من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة خطوات جادة وقفزات جديدة على طريق تعزيز الشراكة بين الجانبين الإماراتي والصيني
في يناير من عام 2016 أطلقت بكين وثيقة تحت عنوان "سياسة الصين تجاه الدول العربية"، في محاولة لبلورة أبرز المبادئ والمرتكزات الحاكمة لتوجهات سياستها الخارجية تجاه الدول العربية، باعتبار أن العلاقات العربية-الصينية تضرب جذورها بقوة في عمق الزمان، وتتسم بقدر كبير من الانسجام الذي ينبع من وجود قنوات اتصال برية وبحرية تمتد لأكثر من ألفي سنة، وقواسم مشتركة بين منظومتي القيم والأخلاق في الثقافتين العربية والصينية، فضلا عن الصورة النمطية الإيجابية المتبادلة بين الجانبين؛ إذ إنه حسب ما يتردد في وسائل الإعلام الصينية الموجهة للعالم العربي كرست المقررات الدراسية في أذهان الطلاب الصينين بالمراحل الدراسية المختلفة حتى وقت قريب صورة "العم العربي"، في إشارة واضحة إلى عمق ومتانة العلاقات مع الجانب العربي، كما أن الصورة النمطية حول الصين في الأذهان العربية تتلخص في الجد والاجتهاد والمثابرة والمهارة.
من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة خطوات جادة وقفزات جديدة على طريق تعزيز الشراكة بين الجانبين الإماراتي والصيني، خصوصاً في ضوء النموذج الرائد الذي تقدمه الصين باعتبارها "أسرع الدول نمواً" ترفع شعار "العولمة التنموية"، وهو نموذج يستند إلى المنفعة المشتركة
وقد أكَّدت وثيقة بكين مبادئ خمسة ترتكز إليها سياستها الخارجية تجاه الدول العربية، ألا وهي الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والوقوف على قدم المساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي، بالإضافة إلى الدعم الصيني للقضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته ذات السيادة الكاملة وتكون عاصمتها القدس الشرقية، والرجوع إلى حدود ما قبل 1967، وتقدِّم العلاقات الإماراتية-الصينية أنموذجا يدلل بصورة جلية على عمق العلاقات التي تجمع بين الصين والدول العربية، لا سيما في ظل القفزة النوعية التي شهدتها العلاقات بين الصين والإمارات في أعقاب إطلاق بكين مبادرة "الحزام والطريق"، والتي دشنت فصلاً جديداً للتعاون الإماراتي الصيني ليصبح الحديث الآن عن "شراكة استراتيجية" تعززها إرادة سياسية حقيقية في تطوير فضاءات أكثر رحابة للتنسيق والتعاون، بما يستهدف خلق ثمار ومنافع متبادلة يستفيد منها الجانبان.
ومن أبرز مرتكزات "الشراكة الاستراتيجية" الإماراتية-الصينية: تدشين العلاقات الدبلوماسية والقنصلية بين الجانبين الإماراتي والصيني، والتي تعود إلى نوفمبر/تشرين الثاني لعام 1984، كما افتتحت دولة الإمارات سفارتها في العاصمة الصينية بكين في 19 مارس لعام 1987، إلى جانب افتتاح قنصليات ثلاث لها في هونج كونج وشنغهاي وغوانغ جو في عام 2000 و2009 و2016 على الترتيب، وقد اضطلعت الصين بافتتاح سفارتها في أبوظبي في أبريل/نيسان لعام 1985، وقنصليتها العامة في دبي في نوفمبر من عام 1988، وقد مثلت الزيارة الرسمية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي إلى الصين في 2008م، وزيارة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وولي عهد أبوظبي في 2009، نقطتي تحول في تاريخ العلاقات بين الدولتين.
وتبدو معالم "الشراكة الاستراتيجية" الإماراتية-الصينية جلية على المستويين السياسي والاقتصادي، فعلى المستوى السياسي تدعم الإمارات الموقف الصيني إزاء قضية تايوان في المحافل الدولية، وكنتاج لهذا الدعم تقدمت بكين بالشكر لدولة الإمارات لإحباط محاولة تايوان للحصول على اعتراف دولي إبّان اجتماعات الدورة الـ122 للمجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وقد قوبل الطلب الذي تقدمت به تايوان للانضمام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة بالرفض من قبل الإمارات، وأكدت الإمارات غير ذي مرة أن زيارة وفود تجارية قادمة من تايوان لها لا يمثل بأية حال حياداً عن الموقف الإماراتي الرسمي من قضية تايوان، ولا يعدو عن كونه أمراً تجارياً فحسب، وفقاً لوزارة الخارجية والتعاون الدولي.
وعلى المستوى السياسي أيضا فقد أُعْلِن رسمياً في 21 يوليو/تموز لعام 2018، في ختام الزيارة "التاريخية" للرئيس الصيني تشي جين بينغ للإمارات، والتي كانت الأولى من نوعها منذ 29 عاماً، الاتفاق على "الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستويات أعلى، وتأسيس علاقات شراكة استراتيجية شاملة تسهم في تعزيز التنمية والازدهار المشترك"، حسب ما ورد في البيان المشترك الصادر في ختام الزيارة الرسمية. وقد تُوِّجت الزيارة بتوقيع نحو 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الدولتين في مجالات الطاقة، والتجارة الإلكترونية، والزراعة والثروة الحيوانية، والجمارك إلى جانب التعاون الاستراتيجي في إطار مبادرة "حزام واحد.. طريق واحد" الصينية.
وعلى المستوى الاقتصادي نجد أن الصين تعد الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات، حيث بلغ حجم التجارة غير النفطية بين البلدين في 2017 نحو 53,3 مليار دولار، وشهدت السنوات القليلة الماضية تدفُّق الاستثمارات الصينية إلى الإمارات، ويكفي أن نذكر في هذا السياق إلى أن عدد الشركات الصينية العاملة في الإمارات يناهز الـ4 آلاف شركة، وتنشط معظم الاستثمارات الصينية، التي بلغت نحو 2.8 مليار دولار، في قطاعات المقاولات والهندسة والتجارة والتأمين والنقل والنشاطات العقارية.
وفي هذا الإطار جاءت مشاركة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في منتدى «الحزام والطريق» الذي عقد في العاصمة الصينية بكين في أبريل الماضي إلى جانب أكثر من 40 زعيماً عالمياً، لترسيخ دور الإمارات وشراكاتها الدولية مع أي مشروع يهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي العالمي، ومنها هذا المشروع الصيني العالمي العملاق، ولأن الإمارات تعتبر مركزاً للأعمال والتجارة العالمية فقد شهدت مشاركة سموه خلال هذا المحفل الدولي المهم إطلاق مجمع "سوق التجار"، الذي سيتم إنشاؤه في دبي لتخزين وشحن البضائع الصينية إلى العالم، وليؤكد دور الإمارات كشريك استراتيجي ومحطة عالمية محورية في مبادرة الحزام والطريق في دبي. ويؤكد أن الإمارات ستسهم في إحياء هذا الطريق التاريخي، وستقف إلى جانب العالم في خلق مناخ اقتصادي وتنموي، وستشكل حلقة وصل اقتصادية وتجارية دولية.
وبانضمام الإمارات إلى المبادرة الصينية "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني تشي جين بينغ في عام 2013، والتي يُقَدَّر حجم الاستثمارات الصينية الموجهة إليها بنحو 900 مليار دولار، يُتَوقَّع أن تتضاعف المكاسب الاقتصادية لدولة الإمارات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، من المتوقع زيادة حجم التجارة بين الدولتيْن إلى 70 مليار دولار بحلول 2020، فضلاً عن توقعات بأن تكون الإمارات من أكبر الدول المستفيدة من تدفُّق السياح الصينيين إليها، خصوصاً في ظل وجود تقديرات تفيد بارتفاع أعداد السياح الصينيين إلى الدول الواقعة على طول مبادرة "الحزام والطريق" إلى 150 مليون شخص، وما يرجِّح تلك التوقعات بشأن تزايد تدفق السياح الصينيين لدولة الإمارات هو ما شهدته السنوات القليلة الماضية من تقديرات تتعلق بحجم السياحة الصينية للإمارات، والتي وصلت إلى 240 ألف سائح صيني خلال النصف الأول من عام 2015، الأمر الذي يجعل الإمارات وجهة سياحية مفضلة للصينيين، لا سيما في التسهيلات المقدَّمة لهم للحصول على تأشيرات الدخول للإمارات، فضلاً عن إيلاء الدولة قدراً كبيراً من الاهتمام لتطوير قطاعي التسوُّق والترفيه.
وفي هذا الإطار المؤسسي من التعاون الشامل والشراكة الاستراتيجية بين الدولتين والشعبين الصديقين، والتي تضرب بجذورها في التاريخ وتمتد آفاقها للمستقبل، وفي خطوة مهمة على مسار مبادرة الحزام والطريق يأتي توقيع مؤسسة "العين الإخبارية" اتفاقية شراكة وتعاون إعلامي مع المجموعة الإعلامية الصينية "China Daily Group"، التي تصدر صحيفتها المشهورة "China Daily"، بالإضافة لمجموعة غنية من المواقع الإخبارية بلغات متعددة، وكذلك اتفاقية تعاون مع وكالة أنباء الفيديو العالمية الصينية CCTV+، إحدى مؤسسات تلفزيون الصين المركزي (CCTV).
وصحيفة "China Daily" هي صحيفة يومية تصدر باللغة الإنجليزية في جمهورية الصين الشعبية، وتعد من أكبر وسائل الإعلام وأهمها وأكثرها انتشاراً وتأثيراً في الصين، حيث تعد أكثر صحيفة صينية مطبوعة باللغة الإنجليزية، ولعبت دوراً بارزاً في التعريف بالصين وثقافتها وتقاليدها وسياساتها منذ تأسيسها في يونيو 1981، ولديها عدد كبير من الطبعات الدولية أبرزها طبعة أمريكية وأخرى أوروبية وثالثة آسيوية ورابعة أفريقية.
أما تلفزيون الصين المركزي (CCTV/China Central Television) فيعد أهم وسيلة إخبارية حكومية في الصين، وأطلق في عام ٢٠١٠ منصة +CCTV، باعتبارها وكالة أنباء مختصة بمحتوى الفيديو، سواء كان المحتوى عبارة عن أخبار أو تقارير أو تحقيقات أو تغطيات، كما يغطي جميع المجالات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، بالإضافة إلى الأخبار العاجلة وبلغات عدة.
وتنص الاتفاقية التي عقدت مع CCTV+ على ترخيص الوصول والاستخدام المجاني لمحتويات وبث +CCTV الخبرية، وكذلك إلى النصوص المرافقة للمادة المرئية، والتي تشمل الصوت والنص والخبر بكل اللغات التي توفرها.
ومن شأن توقيع مثل هذه الاتفاقيات تعزيز تبادل الخبرات بين الجانبين الإماراتي والصيني في المجال الإعلامي، الأمر الذي سيسهم في خدمة الرؤى المشتركة وترسيخ العلاقات الإماراتية-الصينية.
وختاماً، فإنه من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة خطوات جادة وقفزات جديدة على طريق تعزيز الشراكة بين الجانبين الإماراتي والصيني، خصوصاً في ضوء النموذج الرائد الذي تقدمه الصين باعتبارها "أسرع الدول نمواً" ترفع شعار "العولمة التنموية"، وهو نموذج يستند إلى المنفعة المشتركة ووقوف الدول على قدم المساوة، فضلاً عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومنهجية الربح للجميع win-win approach، وهذا النموذج الذي تروج له الصين يعزز كثيراً من الثقة بينها وبين الدول العربية، ويفتح آفاقاً أكثر رحابة للتعاون المشترك، خصوصاً في أعقاب إطلاق الصين مبادرة "الحزام والطريق" باعتبارها أضخم مشروع بنية أساسية في القرن الحادي والعشرين، وما يرافقها من مؤسسات صينية تمويلية كالبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، جعلت الدول تتسابق للانضمام إليها، حتى أضحت المبادرة تضم في عضويتها نحو 134 دولة، تمثل ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة