كانت وسائل الإعلام تنقسم في تغطياتها لأي حدث تبعاً لانحياز أو انتماء هذا المنبر الإعلامي أو ذاك، لأحد الأطراف المشكّلة للحدث.
لم تترك وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية والإلكترونية شاردةً أو واردةً متعلقة بفيروس كورونا منذ الإفصاح عن اكتشافه وانتشاره إلا وأتت عليها بحثاً وتفصيلاً وتحليلاً وتدقيقاً، وقد شكّل هذا الجهد الاستثنائي غير المسبوق في تاريخ الإعلام، من حيث وحدة موضوعه ومن حيث الاهتمام به، قاسماً مشتركاً التقت عنده وسائل الإعلام كلها على اختلاف صنوفها ولغاتها ومشاربها السياسية ومواقعها الجغرافية واستراتيجياتها سواء كانت جهات حكومية عامة، أو أهلية خاصة.
حتى عهد قريب؛ أي إلى حين مداهمة الوباء لعالمنا الراهن قبل حوالي ستة أشهر، كانت وسائل الإعلام تنقسم في تغطياتها لأي حدث تبعاً لانحياز أو انتماء هذا المنبر الإعلامي أو ذاك، لأحد الأطراف المشكّلة للحدث.
صدمة جائحة كورونا وتهديدها للإنسان ولمفردات ومقومات وجوده بلا تمييز، تبدّت كصرخة مدوّية في عمق الوعي البشري عموماً، وتجلّى صداها في المنابر الإعلامية كأحد أهم أذرع المواجهة مع كورونا بشكل خاص، حيث جنّدت إمكاناتها وعقولَ القائمين عليها ومهاراتهم بمختلف مواقعهم الجغرافية والمهنية، مذيعين، مراسلين، محاورين، كتاب، إلخ، لتحفيز وعي الرأي العام وتنوير العقول وتغذيتها بما ينفع ويساهم في تطوير مهارات الإنسان ومنحه وسائل مواجهة تحديات الطبيعة والتحديات التي تفرضها سيرورة وتطور الوباء.
قدمت المنصات الإعلامية بين يدي الإنسان آراء كل من أدلى بدلوه من الأخصائيين والعلماء والسياسيين والمفكرين والمحللين من مختلف بلدان العالم.
فراحت تخاطب الرأي العام بشفافية ووضوح حول طبيعة الخطر الداهم وجديته، والإصابات وتوزعها على أربع جهات الأرض، وتطرح على مسامعه وبصره الجدل القائم بشأن فيروس كورونا المتعلق بحيثياته وأبعاده ومساراته والتكهنات بشأن مآلاته، وانعكاسات الوباء على المشهد العالمي، وتفاصيل هذا المشهد وتفاعلاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والصحية وما يمكن أن يترتب على ذلك من تبعات وتطورات على الصعد كافة.
وقدمت المنصات الإعلامية بين يدي الإنسان آراء كل من أدلى بدلوه من الأخصائيين والعلماء والسياسيين والمفكرين والمحللين من مختلف بلدان العالم، ولم تستثن وسائل الإعلام، من ضمن دورها، مسألة تسليط الضوء على المناكفات السياسية بين بعض الدول على خلفية ظهور الوباء.
وقد رافقت تغطياتها المفتوحة برامجُ توعيةً ونصائح مباشرة أسهمت بنسب عالية جداً في تجنب كوارث كان يمكن أن تقع في غير مجتمع.
هل كان بإمكان جموع البشر أن يدركوا خطورة الفيروس على حياتهم وكياناتهم العامة لولا وسائلُ الإعلام وجنودها والقائمون عليها؟ من كان يدرك أن الحجر المنزلي، مثلا، أحد أهم وسائل الوقاية من الإصابة بالفيروس؟ وهو ما أثبتته تجارب الدول والمجتمعات التي التزمت به.
هل كان بمقدور الناس على وجه البسيطة كلها أن يعلموا أن عدداً من الدول تمكنت من تجاوز خطر الفيروس بسبب اتباعها اجراءات بعينها ساعدتها على الحد من انتشاره وتقليص عدد الإصابات لولا وسائل الإعلام وجيوشها؟
كيف كان يمكن للشعوب المختلفة لغاتها عن لغات شعوب أخرى أن تدرك أهمية النصائح والإرشادات الضرورية لمواجهة كورونا؟
كيف أمكن للإنسان البسيط في أي مكان من العالم أن يعلم الصعوبات الاقتصادية المترتبة عليه فردا أو جماعة أو دولة جرّاء الوباء وما أحدثه من ضرر لامثيل له على دورة الحياة الاقتصادية للعالم برمته؟
أسئلة وجدت أجوبتها واضحة جليّةً في ثنايا الماكينة الإعلامية التي لم تتوقف عن الدوران في فلك وظيفتها ودورها الإخباري والتوعوي خلال أزمة كورونا العالمية، وريادةُ دورها يفصح عنه بلا لبس التوجهُ المباشر والمجرد نحو الرأي العام ومخاطبته بروح النصح والتوجيه، مُتَنسّمةً أدوارَ الأطباء حيناً، وأدوار الموجهين والمرشدين الاجتماعيين حيناً آخر، وأدوار الرعاية المتبادلة بين الإنسان وحواضنه السياسية والاجتماعية أحيانا .
بقدر العبء الذي تتحمله وسائل الإعلام وكوادرها وهم في الخندق المتقدم إلى جانب أصحاب الاختصاص من الأطباء وغيرهم في مواجهة الوباء العالمي، فإنها بصنوفها المهنية المتعددة قدمت نماذج من التغطيات المتميزة ليس فقط في سرعة الخبر ودقته وشموله بالتحليل، بل أيضا بالبعد الأخلاقي النابع من الإحساس والواجب والمسؤولية العامة تجاه الرأي العام أيّاً كان موقعُه وانتماؤه وايديولوجيته وعرقه ومذهبه، وقد توحدت لغتها، توعيةً ونصحاً، بضرورة إدراك الناس أن "الخروج من الأزمة لا يعني هزيمة كورونا وأن تخفيف القيود لا يعني التهاون، بل هدفه دعم القطاعات الحيوية، وأن مسؤولية الأفراد في مكافحة الفيروس جزءٌ من منظومة الدول في مكافحة الفيروس" وإلى ما هنالك من إرشادات باتت تشكل عنصراً ثابتا من شكل ومضمون المنابر الإعلامية.
لكل منبر ووسيلة إعلامية أدواتها الخاصة وكوادرها المختصة وطرائقها في التغطية؛ فالصحيفة ليست كالتلفزيون، وكلاهما مختلف عن الإذاعة، لكن الإعلام الإلكتروني، المنضبط بأسس ونظم العمل الإعلامي المؤسساتي، أضاف إلى خصوصيته الجامعة أساساً، والممتلكة لأدوات ومقومات الوسائل الإعلامية الأخرى من كوادر وتقنيات، حضوراً نوعياً بسبب سهولة الوصول إليه والتعامل معه من قبل شرائح واسعة من الأشخاص تحت مختلف الظروف والأماكن والأحوال.
تمكّن الإعلام وهو يقف إلى جانب الإنسان في مواجهة الخطر الكوروني الداهم من الاستثمار في المحنة الكبرى عبر ترسيخ دوره كمنصة لخدمة الانسان ووعيه ووجوده، ولعلها فرصة لإعادة التموضع وتكريس أخلاقيات مهنية إضافية تُؤصّل مبدأ التفاعل والتأثير بين الوسيلة الإعلامية والمتلقي انطلاقاً من المصداقية والثقة المتبادلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة