"مولانا".. خلطة سياسية دينية جريئة
"مولانا" هو الفيلم الروائي السادس للمخرج مجدى أحمد على خلال مشواره الفني الذي بدأه بـ"يا دنيا يا غرامي".
"مولانا" هو الفيلم الروائي السادس للمخرج مجدى أحمد علي خلال مشواره الفني الذي بدأه بأهم أفلامه وأكثرها جماهيرية حتى الآن "يا دنيا يا غرامي"، قبل أن يتوقف لفترة ثم يعود بأعمال لا تحمل نفس الخصوصية مثل "خلطة فوزية"، و"عصافير النيل".
وأخيراً جاء الفيلم الجديد، المأخوذ عن رواية للكاتب إبراهيم عيسي، والذي يقدمه المخرج متأثراً بأسلوب وتفاصيل الرواية وعبر رؤية كلاسيكية من ناحية تكنيك كتابة السيناريو، في حين يحمل حوار إبراهيم عيسي شخصيته رغم تعدد الأبطال ويطغي أسلوبه في الحديث والسرد علي الشخصيات والأفكار.
باختصار فإن مضمون الفيلم هو نفسه فكر إبراهيم عيسي الموجود معظمه في حلقات برامجه، والصحف التي كتب بها ولكن في شكل درامي.
وقد واجه الفيلم، الذي يتناول داعية بإحدى الفضائيات، جدلاً كبيراً عند عرضه مؤخراً، خصوصاً من بعض الدعاة حيث طالب البعض المؤلف أن تكون لديه نفس الشجاعة التي تجرأ بها لرسم صورة إمام للمسلمين فى الميادين وتقييمه، لرسم صورة حاخام يهودي.
بينما رأي البعض الآخر أن هناك إيجابيات للفيلم، ومنها تأكيده سماحة الإسلام وقبول الآخر، وأن "الرّق" نظام اجتماعي كان موجوداً في كل الديانات السماوية قبل أن تتخلص منه الحضارة الإنسانية، وتأكيده عدم انتصار الدين بانضمام أفراد جدد، وإشارته أن معظم حالات الردة ما هي إلا حالات نفسية، وأن الفتنة الطائفية ما هي إلا مؤامرة ضد الجميع في مصر، وتأكيده قدرة البعض على فبركة اللقطات المسيئة للعلماء الذين يُراد إسكاتهم وهو الكلام الذي أورده تحديداً الداعية خالد الجندي .
والمؤكد أن هذا الجدل كان متوقعاً رغم أن الفيلم تجاوز ألغاماً كبيرة في الرواية باستبعاد سقوط الداعية وزوجته في جريمة الزنا، هو مع الفتاة التي جندتها أجهزة الأمن للإيقاع به، وهي مع الطبيب الذي يعالج ابنهما في لحظة ضعف مشابهة، وهو ما كان يمكن أن يشعل مزيداً من الغضب ضد الفيلم، وليس مجرد الجدل الذي وصل لمطالبة البعض بمنعه.
والحقيقة أن الفيلم يحمل مناطق إيجابية عديدة رغم أنها شائكة، فشخصية البطل "عمرو سعد" أو "مولانا" تبدو في بنائها الهندسي على قدر كبير من التوازن والوعي والتماسك ، فهي ليست متهافتة علي الشهرة بأي ثمن، وإنما تتجاوز مرحلة الفقر والصعود دون أن يكون ذلك علي جثث الآخرين عكس مشاهير وإعلاميين كثر، وهو وإن كان لا يستطيع أن يقول الحقيقة التي تتصادم مع توجهات الكبار إلا أنه لا يتورط أيضاً فى الترويج لخزعبلات تساهم في خدمة الأهداف السياسية لهؤلاء السادة.
فهو صاحب موقف أخلاقي يرفض المقايضة عليه وهو ما يحسب لهذه الشخصية ويجعلها أقرب للبطل الشعبي الذي يكتسب تعاطف المشاهدين.
ورغم أن شخصية "حاتم الشناوي"، الداعية الكاجوال، الأقرب إلى شخصية العديد من دعاة الفضائيات المعاصرين تحمل انفتاحاً علي الآخر سواء أكان ينتمي لنفس الدين أو غيره، إلا أن الفيلم يخلط بطريقة إبراهيم عيسي المعتادة بين الصوفي والشيعي لدرجة أنه يستخدم الحادثة الشهيرة لقتل وحرق شيعي أثناء الثورة بأحد المناطق الشعبية باعتباره صوفي تعرض للتنكيل من الدولة؛ لأنه يعلم تفاصيل عن نجل الرئيس الذي كان يعالج بمصحة نفسية، وهو لا يجرؤ أن يقدم إدانة واضحة لدور الدولة في تفجير كنيسة القديسين، ويكتفي بالتلميح لاستخدام متطرف ديني ونجل أحد المسؤولين الكبار لدرجة مصاهرة هذا الرئيس وقت حكم مبارك .
كما يقوم الفيلم علي علاقة أحد أبناء الرئيس الأسبق بدعاة معروفين كانوا يلعبون معه الكرة، وكيف أن أجهزة الأمن كانت تستخدم بعض هؤلاء لخدمة أهدافها، وفي حالة الرفض يتم تشويه السمعة أو التهديد بالاستبعاد وهو ما حدث ويحدث مع بعض الإعلاميين بالفعل.
وفي الفيلم أيضاً إسقاطات علي شخصيات ووقائع عديدة باعتبار أن المؤلف صحفي بالأساس، وله صولات وجولات مع النظام الأسبق، لكن ما يعنينا هنا بناء هذه الشخصيات درامياً وإلي أي مدى نجح الفيلم في بنائها وتحريكها.
وللحق فإن الفيلم سقط في خلق نسيج متماسك لشخصياته خصوصاً شخصية الصوفي أو الشيعي التي قدمها "رمزي العدل" في أول تجاربه التمثيلية، فهناك الكثير من الغموض والاختزال يجعلك لا تفهم ماهية هذه الشخصية التي يبلغنا الحوار أنها طيبة ويغلف ظهورها حالة من الود والهدوء رغم أنها شخصية محورية تتعقد بها الأحداث وتتطور حتي لحظة الصدام والحرق والترويع.
حتي شخصية صاحب القناة التي تغسل سمعتها ببرنامج ديني ينتمي للتوك شو، وبحثه عن فتوي بملك اليمين تبدو مسطحة، فالمعلومات تصلنا طول الوقت عبر الحوار دون أن نرى ما يدعم ذلك بالصورة التي هي لغة السينما الأساسية، فباستثناء مشاهد بسيطة ناعمة خصوصاً مع نزول التترات، سوف نشعر أننا نشاهد مقالاً أو حلقة تلفزيونية لإبراهيم عيسي نفسه والذي طغى حتى بأداء عمرو سعد أحياناً على معظم أحداث الفيلم، ولا أعرف هل كاريزما الكاتب التي سيطرت علي "مولانا" مبعثها أنه كاتب الرواية والحوار فقط، أم أن مجدي أحمد علي كان مبهوراً بما كتب لدرجة الذوبان دون أن يمنح نفسه الفرصة لتقديم إبداعه الخاص كمخرج، وهو ما أثر علي إيقاع الفيلم بشكل واضح.
لكن يبقى أن المخرج حاول أن يسلك رواية شائكة وجريئة ليقدمها للجمهور بشكل متوازن ، حيث تختلط السياسة بالدين، ويطفو بوضوح دور الدولة في استخدام الجميع، حتي لو كانوا دعاة، للسيطرة علي المشهدين السياسي والاجتماعي ، ليصبح الصوت الواحد هو سيد الموقف، بينما تتشابه أصوات الدعاة والإعلاميين طول الوقت.