وسائل الإعلام الحديث تغيرت كثيراً، وأدواته تعددت في عصرنا الحالي، فلم يكن الكلام المباشر هو السمة الغالبة فيه، بعدما انتشرت "التورية".
بقدر ما أثارت المذيعة السعودية سارة دندراوي، في قناة "العربية" الجدال، وأشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب حديثها عن تخفيض أسعار الخمور في قطر، وإقحام "بعض" الكويتيين في هذا الموضوع، بقدر ما كشفت عن خلل عربي أصيل وقديم، في كيفية التعامل مع وسائل الإعلام، بسبب الشعور الدائم لدينا بأننا دائما وأبداً واقعون تحت دائرة الاتهام.
أعود مرة أخرى، للتأكيد على أهمية التعامل الذكي مع الإعلام، ومحاولة فهم طبيعة الجهة الإعلامية التي تستهدف خطابها، وكيف تخاطبها، ومتى وأين وبأي أسلوب، خاصة إذا كان الأمر على مستوى الدول والحكومات، مع الوضع في الاعتبار أن 80% من المشكلات والأزمات بين الدول، سببها "سوء فهم" صغير، وكبر شيئاً فشيئاً، إلى أن أصبح أزمة لا داعي لها بالمرة.
الزميلة سارة، مذيعة محترفة ومثقفة، وواثقة من نفسها إلى درجة تتجاوز المعتاد، بدليل تعاملها المباشر مع تفاعل الناس في مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال برنامجها "تفاعلكم"، وهو ما يؤكد كلامي بأنها مذيعة تعي تماماً ما تقوله وما تقصده، وبالتالي من الصعب أن تُخطئ مثل هذا الخطأ، الذي يصر عليه الكثير من الكويتيين، ومعهم وزارة الخارجية الكويتية نفسها، التي ترى أن ما فعلته سارة تجاوز يستوجب الاعتذار.
أنا لست هنا للدفاع عن سارة، فهي قادرة على ذلك، وببراعة، من خلال منبرها الإعلامي (العربية). كما أنني لا أريد التأكيد على عمق العلاقات بين السعودية والكويت، فهذا أمر لا شك فيه، ولكن في هذا المقال أتحدث عن ظاهرة "سوء الفهم"، التي انتشرت بيننا بشكل سخيف ومخيف، هذه الظاهرة جالت في المكان، وتربعت فوق العلاقات الاجتماعية والدولية، فعندما يتحدث أحد نعرفه ويعرفنا بكلام ما ويحمل انتقادات لاذعة، نعتقد أننا المعنيون بهذه الانتقادات، وإذا حاول المتحدث كشف بعض علامات الذين يعنيهم بحديثه -وهي علامات تُبعدنا عن دائرة الانتقادات- نعتقد أنه "يلف ويدور"، وأنه بالفعل يقصدنا بانتقاداته، وليس لهذا الأمر إلا تفسير واحد، وهو أننا غير واثقين في أنفسنا بالقدر الكافي.
وسائل الإعلام الحديث تغيرت كثيراً، وأدواته تعددت في عصرنا الحالي، فلم يكن الكلام المباشر والصريح هو السمة الغالبة فيه، بعدما انتشرت "التورية" و"التلميح" و"الإيعاز"، ووصل الأمر إلى "الهمز" و"اللمز" أحياناً، وهي أدوات، يقفز بها الإعلامي أو الناشط الاجتماعي أو المغرد، فوق المحظورات القانونية أو الأخلاقية أو الأعراف والتقاليد، ليعبر عن رأيه.
ونحن في أمتنا العربية لا نعتاد على هذه الأدوات، ولا نؤمن بها، إذا كان الأمر يخصنا، ولا نصدق سوى هواجسنا، بأننا محل اتهام من قبل الطرف الآخر، ونطالبه بالاعتذار الفوري وغير المشروط على تلك الاتهامات، التي ربما لا أساس لها من الصحة، ولم نسأل أنفسنا: لماذا نشعر بأننا المعنيون بالاتهامات؟ هل لأننا غير واثقين بأنفسنا، أو لأننا نرتكب أخطاء حقيقية، ونشعر في قرارة أنفسنا بأننا محل انتقاد؟
بالرجوع إلى سارة الدندراوي مرة أخرى، أرى أنه كان من الحكمة من جانب وزارة الخارجية الكويتية، التزام الصمت، تجاه ما فعلت سارة، والافتراض ولو مؤقتاً بأن المذيعة لا تقصد إهانة الكويتيين، ولا مانع من إجراء اتصالات داخلية، للتأكد من نوايا المذيعة ومقصدها، ولكن بيان الوزارة على حديث الدندراوي، هو ما أشعل النار في الهشيم، وأجبر من لم يلتفت إلى الموضوع برمته، أن يدخل ويقرأ ويتابع هو وغيره من الملايين.
أعود مرة أخرى للتأكيد على أهمية التعامل الذكي مع الإعلام، ومحاولة فهم طبيعة الجهة الإعلامية التي تستهدف خطابها، وكيف تخاطبها، ومتى وأين وبأي أسلوب، خاصة إذا كان الأمر على مستوى الدول والحكومات، مع الوضع في الاعتبار أن 80% من المشكلات والأزمات بين الدول، سببها "سوء فهم" صغير، وكبر شيئاً فشيئاً، إلى أن أصبح أزمة لا داعي لها بالمرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة