10 أيام قبل ساعة الصفر.. مصير الأزمة الأوكرانية على محك الوساطة
بينما تقترب ساعة الصفر المحتملة لانفجار الأزمة الأوكرانية تتزايد الشكوك حول قدرة الأطراف المتصارعة على تخفيف التوتر في ضوء فشل متكرر.
ومع استمرار التعزيزات العسكرية لكل من القوات الروسية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) حول أوكرانيا، بذل القادة الأوروبيون جهودا دبلوماسية في محاولة للتوسط للحيلولة دون انفجار الوضع والانزلاق لمواجهة بين أطراف تملك قوى الردع النووي.
وعقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في 7 فبراير/شباط الجاري قبل زيارته إلى كييف اليوم التالي للحوار مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في حين سافر المستشار الألماني أولاف شولتز عبر المحيط الأطلسي للاجتماع مع الرئيس الأمريكي جو بايدن ومحاولة الاتفاق على الهدف.
ورأى يوجين تشوسوفسكي، الزميل غير المقيم في معهد نيولاينز البحثي، خلال تحليل منشور بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أنه من المرجح أن تتزايد جهود الوساطة تلك خلال الأيام المقبلة، حيث يعتبر العديد من المراقبين تاريخ 20 فبراير/شباط كنقطة محتملة لاتخاذ القرار بالنسبة إلى روسيا.
وقال تشوسوفسكي خلال التحليل إن هذا التاريخ يمثل موعد نهاية التدريبات العسكرية الروسية مع بيلاروسيا، ونهاية أولمبياد بكين الشتوي، وذكرى غزو موسكو لشبه جزيرة القرم في 2014.
وأضاف أن هذه الذكرى السنوية الأخيرة هي تذكير بأن الصراع الأوكراني استمر لقرابة السنوات الثماني بالرغم من الجهود المختلفة في الوساطة الدولية، متسائلًا عن السبب في فشل الوساطة إلى حد الآن.
ورأى أن البداية المفيدة للإجابة عن السؤال تتمثل في أصل الصراع في أوكرانيا، الذي لم يبدأ في 2014، عندما ضمت روسيا القرم ودعمت تمرد الانفصاليين في شرق أوكرانيا، بل بدأ في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2013 بقرار الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش بالانسحاب المفاجئ من المحادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاق التجارة الحرة والشراكة، والاتجاه بدلًا من ذلك إلى تكامل أوثق مع روسيا.
وأدت تلك الخطوة إلى احتجاجات حاشدة استمرت على مدار شهور في كييف، أدت في المقابل إلى الإطاحة بيانوكوفيتش في فبراير/شباط عام 2014 واستبداله بحكومة موالية للغرب في أوكرانيا، فيما أصبح يعرف باسم ثورة الميدان الأوروبي.
ومنذ البداية، فسرت روسيا والغرب تلك التطورات بشكل مختلف، واعتبرت الولايات المتحدة وحلفاؤها "الميدان الأوروبي" بمثابة انتصار شعبي للديمقراطية على حكومة فاسدة ومستبدة.
واعتبرته روسيا انقلابا غير قانوني دعمه الغرب -لا سيما الولايات المتحدة- في محاولة لتوسيع نفوذهم شرقا.
ومن ثم، اعتبرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي انتفاضة الانفصاليين في شرق أوكرانيا بمثابة مشاركة روسية مباشرة في الصراع، في حين صورت موسكو هذه الانتفاضة بنفس المصطلحات التي استخدمها الغرب في الميدان الأوروبي: رفض شعبي لحكومة أوكرانية لا يؤيدها المواطنون المحليون واعتبروها غير شرعية.
وفي حين دعمت روسيا وشاركت في التمرد الانفصالي شرق أوكرانيا، تتمثل وجهة نظر موسكو في أن هذا لا يختلف عن الدعم الغربي للاحتجاجات في كييف التي أدت إلى سقوط حكومة يانوكوفيتش.
ورأى يوجين تشوسوفسكي أن تلك التفسيرات المختلفة بين روسيا والغرب بشأن أصل الصراع الأوكراني خيمت بظلالها على عملية الوساطة لحل الصراع من البداية.
وبعد الأشهر الأولى للقتال بمنطقة دونباس، تم إرساء صيغة تفاوضية في يونيو/حزيران عام 2014 في شكل مجموعة الاتصال الثلاثية بشأن أوكرانيا، التي تتكون من ثلاثة أطراف – أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بصفتها وسيطا.
وإلى جانب مجموعة الاتصال الثلاثية، تم وضع صيغة تفاوضية أخرى في نفس الشهر، والتي اتخذت شكل "رباعية نورماندي"، وتضمنت أوكرانيا ووروسيا كطرفين، وألمانيا وفرنسا كوسيطين.
وفي حين ركزت مجموعة الاتصال الثلاثية في الأساس على المسائل التكتيكية والأمنية، كانت محادثات رباعية نورماندي أكثر تركيزا على الناحية الاستراتيجية وكانت تستهدف التعامل مع القضايا السياسية الأشمل المتعلقة بالصراع.
وكان العامل الأكثر تعقيدا في عملية الوساطة بالنسبة لكل من المجموعة الثلاثية ورباعية نورماندي هو بشأن دور روسيا في الصراع الأوكراني. فعلى عكس القرم، لم تتدخل روسيا عسكريا بشكل مباشر في شرق أوكرانيا.
وبدلًا من ذلك، شاركت في الصراع بقدرة هجينة، حيث دعمت الانفصاليين سرا بالعتاد ونشر آلاف من الأفراد العسكريين والأمنيين المجهولين لتعزيز قوات الانفصاليين، وكان لذلك تأثير مهم على عملية الوساطة.
وبحسب تشوسوفسكي، تدعم تلك التفسيرات المختلفة للصراع الأوكراني -سواء كانت أصوله أو كيفية حله- المواجهة الراهنة بين موسكو والغرب بشأن أوكرانيا، لكنها تشير أيضًا إلى شيء أعمق يقود تلك المواجهة، وهو صدام وجهات النظر الروسية والغربية بشأن الهيكل الأمني لأوروبا بأكملها.
وقال تشوسوفسكي، في تحليله المنشور بـ"فورين بوليسي"، إن الكرملين لم يكن أبدًا مرتاحًا لتوسع الاتحاد الأوروبي، لا سيما الناتو، بالأراضي السوفيتية السابقة في حقبة ما بعد الحرب الباردة، ويرى بوتين أن ثورة الميدان الأوروبي في أوكرانيا مجرد مقدمة أخرى لمثل هذا التوسع، سواء كان رسميًا أم بحكم الواقع.
واعتبر تشوسوفسكي أن أوكرانيا مهمة، لكنها مجرد جزء من عملية التفاوض الحقيقية التي تحاول روسيا دفعها، ما يفسر المطالب الأمنية الشاملة التي قدمتها موسكو إلى الولايات المتحدة والناتو نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021.
واختتم تحليله بالقول إنه سيكون من الصعب أن تحرز المفاوضات تقدما حقيقيا ما لم يقر الطرفان بأن مثل تلك المفاوضات لا تدور حول أوكرانيا فحسب، وإنما سائر العلاقة بين روسيا والغرب.
aXA6IDE4LjExOC4xNDAuNzgg جزيرة ام اند امز