الإعلام الإماراتي أثبت اليوم أنه واحدٌ من الأجهزة الفاعلة والمؤثرة، وهذا دافع لضمان استمرارية كل قطاعاته
حينما قال دان براون: "إن وسائل الإعلام هي اليد اليمنى للفوضى".. اتفقنا إلى حد كبير معه، خاصة حينما يكون إعلاماً مسيّساً غير محايدٍ وينتمي لقوى معينة تجيش رسائلها عبره نحو قوى أو فئة أخرى، فهنا نرى منبراً يكون أشبه ببوق الشر وأداة لتأجيج الناس بإحداث مزيد من الفوضى والدمار.
هذا النوع من الإعلام قد تعرضنا له كثيراً في المرحلة التي كانت تسبق أزمة كورونا، ومن وسائل كانت تعتبر مدارس في المهنية والموضوعية ووقتها كانت الدول تتصارع والبشر يتناحرون والأفكار المضمحلة تتسيّد المشهد وخطابات الكراهية والتفرقة تتصادم مع نداءات التسامح وقبول الآخر، إلى أن جاء الفيروس الذي أخرس الأفواه وأسقط الاقتصادات وأسقط الأقنعة ودمّر الأنظمة الصحية، فنهض من تحت ركامه خطاب سياسي واقتصادي واجتماعي وإعلامي قوي وموحد لمَّ شمل الجميع، ونجح في خلق حالة من اصطفاف القوى من أجل حاجة البقاء الملحة.
ومع تغير خارطة كل القطاعات الحيوية تغيرت بطبيعة الحال خارطة الإعلام في ظل هذه الأزمة، ولا شك أننا عندما نتطرق إلى إعلام الأزمات في ظل ظروف صحية لا يشبه تعاطيه مع المعطيات كما في حالة الأزمات السياسية مثلاً.
وإن أخذنا تعاطي إعلامنا الخليجي مع أزمة كورونا سنلاحظ المنحنى التصاعدي الذي حققه، فمع بداية الأزمة وضبابية الرؤية العالمية التي كانت تسوده منذ منتصف فبراير سرعان ما تكشفت الحقائق حول جدية المهدد الصحي ليتم أخذ الخطابات الرسمية للحكومات وفرقها من هيئات الصحة والكوارث والأزمات بأولوية في هرم الأهمية انطلاقاً من الحسّ الخبري الذي يكون كملكة وهبة لدى ممارسي المهنة، فاستشعرت تلك الوسائل فوراً تحول المشكلة إلى أزمة ومنها إلى كارثة وجائحة، لتبدأ فوراً ببث البيانات الرسمية أولاً بأول وتكثيف التساؤلات التي كانت لا تلقى رداً سريعاً في بادئ الأمر نظراً لحساسية معلومات كهذه وتطورها السريع والصادم على المستوى العالمي حتى.
الأزمة اليوم وكما أعادت لمهن الطب والتمريض مكانتها الاعتبارية المستحقة يعود الإعلام أيضا لعصره الذهبي بمعالجته الدقيقة التي تبتعد عن التهويل والمشبعة بكل ما يريده الجمهور والإعلام الخارجي.
ولأن المنظومة الخليجية حضارية ومرنة على المستوى الإداري سرعان ما شُكّلت لجان لاحتواء الأزمة، وكان من بينها خلايا إعلامية تعمل بخط موازٍ لكل الفرق لتكون بمثابة الحائط الذي يستندون عليه، فسرت النشوة من جديد في الجسد الإعلامي بكل مفاصله المقروءة والمسموعة والمرئية لتكون أولى مهامه في دولنا الخليجية التي تتفوق في إجراءاتها الاستباقية والاحترازية هي تباعا "الإخبار والتحليل والتأثير بحشد الرأي العام وتكوين الوعي الصحي وصد الشائعات".
ولو أخذنا الإعلام الإماراتي كنموذج بشكل سريع وبأدوات قياس أولية سنلاحظ مدى تدفق المعلومات وشفافيتها كون دولة الإمارات هي أول دولة عربية أعلنت عن حالات الإصابة، فحرصت على إطلاع المجتمع أولاً بأول في مطلع الأزمة على سير عملية متابعة حركة الوباء ببيانات رسمية تصدر بشكل شبه يومي من اللجنة الرسمية للكوارث والأزمات، ومع توغل الأزمة أكثر ازدادت وتيرة التغطيات الإعلامية بتصدر الخبر المتعلق بالفيروس عناوين الصحف ونشرات الأخبار لبث المعلومات الرسمية، وتكثفت معها التحليلات العميقة عبر التحقيقات الخاصة وصفحات الرأي وأعمدة الكتاب والبرامج الإذاعية والتلفزيونية التي لم تترك جانباً إلا وغطته بشكل متدفق ومباشر ومدعوم بشروحات بصرية عالية مع تطور البنية التكنولوجية التي تملكها معظم الوسائل الإعلامية الإماراتية.
وكون المستوى التعليمي والثقافي بين أفراد المجتمع متفاوتا بتفاوت الأعمار والفئات والجنسيات تنوعت سبل الوصول إلى الجماهير لتتحول جميع المنصات إلى خلايا بث حية بالكلمة والصوت والصورة، فشاهدنا توحدا وتكاملا في الخطابات ليكون الجميع تحت مظلة الإعلام الوطني، ورغم تعدد تلك المنابر الحكومية منها والخاصة فإنها جميعاً تصب في مجرى واحد وتجمعها استراتيجية واحدة.
ولا شك أن الإعلام الإماراتي أثبت اليوم أنه واحدٌ من الأجهزة الفاعلة والمؤثرة وهذا دافع لضمان استمرارية كل قطاعاته التي كان يقال عن بعضها كالصحف والتلفزيونات إنها قد انتهى زمنها مقابل وسائل الإعلام الرقمية ومنصات البث الجديدة كنتفليكس وغيرها، إلا أن الأزمة اليوم وكما أعادت لمهن الطب والتمريض مكانتها الاعتبارية المستحقة يعود الإعلام أيضا لعصره الذهبي بمعالجته الدقيقة التي تبتعد عن التهويل والمشبعة بكل ما يريده الجمهور والإعلام الخارجي.
لم ينتهِ الدور هنا بل المسؤولية القادمة أكثر ضراوةً مع تزايد اهتمام الرأي العام بوسائل الإعلام نتيجة التعرض المكثف لها اليوم كمصدر للمعلومة والتوجيهات والاطمئنان، وهذه المرحلة تتطلب الكثافة والغزارة بعيداً عن البهرجة والمنافسة، وتقديم رسائل مبتكرة ومتطورة قادرة على أن تصل وتؤثر على جمهور يلزم بيته ويصل لمرحلة الملل أحياناً، فتظهر بوادر نفسية جديدة على السطح تتطلب معالجتها إعلامياً بشكل عاطفي وذكي في آن.. كون الوضع استثنائيا ومعقدا ويخلق مناخاً سيكولوجيا له سمات عديدة، ومن الأهمية بمكان أن يكون إعلامنا بترسانته القوية ملتحما بالمجتمع وهمومه وآلة مساندة للحكومة وملتحماً بمختلف الأجهزة المكرسة للتصدي لهذا الوباء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة