الإعلام من أهم مقومات القوة الشاملة لأي دولة، بل هو الأهم، ومع الأسف فإن الإعلام السعودي هو النقطة الأضعف في القوة الشاملة للمملكة
مع إعلان عاصمتنا الغالية الرياض عاصمة للإعلام العربي تذكرت حديث الأنيق والبليغ والشاعر والرجل الذكي وحاضر البديهة والمثقف ذِي الحضور والكاريزما المميزة، الأمير الذي أحببناه شاعراً وتجاهلناه رياضياً وعشقناه كاتباً ومغرداً ومدافعاً ومنافحاً عن وطنه، الأمير الذي كان كالريح العاتية في وجه أعداء الوطن، والمواطن والشاعر الذي أذاق مهاجمي المملكة العلقم، الأمير والمواطن عبدالرحمن بن مساعد في لقائه مع الزميل عبدالله المديفر، وكيف أنه شخص واقع وحال الإعلام السعودي في وصف دقيق لا يمكن تجاهله أو التغافل عنه.
لقد أصبح الإعلام أحد أسلحة العصر، والحروب الإعلامية أشد ضراوة وتأثيراً على المجتمعات من الحروب العسكرية، وأغلب الحروب في وقتنا الحاضر في المقام الأول إعلامية، ومن يرد أن يخسر قضاياه عليه أن يتجاهل الإعلام والعكس صحيح
ذكر الأمير أن المملكة تتعرض لحملات وحروب شعواء وضارية من كل حدب وصوب، وكان فيها إعلامنا الرسمي ضعيفاً وليس على مستوى الحدث لمجابهة الهجوم الموجه والمركز ضدها، مما جعل المواطنين السعوديين (المغردين السعوديين) هم من يقومون بدور الدفاع عن الوطن ومنجزاته وبشكل رائع ومميز فاق كل التوقعات، فالأمير كان مع مجموعة من الأمراء الذين تخندقوا مع المغردين حتى أطلق عليهم الإعلام المعادي (مرتزق بمرتبة أمير)، ظناً منهم بأن سموه كمرتزقتهم الذين دأبوا على استئجارهم من شتى أصقاع الأرض، وجعل منه جزءاً من (الذباب الإلكتروني)، وهو اللقب الذي أطلقه إعلام قطر على المغردين السعوديين بعدما ضاق بهم ذرعاً، وأسقطوا حجته وكبرياءه وأفشلوا مخططاته وهزموا إمبراطوريته الإعلامية، وحاول إلصاق بعض الصفات والمزاعم بهم.
كما أن الأمير يرى أن إعلامنا الرسمي لم يكن على قدر التحديات التي تواجه السعودية، فهو في الشأن المحلي يؤدي ما هو مقبول منه، بينما في الشأن العربي عامة والخليجي خاصة لم يكن على مستوى التطلعات وليس ذَا تأثير، بينما في الشأن العالمي فهو ميت سريرياً، وأن المملكة ومشروعها ورؤيتها وتوجهاتها ورسالتها لا يليق أن يكون هذا هو حال إعلامها.
مما سبق يبدو لي وكأن إعلامنا بلا هدف أو استراتيجية، فهو لا يخوض حرباً فكرية وإيديولوجية أو يقدم رسالة القيادة والدولة، ولا يقوم بحرب معلوماتية يساند فيها القائمين على أمن الوطن، ولا يستطيع أن يقوم بحرب إعلامية مركزة أو يجيدها للتأثير على العدو، أعلم أن الصحافة والإعلام مهنة شريفة تستحق كل الاحترام والتقدير، وتسهم بشكل كبير في نمو وتطور الأمم، وعلى الصحفيين والإعلاميين مسؤولية كبيرة لنقل الحقائق بشفافية ومصداقية دون التأثر بالأجندات، وهذا ما نطلبه بالضبط من إعلامنا، فنحن لا نريد من إعلامنا أن يكذب أو يفتري كما يفعل الإعلام المعادي، فالمملكة وسياسة قيادتها تجعلك من السهل الدفاع عنها، وفي الوقت نفسه تملك ما يمكن أن تدافع به عنها في ظل ما تقدمه من خدمات عظيمة للإسلام والمسلمين، بدورها الريادي والقيادي في العالم، ومن ثم لا يمكن أن نجد العذر للإعلام السعودي أن يعجز أو يقدم ما يخدم المملكة وفق المبادئ والقيم والرؤية الإسلامية.
في العصر الحديث بات الإعلام من أهم مقومات القوة الشاملة لأي دولة، بل هو الأهم، ومع الأسف فإن الإعلام السعودي هو النقطة الأضعف في القوة الشاملة للمملكة، وهو في حاجة إلى عاصفة حزم تعيد لهذا الإعلام قوته وهيبته محلياً وتأثيره خارجياً، فالإعلام يتطور بتطور الأنظمة واللوائح والأهداف والاستراتيجيات، ومن خلال العمل على أجندات مدروسة، ومتابعة مسار تطبيق عملها والنتائج بشكل مستمر، ولا يمنع أن نستفيد من تجارب الدول الأخرى لننطلق من حيث انتهوا، ونقدم ما يخدم الأمة العربية والإسلامية، كما لا يوجد ما يمنع أن نقوم بتحالف إعلامي عربي على غرار التحالف العربي العسكري لنكون أكثر انتشاراً وتأثيراً.
لقد أصبح الإعلام أحد أسلحة العصر، والحروب الإعلامية أشد ضراوة وتأثيرا على المجتمعات من الحروب العسكرية، وأغلب الحروب في وقتنا الحاضر في المقام الأول إعلامية، ومن يرد أن يخسر قضاياه عليه أن يتجاهل الإعلام والعكس صحيح، فالإعلام يحول القضايا الخاسرة إلى منتصرة عبر قوى ومؤثر ومضاد وأكثر احترافية ومهنية.
المتربصون ببلادنا كثر، وينتظرون منا الزلات والتغاضي عن بعض الأخطاء لمصلحة الوطن، ولا نريد من إعلامنا أن يكون منصة لبعض التافهين من المشاهير أو يذكي أو يثير التعصب الرياضي والقبلي والاجتماعي والمناطقي، كما يجب أن نتذكر أن الإعلام كان من أهم أدوات الربيع العربي واختراقه وزرع الموالين من أعداء المملكة، وكان هدفاً رئيسياً لهم عبر أشخاص خونة تنفيذيين في بعض المنصات الإعلامية السعودية تم اكتشافهم مؤخراً.
الواقع يقول إننا نحتاج إلى وقفة مع الذات لدراسة أسباب فشلنا الإعلامي، وتقديم حالة تشخيصية لحالنا وواقعنا، ومعرفة ما المطلوب منا حتى لا يكون إعلامنا مجرد طابور خامس، فهو لا يليق بحجم المملكة العربية السعودية، وليس على مستوى التحديات، ولا يواكب رؤية المملكة الجديدة، ليبقى السؤال.. متى يتطور الإعلام السعودي ويواكب رؤية المملكة 2030 ورسالتها ونموها وتطورها في مختلف المجالات؟
أتمنى أن تكون الأعوام المقبلة هي أعوام الإعلام العربي الحقيقي، لنطلق من خلالها نحو إعلام قوي ومؤثر ونزيه، ونؤكد من خلالها قوتنا وأحقيتنا لقيادة الإعلام العربي من جديد، لما نملكه من مقومات وقدرات وطاقات ستساعدنا على التكامل، ولا نترك سلاحاً فتاكاً مثل الإعلام بيد أعدائنا يوجهونه نحونا وقتما وحيثما يشاؤون.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة