قرية "المسنا" بالحديدة.. نموذج صارخ لجرائم الحوثي
"المسنا" إحدى بلدات الحديدة اليمنية التي تعاني من كارثة ألغام الحوثيين عقب إعاقتها السكان العائدين من النزوح.
رغم الحضور الأممي المكثف في مطاحن البحر الأحمر بمحافظة الحديدة، غربي اليمن، إلا أن ذلك لم يكف للنظر مسافة كيلومتر واحد، إلى بلدة صغيرة تعاني من كارثة الألغام التي زرعها الحوثيون حتى في مقابر الموتى.
تقع بلدة "المسنا" على تخوم أحياء الحديدة الشرقية إلى الغرب من مخازن الدقيق ومطاحن البحر الأحمر التابعة لبرنامج الغذاء العالمي، وبسبب موقعها ذلك، زرعها الحوثيون بمئات الألغام بهدف إعاقة تقدم القوات المشتركة، ولكنها تحولت إلى مكامن موت للسكان العائدين من النزوح.
سلاح قتل مستمر
يستوطن البلدة نحو 150 أسرة يمنية تسكن مباني متهالكة من الصفيح وتحصل على الأجر اليومي مقابل العمل في مصانع البحر الأحمر وإخوان ثابت ومزارع أخرى يملكها عدة مستثمرين شرقي مدينة الحديدة الساحلية.
ورغم الفترة الطويلة من توقف القتال وسريان هدنة الحديدة، طبقاً لاتفاق ستوكهولم، استمر سلاح الحوثيين من الألغام الأرضية في حصد أرواح مواطني البلدة، وإزهاق أرواح أكثر من 22 مدنياً بينهم أطفال، فيما أصيب العشرات الآخرين.
عثمان جلاجل، ثلاثيني ورب أسرة تضم في كنفها 4 أطفال يستذكر وداعة معيشيته قبل اجتياح الحوثيين للبلدة عند التمدد نحو القرى الريفية الشرقية والجنوبية للحديدة، منتصف 2015، قائلاً إنه كان يملك دراجة نارية بالإضافة إلى عمله بالأجر اليومي في توفير حاجيات حياة أطفاله.
يقول جلاجل لـ"العين الإخبارية": "بعد تهاوي دفاعات الحوثيين العام الماضي في المديريات الساحلية الجنوبية، لجأت المليشيا لطردنا بشكل جماعي من منازلنا وتمترست في منازلنا".
قضى جلاجل 5 أشهر نازحاً في مديرية المراوعة شرق الحديدة، لكنه بعد تحرير مسقط رأسه "المسنا" عاد مع أسرته إلى منزله وكوخه يستقل دراجته النارية بجانب القليل من الغذاء.
كانت ابنته الصغرى "نعمة" تسابقه في دخول "العشة" وهو كوخ من الصفيح، لتخفيف وطأة حرارة الصيف، لكن انفجاراً مفاجئاً دوى في المكان، وجد إثرها "جلاجل" جسده المتهشم بالشظايا في أحد المستشفيات الميدانية.
وتسبب اللغم الأرضي بعد زراعته في بوابة منزله، في بتر قدمه اليمنى كما أصيبت "نعمة" وشقيقتها وفقدت والدته سمعها، فيما أصيب والده بجروح متفاوتة، وفق حديثه لـ"العين الإخبارية".
ولا يستطيع عشرات السكان شرقي وجنوبي مدينة الحديدة اجتياز خطوط التماس والوصول للعلاج في المستشفيات الحكومية الخاضعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي في قلب المدينة.
وبشكل دائم تتدخل العيادات المتنقلة للهلال الأحمر الإماراتي لإسعاف ضحايا الألغام الحوثية إلى المستشفيات الميدانية في الدريهمي والخوخة والتحيتا والممولة إماراتياً ضمن مساعدات إنسانية للبلاد.
يضيف المواطن عثمان أنه "تم تفكيك 3 ألغام في جنبات المنزل، وأصبح نتيجة انفجار اللغم الحوثي السابق عاجزاً عن العمل وانقطع مصدر رزقنا الوحيد"، وذلك في اعقاب تماثل صحته، وتدخل الفرق الهندسية للقوات المشتركة في تمشيط منزله.
تفخيخ المقبرة الوحيدة
وجد عشرات السكان في البلدة الصغيرة المحررة بعد عودتهم إلى منازلهم ألغاماً بأشكال مختلفة زرعتها مليشيا الحوثي في غرف وجانب منازلهم ومداخل قريتهم، العشرات منها ألغام فردية محرمة دولياً، حسب "سامي التهامي"، أحد أعضاء الفرق الهندسية بالساحل الغربي.
يقول سامي لـ"العين الإخبارية" : بعد تحرير المسنا عاد الموطنون إلى منازلهم وكلهم بهجة، لكن سرعان ما تبدلت حياتهم إلى مآسٍ وأحزان، وباتت حقول الألغام الحوثية كابوساً يؤرق معيشتهم.
وتحت هلع التقدم الميداني المتسارع لقوات تحالف دعم الشرعية، فخخت مليشيا الحوثي بشكل عشوائي القرى المشارفة على مدينة الحديدة، بغية تحصين المجاميع التي تراجعت إلى وسط الأحياء المكتضة بالسكان وتمترسهم في مطاحن البحر الأحمر.
وقال سامي لـ"العين الإخبارية": "فخخت مليشيا الحوثي مقبرة "بر الوالدين" بالألغام الفردية والمضادة للدروع والعبوات المموهة التي تماثل الطبيعة، والألغام منعت المدنيين من العودة إلى منازلهم إلى زراعة الأرض وأعاقت قوافل الإغاثة".
ألف لغم في قرية واحدة
وحسب الفرق الهندسية التابعة للتحالف العربي وبرنامج الوطني لنزع الألغام، فإن تطهير جميع منازل وجغرافيا "المسنا" استغرقت أشهراً، تمكنت خلالها من تفكيك وانتزاع أكثر من ألف لغم مضاد للدروع، العشرات منها تعمل بدواسات فردية.
كما فككت خمسين لغماً فردياً من طراز (P2mk2) زرعت غالبيتها داخل منازل المواطنين.
وتقول المقاومة اليمنية إنها فككت ونزعت أكثر من 10 آلاف لغم وعبوة ناسفة زرعها الحوثيون في أحياء مدينة الحديدة المحررة، مؤكدة أن ما تبقى من الألغام يفوق ما تم نزعه بعدة أضعاف.
ووصفت تقارير حقوقية اعتماد مليشيا الحوثي في تلغيم وتفخيخ الأحياء السكنية في مدينة الحديدة بـ"إحياء الألغام"، وهي تحديث لأماكن الألغام التي انفجرت، مشيرة إلى أن نحو 800 ألف مدني أصبحوا شبه عالقين وسط حقول ألغام تمتد لنحو (594) كيلومتراً.
وتتهم منظمات دولية مليشيا الحوثي بمسؤولية استخدام ألغام فردية محرمة دولياً، وألغام مركبات لم تكن في مخزون الجيش اليمني السابق كما كان المركز اليمني التنفيذي لمكافحة الألغام لم يستخدمها في التدريبات لفرقه الخاصة في التعامل الآمن مع الألغام.
aXA6IDE4LjExOC4zMi43IA== جزيرة ام اند امز