليا بـ"تهتدون"، آثرت مريم المنصورة اللحاق برفاقها والمشاركة في النضال المسلح بعد أن أستعصى العمل السلمي.
ومع تشديد نظام الإخوان قبضته على العمل السياسي السلمي ومضايقته لقوى المعارضة، خرجت مريم المنصورة والتحقت بجيش الأمة أملا في القصاص من جماعة الحركة الإسلامية التي انقلبت عسكريا على حكومة والدها الإمام الصادق المهدي المنتخبة عام 1989م.
يروي عروة الصادق، أن مريم من أوائل النساء اللاتي التحقن بجيش الأمة في الجبهة الشرقية للبلاد، وكان معها سعاد الطيب، وكانت تحمل طفلتها الرضيعة، وعملت كطبيبة لرفاق الكفاح المسلح في ميدان القتال وتدرجت حتى وصلت رتبة رائد، وكان ذلك في الفترة من "1998- 2000".
ويقول: "مريم أفضل من يجيد القتال فهي تلقت تدريبات جيدة، وعملت كمقاتلة وطبيبة في جيش الأمة مما أهلها لتكون من أعمدة كيان الأنصار وحزب الأمة".
ويشاركه في هذه المعلومات، القيادي الفاعل في طائفة الأنصار صديق عبدالله، الذي أكد بأن مريم سطرت تاريخا ناصعا لنضالات المرأة السودانية في الأنشطة السلمية والعمل العسكري.
ويشير صديق عبدالله، لـ"العين الإخبارية"، أن لجوء حزب الأمة إلى تأسيس جبهة مسلحة اقتضته حالة التضييق الكبيرة التي فرضها نظام الإخوان على العمل السلمي واعتقاله للمعارضين وتعذيبهم وقتلهم.
خبرات وإسهامات سياسية
من خلال مناصبها العديدة التي تقلدتها في حزب الأمة القومي استطاعت مريم المهدي أن تقدم الكثير من الإسهامات في العمل السياسي وبناء التحالفات في سبيل إنهاء حكم الإخوان.
ويحسب لها مشاركتها في تأسيس تحالف قوى الإجماع الوطني برفقة والدها الإمام الصادق المهدي ونداء السودان الذي استطاع جمع أحزاب سياسية مع حركات كفاح مسلح في حلف واحد ضد نظام البشير.
ويؤكد نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق إسماعيل أن نشاط مريم ومرافقتها لوالدها الإمام في الخارج، كان له المردود الإيجابي في تحقيق تحالف نداء السودان أهدافه المرجوة.
ويوضح إسماعيل، لـ"العين الإخبارية"، أن الجهود التي قادتها مريم وإسهاماتها ستكون خير معين لها في مهمتها الجديدة التي رشحها لها حزب الأمة وحظيت بثقة رئيس الوزراء الذي عينها وزيرة للخارجية.
وتحظى مسيرة مريم الصادق بخبرات عملية متراكمة كونتها عبر تنقلها بين مواقع عديدة في حزب الأمة ومنظمات المجتمع المدني، إذ نالت عضوية أول مكتب سياسي منتخب للحزب في عام 2003، وتدرجت حتى صارت نائبا للرئيس ضمن هيئة قيادة مكونة من 5 نواب للإمام الصادق المهدي.
وتولت رئاسة منتدى نساء دارفور في العام 2009، بجانب العديد من المواقع في منظمات المجتمع المدني.
كما شاركت في منتديات خارجية ومحلية تعني بقضايا المرأة وحقوق النوع، ولها اسهامات مقدرة في هذا المجال.
مهمة صعبة
وتطرح تعقيدات المشهد السوداني، تساؤلات ملحة بشأن مقدرة مريم المنصورة في إدارة الشأن الخارجي للبلاد التي تشهد تحولات وتسعى للعودة بقوة إلى البيت العالمي، وتشيع عزلة مفروضة لثلاثة عقود.
وثمة من يرى بأن مريم ستواجه تحديات كبير خاصة في ظل تحفظات حزبها، "الأمة القومي" على إقامة علاقة مع بعض الدول، في مقابل سعي الحكومة الانتقالية لبناء علاقات خارجية متوازنة تراعي المصالح العليا للبلاد.
لكن عروة الصادق، يشير إلى أن مريم تعلمت الحكمة من والدها الراحل المهدي وهذا سيكون خير معين لتجاوز العقبات التي قد تواجهها في مهامها بوزارة الخارجية.
فيما، أكد نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق إسماعيل، أن مريم الصادق تمثل الحكومة في هذا المنصب وهي ملزمة بإتباع سياسة الدولة وليس الحزب، مشيرا إلى ان نجاحها رهين بتعاون الطاقم الموجود معها في وزارة الخارجية حاليا في إدارة الملفات المختلفة.