تشكل مسألة الأخطاء الطبية هاجساً يؤرق البشر، سواء امتناع الطبيب عن علاج المريض أو التشخيص والعلاج والرعاية اللاحقة.
هذا الأمر يؤدي إلى فقدان الثقة بالكادر الطبي والمستشفيات، ويجعل المريض عبارة عن حقل تجارب.
فقد كشفت إحدى دراسات منظمة الصحة العالمية عن وقوع 5 وفيات في العالم كل دقيقة بسبب أخطاء طبية، أي أن العالم يشهد نحو 2.5 مليون وفاة بسبب أخطاء طبية سنوياً، وهذا الرقم يتجاوز ضحايا الحروب والانتحار والأمراض الفتاكة.
إن مسؤولية الطبيب تقع عند امتناعه عن علاج مريض، وتكون محكومة بحدود الغاية المعدة له من الناحية الاجتماعية والإنسانية، لذا فإنه إذا رفض التدخل في علاج أو إسعاف أحد المرضى وهو في حالة حرجة يكون قد ارتكب خطأ يُسأل عنه ويعاقب عليه، فهناك واجب إنساني وأدبي على الطبيب تجاه المريض والمجتمع الذي يعيش فيه، تفرضه عليه أصول وقواعد مهنته، فالطبيب الذي يعمل تحت مظلة وزارة الصحة مثلاً ليس له الحق أن يرفض علاج أحد المرضى ما لم تكن حالته خارجة عن اختصاصه، كما يلزم الطبيب بعلاج المريض في حالة ما إذا كان المريض في منطقة نائية أو في حالة حرجة تتطلب التدخل الفوري ولا يوجد إلا هذا الطبيب لعلاجه.
ويُسأل الطبيب إذا كان خطؤه في التشخيص راجعاً إلى عدم استعماله الوسائل العلمية الحديثة، فإذا بدأ الطبيب في تكوين رأيه وأهمل في إحاطة هذا الرأي بالضمانات الكافية يكون بذلك مسؤولاً عن الإهمال في التشخيص، غير أن الخطأ في التشخيص لا يمكن أن يكون سبباً لتحميل الطبيب المسؤولية، ويعود ذلك إلى أن كثيرا من أعراض الأمراض تتشابه فيما بينها، خاصة إذا ما تم التأكد من أن الطبيب استعان بجميع الوسائل العلمية الممكنة والمتاحة لديه، ولكن مع ذلك يُسأل الطبيب عن خطأ التشخيص إذا ما تبين جهله بالقواعد والأصول العلمية الثابتة، لذلك فإن كل خطأ في التشخيص كالجهل الواضح أو الإهمال الجسيم أو مخالفة الأصول العلمية الثابتة، مهما كانت درجتها، يترتب عليه مسؤولية الطبيب ومساءلته.
والطبيب مهما بلغ من العلم والمعرفة لا يُلزَم بتحقيق الشفاء للمريض، وله مطلق الحرية في اختيار الطريقة التي يعالج بها، بشرط أن يكون لهذه الطريقة أساس علمي معترف به، لكنه ملزم ببذل قصارى جهده في اختيار الدواء والعلاج الملائمين لحالة المريض، وأن يكتب الوصفة الطبية بوضوح ويحدد كل الجرعات وطرق استعمالها بهدف تحقيق الشفاء أو تخفيف الآلام، مراعياً عمر المريض واستثناءات حالته.
كما أن مسؤولية الطبيب لا تقف عند حد التشخيص أو كتابة الدواء المطلوب أو التدخل الجراحي، بل تمتد إلى الرعاية اللاحقة، خاصة إذا ما كانت حالة المريض حرجة وتستلزم متابعة الطبيب بعد خروجه من المستشفى، لكي يتفادى ما يمكن أن يحدث من مضاعفات، وعلى الطبيب أن يتأكد بنفسه من أن كل إجراءات العناية اللازمة قد تمت بشكل صحيح، خاصة إذا ما كانت العملية الجراحية التي تعرض لها المريض خطيرة وحساسة.
لقد حدد المشرّع بدولة الإمارات نصاً واضحاً بأن مسؤولية الطبيب تقوم، وفق قانون المسؤولية الطبية الإماراتي، على التزامه ببذل جهود صادقة يقظة تجاه مريضه تتفق مع الأصول المستقرة في علم الطب، فيُسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكه الطبي، وعند إثبات وقوع الخطأ الطبي يتحمل الطبيب أو مزاول المهنة، إضافة إلى المنشأة الصحية التي يعمل لديها، مسؤولية تعويض المريض عما لحق به من أضرار مادية ومعنوية نتيجة وقوع الخطأ الطبي، الذي تؤكد الأرقام والإحصاءات العالمية أن القضاء عليه بشكل تام أمر لا يزال بعيد المنال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة