انقسامات "إخوان موريتانيا".. نزيف الاستقالات يقطع نفس "تواصل"
ككرة ثلج تتضخم الانقسامات داخل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، الذراع السياسية للإخوان في موريتانيا.
فقد استشرت في جسم الحزب الإخواني الاستقالات، مثيرة انقسامات حادة في هرم القيادة، آخرها استقالة رئيس الحزب المؤسس محمد جميل منصور بعد أسابيع من تجميد عضويته.
بداية الانقسام
منذ عام 2019 تعصف بحزب "تواصل" سلسلة استقالات ومغاضبات في الصف الأول والثاني، منذ دفع إخوان موريتانيا بمرشح من خارج الحزب هو رئيس الوزراء الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر، لمنافسة الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.
وكان ترشيح ولد بوبكر محل خلاف كبير، ومؤشر عقم سياسي للحزب، الذي لم يستطع أن ينجب مرشحه الخاص للرئاسيات، ما أثار تمردا صامتا في داخل هرم القيادة، وفي أوساط القواعد الشعبية المناصرة لهم.
وهنا بدأت الانقسامات تظهر للعلن داخل فريق "تواصل" النيابي في البرلمان، وفي تدوينات لقادة بالحزب على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد قيادة التشكيل السياسي، وخياراته ومواقفه من بعض القضايا الرائجة على الساحة.
وكانت القشة الذي قصمت ظهر بعير إخوان موريتانيا تهنئة رئيس الحزب السابق محمد جميل منصور للرئيس غزواني، إلى جانب عدد كبير من قيادات التنظيم، في حين ذهبت قيادة الحزب وقتها في اتجاه معاكس، عندما وقَّعت مع عدد من أحزاب المعارضة بيانا برفض تلك النتائج.
كما وجه محمد جميل منصور، الرئيس السابق المؤسس لحزب إخوان موريتانيا "تواصل"، انتقادات متتالية إلى قيادات الإخوان، على خلفية موقفهم من دعم المرشح الرئاسي ولد بوبكر.
وشكلت سلسلة تدوينات ولد منصور -أكبر منظري التنظيم في موريتانيا، المنتقدة لخطه السياسي- ضربة قوية لوحدة التنظيم الداخلية في مقتل، ووجهت أكبر صفعة لحزبه منذ إنشائه عام 2007، تماثل زلزال استقالته.
هذه الانتقادات شجعت الكثير من شباب الحزب وقيادات الصف الأول والثاني لإبراز مواقف سياسية مناهضة للحزب، بدأت باستقالة مجموعة كبيرة، أطلقت على نفسها "تيار راشدون"، واختارت دعم الرئيس غزواني.
وظهر البرلماني السابق، والقيادي الإخواني الشيخ عمر الفتح، قائد هذا التيار وهو يتهم حزب الإخوان بممارسة "التدين المغشوش".
كما ظهرت انتقادات حادّة للحزب على لسان النائبة سعداني خيطور، وزميلتها زينب بنت التقي، وفصل الحزب الأولى، فيما قدمت الثانية استقالتها، واختارت الترشح في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي نظمت في مايو/أيار الماضي من حزب آخر.
قيادات الحزب في الاتجاه المعاكس
لم تكن نتائج المؤتمر الرابع للحزب المنعقد في ديسمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي جاءت برئيس جديد من قيادات الصف الثالث تقريبا مرضية لقادة الحزب ونشطائه، وأفرزت المزيد من الانقسام، فأعلن البعض تجميد نشاطه، واختار آخرون الاستقالة.
والآن أصبحت قيادات الحزب من الصف الأول مثل جميل منصور؛ وشيخاني ولد بيب، ومحمد غلام الحاج الشيخ ؛ والسالك سيدي محمود، وعمر الفتح -وهي شخصيات وازنة في إخوان موريتانيا، ومؤسسة لحزب تواصل- بين مغاضب ومستقيل.
وتعليقا على استقالة ولد منصور، يقول محمد ولد أمين، الوزير السابق والكاتب الموريتاني، إن نصها "لم يتحدث عن أي مراجعات فكرية، وحدد ما يأخذ على تواصل وعدده تباعا، فأتى كله متعلقا بإدارة الحزب لا فكره ووجهة نظره".
وأضاف في تدوينة على موقع "فيسبوك": "من نافلة القول إن تواصل مجرد واجهة من واجهات عديدة لتنظيم الإخوان المسلمين، ولم نفهم في موقف المعني أي ابتعاد من التنظيم، بل العكس فقد راح يسطر لهم من عذب الثناء ما يفهم منه أنه على نفس التوجه التقليدي المعروف".
وتابع قائلا: "إن استقالة زعيم حزبي من نوع جميل لو كانت حقيقية لاستقال معه مناصروه، فمثله لا يليق به أن ينسحب وحيدا، وإن فعل فإن في الأمر ما يدعو للريبة والشك.. لا أعرف لكن ما حصل ليس حدثا سياسيا وإنما هو إجراء فردي وأغلب ظني أنه مرتب ومدروس ومتفق عليه".
حزب جديد؟
وفي إشارة إلى انقسام أكبر قد يهدد وجود الحزب الإخواني، يتوقع مراقبون أن يتجه جميل منصور لتأسيس حزب جديد يوازي "تواصل" ويجذب إليه المغاضبين من حزبه الأول، ويلتحق به من يوافقه في الملاحظات على البيت السابق، وحينها سيكون إخوان موريتانيا برأسين متخاصمين.
ويرى الصحفي والكاتب أحمد إسلمُ فاضل، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن "تداعيات تلك الاستقالات قد تكون مباشرة، إذا ما قرر الرئيس المستقيل جميل منصور تأسيس إطار حزبي بنفس المرجعية والأفكار، مما قد يستقطب جناحَ المغاضبين في الحزب فيلتحقوا به".
مضيفا أن ذلك "قد يؤثر على مكانة الحزب، ويسحب بعض منتسبيه من القواعد الشعبية، ويضر بمصالحه وعلاقاته لدى من يقاسمونه نفس المرجعية الفكرية في البلدان الأخرى"، في إشارة إلى الأحزاب الإخوانية في بلدان المغرب العربي.
الانضمام للحزب الحاكم
أما حمزة المحفوظ، الكاتب المختص في جماعات الإسلام السياسي، فيرى أن هذه الاستقالة "تتويج لمجموعة من المراحل عبر فيها جميل منصور عن تهميشه من الحزب الذي لم يعد يتبوأ فيها موقعه المناسب، مع وجود قيادة جديدة".
وقال المحفوظ، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن "الحزب الإخواني فقد خطابه البريق والجاذبية، واتضح أنه مبني على مصالح مادية صرفة، والكوادر التي غادرت تركت تواصل بسبب تهديد مصالحها".
وأردف الخبير في جماعات الإسلام السياسي ضمن نفس السياق قائلا إن "جميل منصور غادر عندما هددت مصالحه الشخصية، وأتوقع أن ينضم لحزب الإنصاف الحاكم قريبا".
ضربة قاضية لإخوان موريتانيا
وعن تأثير الاستقالات على الحزب الإخواني، قال الخبير الموريتاني إنها "تمثل ضربة قوية للحزب، وتؤكد أن هذا التنظيم لم يعد قادرا على الاحتفاظ بتماسكه، خاصة أن غالبية قيادات الصف الأول والوجوه الإعلامية البارزة التي مثلت الحقبة الذهبية له قد غادرت الحزب على فترات منذ تولي الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني مقاليد السلطة، وقد أعلنت كلها الانضمام للحزب الحاكم".
وعن استقالة مؤسس الحزب جميل منصور، يرى المحفوظ أنه "أصبح من الواضح أن حزب تواصل لم يعد حزبا أيديولوجيا ولا تنظيما مؤثرا، بل أصبح حلبة صراع يخرج منها كل من أصبحت مصالحه الشخصية مهددة".
وتوقع أن "تهز استقالة جميل منصور -الذي يمثل مرجعية لكثير من التواصليين- ثقتهم بالحزب فيغادرون كما غادر جميل".
وأوضح أن "حزب تواصل أصبح مكشوفا للجميع كحزب براغماتي تتقاذفه المصالح الضيقة، التي ستؤول به قريبا إلى التفكك النهائي، كحزب تكتل القوى الديمقراطية، الذي كان في التسعينيات حزبا منافسا للحزب الجمهوري الحاكم آنذاك".
وخلص حمزة المحفوظ إلى أن "استقالة جميل منصور تمثل هبوطا حادا في دورة تواصل السياسية، وسيكون لها تأثيرها السلبي على سياسة الحزب وجماهيريته".
aXA6IDMuMjEuNDYuMjQg جزيرة ام اند امز