قوى دولية تتسابق على موريتانيا.. ما السرّ؟
تتسابق القوى الدولية على نيل علاقات خاصة مع موريتانيا، الواقعة كهمزة وصل بين المنطقة العربية وأفريقيا العضو في مجموعة دول الساحل الـ5.
وهكذا أصبحت موريتانيا محل اهتمام كثير من الدول والكيانات الإقليمية، كونها من بين الدول القليلة في منطقة الساحل الأفريقي التي تتمتع بقدر من الاستقرار، وفق تحليل لمجلة "فورين بوليسي"، نشره موقع قناة "الحرة" الأمريكية.
ومن بين القوى التي تحاول كسب ودّ موريتانيا الصين وروسيا، كما تسعى قوى إقليمية، للتقرب من نواكشوط، وهو سعي ازداد بعد سلسلة الانقلابات العسكرية التي عرفتها دول الساحل الأفريقي؛ مالي وبوركينافاسو والنيجر.
سر الاهتمام الاستراتيجي بموريتانيا
ويوضح تحليل "فورين بوليسي" أن هذه الحركية التي تحولت إلى "منافسة جيوستراتيجية" على موريتانيا، التي تدور بالأساس "حول احتياطيات موريتانيا من الغاز الطبيعي وإمكانات الطاقة الخضراء التي توفرها تضاريسها الصحراوية الشاسعة، ناهيك عن موقعها الاستراتيجي على ساحل المحيط الأطلسي".
وتتمتع موريتانيا بالإضافة إلى أنها إحدى أكبر دول غرب أفريقيا، وأقلها سكانا، باحتياطيات هائلة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك الأسماك والحديد والنفط والذهب وغيرها.
ويقدر البنك الدولي ثروة موريتانيا بما يتراوح بين 50 و60 مليار دولار أمريكي، وهو أقل بكثير من البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى.
وتشكل الموارد المتجددة نحو ثلثي الثروة الطبيعية، وتعادل مصايد الأسماك وحدها حوالي ربع الثروة الطبيعية.
ويعكس تودد الصين لموريتانيا مبادرات موازية من قبل قوى عظمى وقوى إقليمية أخرى في الشرق الأوسط؛ وفق التحليل.
تلك الجهود تمتدّ من مبادرات مكافحة الإرهاب إلى تطوير الهيدروجين الأخضر، فيما من المرجح أن تتكثف إذا قررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) التدخل عسكريًا في النيجر، وفق التحليل ذاته.
الصين
التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ، بنظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في مدينة تشنغدو الصينية في 28 يوليو/ تموز، وهو اللقاء الثاني للرجلين خلال ثمانية أشهر فقط، بعد لقائهما في قمة الصين والدول العربية بالسعودية، في ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وتجمع موريتانيا والصين حاليا اتفاقية تعاون، تشمل قطاعات الزراعة وصيد الأسماك والطاقة الخضراء، وتلقت نواكشوط منحة من بكين بقيمة 21 مليون دولار لتخفيف عبء الديون عن الدولة الأفريقية.
تعتبر استثمارات الصين في موريتانيا أكثر تكاملا مع المصالح الأوروبية، ففي ديسمبر/ كانون الأول 2016، منحت الحكومة الموريتانية عقدا بقيمة 325 مليون دولار لشركة "بولي تكنولوجيز" الصينية لتطوير ميناء نجاغو.
ويَعِدُ هذا المشروع بأن يكون مركزا لصادرات الطاقة إلى أوروبا ويربط موريتانيا بالسنغال، وهي دولة مستهدفة رئيسية لمشروعات الغاز الألمانية في أفريقيا.
ومع ذلك، يشعر صناع السياسات الغربيون بالقلق إزاء مزاعم الفساد التي انتشرت حول مشروع ميناء نجاغو منذ بدايته، فضلاً عن انتهاكات شركة "بولي تكنولوجيز" للعقوبات الأمريكية ضد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.
عقب التقارب الصيني الموريتاني زارت وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولز نواكشوط في أغسطس/ آب وتجولت بوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الواقعة هناك.
الهجرة والإرهاب
لم تعرف موريتانيا عملية إرهابية منذ عام 2011، بفضل مقاربة أمنية، وتحرك وحدات متنقلة مدربة على القتال يطلق عليها "مجموعات التدخل الخاصة" التي ساعدت في دحر المتطرفين، وأضعفت المتشددين على الحدود الشمالية للبلاد.
وبفضل هذا الوضع "الآمن" نسبيا؛ تحولت موريتانيا إلى ملاذ في منطقة الساحل المضطربة، وأصبحت في مرمى منافسات القوى الخارجية.
لم تشأ موريتانيا أن تنحاز للشرق على حساب الغرب، فهي إضافة لعلاقاتها القوية مع الصين، عضو في برنامج الشراكة للحوار المتوسطي التابع لحلف شمال الأطلسي "الناتو" منذ عام 1995، رغم ما شهدته من تقييد مؤقت للتعاون مع الدول الغربية.
وإثر تعثر ذلك التعاون بعد انقلاب شهدته موريتانيا عام 2008؛ وقطع الولايات المتحدة وفرنسا جميع المساعدات غير الإنسانية عن نواكشوط،، عادت العلاقات لتتعزز مع حلف "الناتو" بشكل كبير، وذلك مع تحسن الوضع الأمني في وتحول النظام السياسي الموريتاني إلى شبه ديمقراطي،
فبدأ الحلف بتدريب عسكريين موريتانيين وأنشأ أربعة مراكز لإدارة الأزمات في البلاد، مما ساعد في قدرته على مكافحة التهديدات الأمنية والصحة العامة.
وزار الغزواني مقر "الناتو"، وهو أول رئيس موريتاني يقوم بذلك، واستقبله الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، وخصه بترحيب حار، يقول التحليل.
ويبدو أن توسيع التعاون الأمني بين الناتو وموريتانيا مدفوع أيضا برغبة الدول الأوروبية في كبح الهجرة غير الشرعية من منطقة الساحل.
ويقول التقرير إن "التعليق الأخير لتعاون المفوضية الأوروبية في مجال الهجرة مع النيجر يزيد من أهمية موريتانيا في هذا المجال".
لًعاب يسيل للطاقة
واكتسبت موريتانيا أهمية استراتيجية جديدة، مع سعي الدول الأوروبية للبحث عن موردي الطاقة البديلة؛ إذ من المقرر أن تصبح موريتانيا مصدرا للغاز إلى أوروبا بحلول نهاية عام 2023، وذلك عند اكتمال المرحلة الأولى من مشروع "السلحفاة احميم الكبرى"، بقيادة شركة "بريتيش بتروليوم" وشركة "كوزموس إنرجي".
وتتوفر موريتانيا إمكانيات لتصبح مركزا للطاقة المتجددة في غرب أفريقيا، إذ تتوفر على 700 ألف كيلومتر مربع من الأراضي المتاحة لبناء الألواح الشمسية وتوربينات الرياح.
وفي مارس/آذار الماضي، وقعت شركة "كونجونكتا" الألمانية لتطوير المشروعات مذكرة تفاهم مع شركة "أنفينيتي" المصرية لتوفير الطاقة وشركة "مصدر" الإماراتية لمشروع هيدروجين أخضر بقيمة 34 مليار دولار في موريتانيا.
يمكن أن يؤدي هذا المشروع إلى إنتاج ما يصل إلى 8 ملايين طن متري من الهيدروجين الأخضر سنويًا.
روسيا
قام الكرملين بتوسيع تعاملاته مع موريتانيا، للحيلولة دون مساعدة نواكشوط في عرقلة سعي موسكو في استخدام ورقة الطاقة ضد أوروبا ومنح "الناتو" موطئ قدم قريبا من عمليات مجموعة فاغنر في مالي، بحسب "فوريت بوليسي".
وعلى الرغم من أن العلاقات الدبلوماسية الروسية مع موريتانيا كان يقودها تقليديًا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، إلا أن الوزير سيرغي لافروف، قام بزيارة تاريخية إلى نواكشوط في فبراير/ شباط الماضي، وعرض على نواكشوط الدعم في مكافحة الإرهاب، وطلب تحسين ظروف عمل الصيادين الروس في المنطقة الاقتصادية الخالصة لموريتانيا.
دور الوساطة مع الانقلابيين
يعول على موريتانيا لتكون بمثابة جسر بين المجالس العسكرية (في النيجر ومالي وبوركينافاسو) وجيرانهم، ما يتجلى في دعمها لإعادة مالي إلى مجموعة الساحل الخمس ودورها الرئيسي في خط نقل الطاقة عبر الساحل بقيمة 900 مليون دولار والذي سيمر عبر بوركينا فاسو.