هناك مفاوضات لإحداث تسوية، وهناك شبه مفاوضات تؤدي إلى شبه تسوية.
علم التفاوض كان، وما زال وسيظل، من الوسائل لتسوية الصراعات بين الدول، والقوى، والمؤسسات، وأصحاب المصالح المختلفة.
وما نشاهده هذه الأيام من عمليات تفاوض محلي وطني، مثل اتفاق المجلس العسكري وحركة الحرية والتغيير، أو تفاوض المؤسسة العسكرية وقوى المجتمع المدني في الجزائر، أو وساطات المبعوثين الدوليين في اليمن وسوريا وليبيا، هو تطبيق عملي لعلم التفاوض لحل الصراع والتوصل لتسوية.
لذلك كله، اعذروني، فأنا لا أشعر بطمأنينة للمفاوضات التي يعلن عنها هذه الأيام، لأنها ليست سوى شبه مفاوضات لن تؤدي إلا لشبه تسوية، ثم ينفجر الموقف.
وما يحدث الآن من أخذ وردّ علني وقنوات وساطات وحوار سري عبر قنوات خلفية أو وسطاء علنيين بين إيران والولايات المتحدة هو تطبيق آخر عملي لعلم التفاوض.
ولكن ما جوهر علم التفاوض؟
يستهدف علم التفاوض السعي إلى تجنب الصراع بين طرفين أو أكثر عبر الحوار بهدف التوصل إلى تسوية مقبولة أو مُرضية للأطراف.
وعلم التفاوض هو أي شكل من أشكال التعامل مع الأزمات، وهو ليس الأداة الوحيدة فهناك نظريات أخرى مثل: نظرية الردع، ونظرية الصراع، ونظرية المباريات «أي التباري بين الأطراف» ونظرية التحالفات، ونظرية الواقعية العملية وغيرها.
وما نشهده من تعثر في المفاوضات هو سعي الأطراف الدائم إلى تعظيم حصة ومكاسب كل طرف من ناتج التفاوض عن طريق تحسين شروط التفاوض ودخول المفاوضات بأكبر قدر من أوراق القوة ووضع الطرف الآخر تحت أكبر قدر من الضغوط وتجريده من أي أوراق أو أدوات الضغط المضاد أو الرد.
ولدي وجهة نظر خاصة بي لا أعتقد أنني أدعي أنها صواب مطلق، لكنها اجتهاد يحتمل الصواب أو الخطأ، وهي أن التفاوض الناجح الذي يقوم على «ضغط الضرورة الملحة» في عالمنا العربي ينتهي في معظم الأحيان إلى نتائج كارثية، لأنه «سلوك تكتيكي لا يعكس رغبة أصيلة في التوصل لتسوية جذرية ونهائية ولكن هو سلوك ضرورة مؤقت يسعى لرفع ضغط أو ضغوط لا تحتمل يتم التخلص من أعبائها الآن بأي ثمن لتجنب الكلفة العالية للأزمة.
تنجح المفاوضات حينما تكون صادقة جذرية تأسيسية، مثل تفاوض العدالة الانتقالية بين البيض والسود في جنوب أفريقيا، أو بين «الهوتو والتوتسى» في رواندا، أو تفاوض توحيد الشرق والغرب في الألمانيتين عقب سقوط جدار برلين.
وتفشل المفاوضات حينما تصبح تكتيكية، مثل مفاوضات سوريا أو ليبيا أو اليمن أو القوى الموقعة على اتفاق الطائف.
هناك مفاوضات لإحداث تسوية، وهناك شبه مفاوضات تؤدي إلى شبه تسوية.
لذلك كله، اعذرونى، أنا لا أشعر بطمأنينة للمفاوضات التي يعلن عنها هذه الأيام، لأنها ليست سوى شبه مفاوضات لن تؤدي إلا لشبه تسوية، ثم ينفجر الموقف.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة