إعلام "تنظيم الإخوان الإرهابي".. منصات التضليل ونشر الشائعات
إعلام "تنظيم الإخوان الإرهابي" حاول صناعة معركة مع مشروع الدولة الوطنية في المنطقة، لكنه فشل مع سقوطه المدوي في مصر عام 2013.
يدرك تنظيم الإخوان الإرهابي أهمية المنظومة الإعلامية وقدرتها في تحقيق أهدافها من خلال نشر الفوضى والتضليل والشائعات عبر مراحل تاريخها المختلفة خلال العقود التسعة، هي عمر "التنظيم" الأقدم على الساحة في الوطن العربي، فقام "التنظيم" بتدشين عشرات المجلات والصحف اليومية تزامناً مع إعلانه عن نفسه في مارس/آذار من عام 1928، فكان "التنظيم" الأسبق بين كل القوى السياسية والأحزاب أو حتى الجمعيات الخيرية في إصدار الصحف والترويج لخطابها من خلاله، فاتخذت من الشائعات سلاحا لها قبل الترويج لأفكار "الجماعة"، وقد تعددت منابرها في هذا الوقت.
كان "التنظيم" يصدر كل عامين صحيفة بغرض نشر مذهبه الطائفي، ولأنه أدرك في وقت مبكر أهمية الإعلام، دشن التنظيم مجلة "الإخوان المسلمون" في عام 1933، وبعدها بخمس سنوات وتحديدا في عام 1938 أطلق مجلة "النذير"، وبعدها بعام واحد وتحديداً في عام 1939 أصدر مجلة "المنار"، وتلاها بعام آخر وتحديداً في عام 1940 تدشين "التنظيم" مجلتي "الشعاع" و"التعارف"، ثم ما لبث أن أصدر مجلة "الإخوان المسلمون" اليومية في عام 1942 التي أعيد فتح مكتبها من جديد بمقر "التنظيم" في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وتلا ذلك مجلة الشباب "الشهرية" في عام 1947 ثم مجلة الكشكول الجديد في عام 1948، ثم مجلة "الدعوة" التي بدأت عملها في عام 1951، واستمرت في الصدور حتى عام 1957.
أَوْلى تنظيم الإخوان الإرهابي اهتماما كبيرا بوسائل الإعلام منذ نشأته وحتى سقوطه المدوي في مصر عام 2013، فقد كانت هذه الوسائل طريقه للتضليل ونشر الشائعات قديما، واستخدمها حديثا للهدف ذاته، فهو الأسبق في تدشين قناة "مصر 25" بعد قيام ما سُمي ثورة 25 يناير عام 2011، كما كان الأسرع في صدور جريدة الحرية والعدالة "اليومية"، ودشّن كذلك عشرات الفضائيات بعد 25 يناير للنيل من الدولة الوطنية، وقد استخدمت هذه الفضائيات كأداة ضغط على الأنظمة السياسية التي تناوئ مشروع الإسلام السياسي في المنطقة.
"الإخوان" وقفوا خلف فضائيات عربية ذائعة الصيت، وسيطروا على القرار بداخلها، بل كانوا وراء المحتوى الإخباري والتحليلي الصادر عنها، كان من أبرزها شبكة "الجزيرة" و"الجزيرة مباشر" و"الجزيرة مباشر مصر"، وكل هذه الفضائيات حرضت على استخدام العنف، وتركز خطابها في نشر الفوضى والكراهية وتهديد أمن واستقرار المنطقة بأكملها، فأغلب العاملين فيها ينتمون إلى التنظيم ويدينون بالولاء له، فقد اعتبره "التنظيم" منصة "دعوية" و"سياسية"، وليست مجرد منصة "إعلامية".
أطلق تنظيم الإخوان العشرات من وسائل الإعلام سواء المرئية أو المكتوبة بعد عام 2013، وما زال يتمسك بخطابه الداعي للفوضى في محاولة لاستكمال مؤامراته في إسقاط الأنظمة السياسية المستقرة في المنطقة، ورغم نجاحه النسبي في استقطاب نسبة من المشاهدين، فإنه يلاحظ عزوف كثيرين عن متابعة فضائيات "الفتنة" بعد انكشاف وجه التنظيم الإرهابي، وانحسار متابعيه خلال السنوات الخمس الماضية شيئاً فشيئاً.
فضائيات "الفتنة" والفوضى
"مكملين" و"الشرق" من أهم الفضائيات التي تُعبر عن خطاب العنف عند "الإخوان"، وكلٌ منهما نشأ في عام 2014، ويبث برامجه من داخل تركيا مع بعض الفضائيات والمواقع الإلكترونية الأخرى، مثل "وطن" و"العربي الجديد" تلفزيون وصحيفة و"هاف بوست" موقع إلكتروني، وشبكة "رصد" و شبكة "ناشرون الإخبارية" و"شبكة أخبار الإخوان المسلمين"، فضلاً عن بعض الفضائيات التي أغلقت مثل "الشرعية" و"الأحرار" و"مصر الآن" من قبل السلطات التركية، بسبب تحريضها المباشر على استخدام العنف وأزمات مالية ترتبط باستمرارها، يُضاف إلى هذا الكم الهائل من وسائل الإعلام شبكة قناة الجزيرة.
كل وسائل الإعلام السابقة لها أجندة واحدة تتمركز حولها تستهدف إعادة إنتاج ما حدث في بعض العواصم العربية وإسقاط أنظمتها السياسية، فتستخدم لذلك محتوى إعلاميا كاذبا، بهدف التضليل تارة ونشر الشائعات تارة أخرى، فضلاً عن الانتقام من الأنظمة السياسية التي نشأت بعد سقوط تنظيم الإخوان في مصر، واستهداف الدول التي تضع على كاهلها فكرة مواجهة دعاة الإرهاب والتطرف، وفي مقدمة ذلك دولتا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن موقفها السابق من مصر، شعبا وحكومة، بسبب ثورة المصريين على حكمهم، ولعل لديها المشكلة نفسها مع النظام السياسي الذي نشأ على خلفية سقوط "الجماعة" المتهاوي بعد ثورة 30 يونيو عام 2013.
"الإخوان" يضعون الإعلام في مقدمة معاركهم تجاه الأفراد الذين يسعون لتصفيتهم معنويا، وتجاه الحكومات التي يريدون تصفيتها سياسيا، وقديما عبر أحد قادة "الإخوان" بأنه مشغول بمعركة إسقاط عاصمة عربية عبر إحدى الفضائيات، فمعركة "الإخوان" تُدار من خلال الشاشات ووسائل الإعلام الحديثة، وقد كانوا سباقين في هذا الشأن وللسبب نفسه اهتمت "الجماعة" بامتلاك وسائل إعلامية في لندن وقطر وتركيا، فضلاً عن توجيه أتباعها للعمل في محطات إعلامية دولية.
أطلق "التنظيم" موقع "إخوان أون لاين" في عام 2003 ثم أصدر النسخة الثانية باللغة الإنجليزية "إخوان ويب" في عام 2005 متجهاً من خلاله لمخاطبة الغرب، ونجحت من خلال عشرات المواقع الإلكترونية التابعة للمكاتب الإدارية للإخوان في المحافظات المصرية في الترويج لأفكارها والتبشير بدورها السياسي، وقد جنت ثمار هذا الدور في عام 2011 عندما نجحت في إسقاط مؤسسات الدولة، بعد مغافلة أجهزة الأمن على مدار سنوات استطاع خلالها "التنظيم" امتلاك وسائل إعلام ملكية علانية أو من الباطن.
تحليل محتوى إعلام الشائعات
بتحليل مضمون لأغلب المواد الإعلامية التي قدمت على شاشات الإخوان تُدرك أن اعتماد "التنظيم الإرهابي" الرئيسي انصب على كم الأخبار، بعيدا عن محتواها، فضلا عن افتقارها إلى المصداقية بانحياز ملحوظ، وعند تفنيد هذه الأخبار بمحتواها تجد أغلبها مُجهلا ولا يعتمد على مصادر موثوقة.
فكم الأخبار غير الصحيحة التي نشرتها فضائيات "الإخوان" أو الفضائيات التابعة لهم في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي هدفه الأساسي الإساءة والتشويه للعاصمة السعودية الرياض ضمن محتوى لا يمكن غض الطرف عنه أو تناسيه، فتحولات فضائيات شبكة الجزيرة للحديث عن "خاشقجي" فقط، وإفراد خبر رئيسي عنه في صدر نشرتها على مدار شهور يوضح المغزى السياسي وليس الإعلامي من وراء التناول، فضلا عن كونها أخبارا غير صحيحة، ولم تقدم محتوى إعلاميا آخر إلا إذا كان يخدم على القضية نفسها، بما يؤكد ما ذهبنا إليه من أن هدفا سياسيا يُحرك هذه الفضائيات عن التغطيات الإعلامية المنحازة دائما ضد دول المنطقة واستقرارها.
قامت فضائيات "الإخوان" بنقل أخبار قالت عنها مسربة من صحف تركية تابعة لحزب الحرية والعدالة، وبعضها نقلاً عن حزب "السعادة" ذراع الإخوان السياسية في تركيا، كما قامت فضائيات "الإخوان" الأخرى بالنقل عن "الجزيرة"، وأصبحنا في دائرة مفرغة، الإخوان يبثون شائعات في صحف تابعة لهم وقنواتهم تنقل عن هذه الصحف، وتمتلئ محطات الفتنة بمحللين سياسيين من "الإخوان" أو قريبين منهم، فضلا عن استضافة دعاة العنف والتطرف الذين مارسوا العنف الجنائي لسنوات طويلة في مصر للتعليق على ما حدث داخل السفارة السعودية بإسطنبول، وهو ما يؤكد ليس فقط نية التشويه لعاصمة عربية، وإنما نوايا أخرى خبيثة ترتبط بتهديد أمن واستقرار كل دول المنطقة.
الإمارات العربية المتحدة من أهم الدول التي حاول إعلام "الإخوان" المرئي والمكتوب، محاولات فاشلة لاستهدافها بغرض التشويه والتشكيك في دورها، هذه المحاولات الفاشلة ظهرت جلية عبر المنصات الإعلامية في محاولة للنيل من دور الإمارات العربية المتحدة في جزيرة سقطرى اليمنية، وإقحام موضوع السيادة في غير محله الذي لا يمت إلى الواقع بحال، رغم أن دور دولة الإمارات يتركز في هذه الجزيرة وغيرها من المدن اليمنية في الحفاظ على الأمن والاستقرار ودعم المشاريع التنموية ومساعدة أهالي الجزيرة واليمن عموما، وكل هذا من خلال دعم الشرعية.
قدم إعلام التنظيم الإرهابي محتوى إعلاميا مبتذلا وركيكا عن دور الإمارات في التعاطي مع القضايا العربية، ومحاولة إظهاره بأنه دون المستوى، وكأن الإمارات تقف أمام حق الشعوب العربية في تحقيق مصيرها! وهنا خلطت فضائيات "الإخوان" عن عمد بين الأنظمة السياسية والمحتل الأجنبي وحضت على إسقاط هذه الأنظمة، متصورة أنها بذلك سوف تنال من دور الإمارات في مساندة الدول التي استهدفها "الإخوان" بمخططاتهم، عندما كشفت عن دور "التنظيم" في ذرع بذور الفتنة لتنفيذ مخططاتهم.
إعلام "الإخوان" حاول صناعة معركة مع مشروع الدولة الوطنية في المنطقة، وحماية تنظيمات العنف والتمرد والتطرف في كامل المنطقة العربية، ووفر هذا الإعلام مظلة وحماية لهذه التنظيمات التي باتت واقعا ملموسا ومستقبلا مخيفا لولا وقوف منصات إعلامية بالقوة نفسها وبرؤية شاملة في مصر والإمارات تحديداً، لإحباط أهداف "إعلام الفتنة" التابع لتنظيم الإخوان الإرهابي .