هناك حكمة ذات دلالة تقول: "لا تضيع وقتك مع غربان الحياة".
وأصل هذه الحكمة يعود إلى معلومة متداولة على نطاق واسع تقول إن الطائر الوحيد، الذي يجرؤ على نقر النسر هو الغراب، حيث يجلس على ظهره ويعض رقبته، إلا أن النسر لا يستجيب ولا يتشاجر مع الغراب ولا يقضي وقتاً ولا يبذل جهدا ولا يهدر طاقة معه، ولا يحاول إبعاده، فقط يفتح أجنحته ويبدأ في الارتفاع بالسماء والتحليق عاليا، لأنه كلما ارتفع وابتعد، كان من الصعب على الغراب التنفس فيسقط اختناقا بسبب نقص الأكسجين.
والدروس المستفادة من هذه المعلومة، بغض النظر عن مدى دقتها، هي: توقف عن إضاعة الوقت مع الغربان، ادخر جهدك لتعلو، واحتفظ بطاقتك لتصعد، ولا تبالِ بهم مهما كثروا، فقط حلق عاليا وخذهم إلى أعلى مستوى لك وسوف يتلاشون تباعا.
هذا بالضبط ما تفلعه دولة الإمارات العربية المتحدة مع قادة وزعماء ومنتسبي أقدم الأحزاب في التاريخ، حزب أعداء النجاح، فالإنجازات الإماراتية، التي لم ولن تتوقف يوما، أصبحت تتحدث عن نفسها ولم تعد بحاجة إلى أن يتحدث أحد باسمها.
إنجازات على الأصعدة والمجالات كافة، وأصبح من الصعب إحصاؤها في مجلد كامل، فما بالك في مقال قصير، وما سيرد ذكره هنا مجرد أمثلة بسيطة ونزر بسيط من بحر واسع.. إنجازات مثل إطلاق "مسبار الأمل" لاستكشاف كوكب المريخ، أو تشغيل محطة "براكة" للطاقة النووية السلمية، أو عولمة مفهوم التسامح، أو امتلاك واحد من أكبر صناديق الاستثمار في العالم، أو بناء كبرى ناطحات السحاب في العالم، أو تدشين جامعة "محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي"، كأول جامعة للدراسات العليا المتخصصة في بحوث الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم.
هذه المنجزات وغيرها الكثير أعادت كتابة التاريخ العلمي والثقافي للمنطقة العربية، فالقيادة الإماراتية الحكيمة التي عاهدت الله قبل أن تعاهد مواطنيها على العمل، وغض الطرف عن كل ما يعطل مسيرة أمتنا، وعدم الالتفات إلى من ينبح على قافلتها، أثبتت مجددا نظرتها الاستراتيجية إلى المستقبل، والتي ترتكز على تنمية وتطوير مواهب وقدرات الشباب وأصحاب الخبرات الوطنية.
تمثل مسيرة التنمية واستشراف المستقبل، التي تشهدها الإمارات في المجالات كافة استثناءً في المنطقة العربية، بفضل رؤية القيادة الرشيدة التي تضع على رأس أولوياتها مصلحة الوطن والمواطن، والنهج الحكومي القائم على العمل والإنجاز والابتكار.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي يشهدها العالم نتيجة انتشار "كوفيد-19" فإن الإمارات نجحت كعادتها في تحويل التحديات إلى فرص للإبداع والتطوير والابتكار وتحويل الصعوبات إلى منجزات.
وبينما العالم بشقيه المتقدم والنامي يغرق في وباء "كورونا"، ويكافح لتجاوز الموت على عتبات الوباء، أو يغرق في مشاكل داخلية، وصراعات سياسية وطائفية وعرقية، كانت الإمارات حالة فريدة وسط هذا العالم المضطرب، كانت رغم حملات التشوية التي تستهدفها تُحلق في عنان السماء بلواء الإنجازات والمشاريع العملاقة.
فالإمارات، رغم أنها أحدث الدول العربية نشأة، فإنها أكثرها إنجازاً وتقدماً، واستطاعت في زمن قياسي أن تتبوأ مكانة لا يضاهيها فيها أحد عربياً ولا شرق أوسطياً، مكانة تستند بقوة على منجزات ملموسة حققتها الإمارات على المستويات كافة محلياً وإقليماً ودولياً، بفضل حكمة قيادتها ورؤيتها الثاقبة والسير على نهج وخطى مؤسسها.
ولا شك أن هذه الرؤية تتجلى سنوياً في العديد من المؤشرات الدولية التي تأتي الإمارات على قمتها، والتي كان أبرزها وأكثرها دلالة ما تواكب الإعلان عنه مع الذكرى السابعة والأربعين لتأسيس اتحاد الإمارات، والمتمثل في حلول جواز السفر الإماراتي منفرداً في المرتبة الأولى عالمياً في أحدث تصنيف لقوة جوازات السفر، وفقاً للمؤشر العالمي "باسبورت إندكس"، في ترجمة مباشرة لما تتمتع به الإمارات من مكانة وتأثير وتقدير على الساحتين الدولية والإقليمية، بعد أن أصبحت واحدة من أكثر دول العالم إبداعاً في مجال التكنولوجيا والتعليم والصحة والبنية التحتية، ومنذ ذلك العام لم تخرج الإمارات من المراكز الأربعة الأولى في هذا المؤشر.
ومن إنجاز جواز السفر إلى مبادرة "صنع في الإمارات"، لاستضافة "معرض إكسبو الدولي 2020" في دبي، المقرر له أكتوبر المقبل، والذي يعد أول إكسبو دولي يقام في العالم العربي، فضلا عن صعود الإمارات اقتصاديا ودخولها ضمن مصاف القوى الاقتصادية الإقليمية والدولية، حيث تصنف اليوم بين أقوى 20 اقتصادا عالمياً، وتغزو منتجاتها أكثر من نصف أسواق العالم، وقريباً، وقبل نهاية عام 2025، تدخل ضمن قائمة أفضل 15 اقتصادا عالمياً، كل هذه الإنجازات التي تمت في مدة زمنية بسيطة، جاءت لتكشف أن التقويم في الإمارات لم يعد يتم حسابه بالأيام والأسابيع والأشهر، بل بالإنجازات.
مثلت الرؤية الاستشرافية لقيادة الإمارات نحو المستقبل والدفع باتجاه تأسيس بنية تحتية رقمية متطورة، نموذجاً ملهماً لدول العالم في الاستباقية والجاهزية، سواء في استباق الأزمات أو التعامل معها، فعلى سبيل المثال، قدمت الإمارات تجارب رائدة في محاصرة فيروس كورونا من خلال توظيف الإدارة الذكية التي أسهمت بصورة كبيرة في دعم جميع قطاعات الدولة الحيوية.
مشاريع الإمارات ومنجزاتها وتأثيراتها من مجال لآخر، لم تكن محصورة في جوانب ومجالات بعينها، فقد حققت طفرة فيما يخص التقدم التقني والعلمي، فمنذ مطلع 2021 بدأت الدراسة في "جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي"، كأول جامعة للدراسات العليا المتخصصة في بحوث الذكاء الاصطناعي عالميا.
وعلى المستوى العلمي، أطلقت الإمارات مسبار الأمل في 20 يوليو 2020، وهو المسبار الذي قد يغيّر كل ما نعرفه من معلومات عن كوكب المريّخ، وسيعيد صياغة فهمنا للغلاف الجوي للكوكب الأحمر، كما سيسهم في تحقيق أهدافه العلمية في تمكين الشباب والشابات في عالمنا العربي، عبر تعزيز الاهتمام بتخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
ولعل إطلاق اسم "الأمل" على المسبار الإماراتي يعبر في جوهره عن رسالة إماراتية مقصودة، كشف عنها سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، عندما قال "إن الحكومة اختارت الاسم من آلاف الاقتراحات، لأنه يبعث برسالة تفاؤل إلى ملايين الشباب العرب"، وأضاف: "لعبت الحضارة العربية ذات مرة دورا كبيرا في الإسهام في المعرفة الإنسانية، وستلعب هذا الدور مرة أخرى.. مسبار الأمل يجسد ثقافة الاحتمالات المتجذرة بعمق في نهج الإمارات وفلسفتها ورحلتها في تسريع التنمية".
وقد انشغلت الإمارات بعملية التطوير الدائم، واستثمرت دون حدود في العلم والمعرفة، فكانت صاحبة السبق في العالم العربي بتشغيل محطة براكة النووية، والتي بدأت إنتاجها عملياً في مارس 2021، وتستهدف توفير ما يقرب من 25 بالمائة من احتياجات الإمارات من الطاقة الكهربائية طوال الأعوام الستين المقبلة، لتصبح الإمارات الأولى عربياً في امتلاك تكنولوجيا الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء، وستكون المحطة الأضخم في العالم لدى الانتهاء من تشييدها، بـ4 مفاعلات قدرتها 5600 ميجاوات.
إنجازات الإمارات تميزت بالخصوصية والابتكار، فقد قدمت نموذجاً رائعاً في تعزيز فلسفة العيش المشترك، والتعاون الإنساني، وتوطين مفاهيم التعددية الدينية والعرقية والثقافية، بما يحفظ كرامة الإنسان واحترام عقيدته وترسيخ قيم الاعتدال والحوار والتسامح والانتماء للأوطان.
فلم تسع الإمارات في تعاطيها مع فضيلة التسامح إلى ترسيخها محليا والاكتفاء بإرسائها داخل حدود الإمارات وزرعها بين قاطنيها، بل سعت جاهدة إلى نشر هذه القيمة الكبيرة في ربوع المنطقة العربية وبقية دول العالم، استشعارا لحقيقة أنه لا يمكن العيش بأمان واستقرار في ظل محيط مضطرب، وكان هذا أحد منطلقات القيادة الرشيدة لنشر قيمة التسامح إقليميا ودوليا.
وهنا كان طبيعيا أن تكون الإمارات أكثر دول المنطقة امتلاكا لمؤسسات وهيئات تسعى لنشر التسامح والتعايش، وأكثرها استضافة لأحداث وفعاليات تنشد تعزيز هذه الفضائل، بما جعلها عاصمة عالمية للسلام، ولعل من أبرز المؤسسات هنا "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، ومجلس حكماء المسلمين، والمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.
لقد أصبحت "أبوظبي" قبلة لكل من يدعو إلى السلام، فلا أحد ينسى الزيارة التاريخية لبابا الكنيسة الكاثوليكية، الذي اختار أبوظبي دون غيرها في فبراير/شباط 2019 لتكون بوابته إلى دول المنطقة وشعوبها، في زيارة هي الأولى من نوعها لأسقف روما ورأس الكنيسة الكاثوليكية إلى منطقة الخليج العربي، وقرر البابا السادس والستون بعد المائتين أن تكون الإمارات هي الدولة التي تحظى بشرف الزيارة الأولى لخليفة القديس بطرس للجزيرة العربية.
ونجحت الإمارات فعلياً في دفع المجتمع الدولي نحو الاعتراف بوثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية، التي وقعها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في أثناء هذه الزيارة، وما ترتب على ذلك من نجاح الإمارات في انتزاع اعتراف أممي باعتبار 4 فبراير من كل عام "اليوم العالمي للأخوة الإنسانية"، بعد أن اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع بهذا الصدد مطلع هذا العام.
هنا، يمكن تفسير الهجوم الممنهج من منصات إعلامية متباينة على الإمارات، والذي تحول في المرحلة الراهنة إلى هوس من العجزة وأصحاب الهمم الضعيفة، ووصل الهجوم ذروته مع استمرار مسيرة الإنجازات بتوجيهات القيادة الرشيدة.
دولة الإمارات، التي اهتمت بالعلماء والمبدعين والمطورين وفتحت أبوابها أمامهم بلا أي عائق للإقامة والعمل والإبداع، هي التي أبدعت نموذج الوساطة الذكية الذي مثل نقطة تحول استراتيجية في تسوية، أو على الأقل تهدئة، عدد معتبر من الخلافات والنزاعات السياسية الإقليمية والدولية، ومن بينها جهودها في إحلال السلام وإنهاء حالة الانقسام التي كانت تعرقل كل جهود التسوية في أفغانستان، والدور المحوري الذي لعبته في فض النزاع التاريخي بين إريتريا وإثيوبيا، والنزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، والأزمتين الليبية واليمنية، لذا فليس من المستغرب أن تصبح هدفاً لأعداء النجاح، بعد أن أصبحت قبلة للمبدعين والمفكرين والعلماء، وأرضا للتسامح والتعايش، وواحة للسلام، ومركزا للتنوير والمعرفة.
الإمارات قصة نجاح طويلة، وراءها رؤية وقيادة حكيمة، لم يكن النجاح تلو النجاح من باب المصادفة، ولم تعتلِ صدارة المشهد حظا، بل بخطوات مدروسة، وفكر مستنير، وعقول منفتحة، وشعب واع وقيادة رشيدة تشتل كل يوم بذور التقدم والخير في أرض وطننا الخصيب.
ستحيا الإمارات شاء من شاء وأبى من أبى، وسيخلد التاريخ اسمها بأحرف من نور، لأنها البلد الذي رسم باتفاقياته سلاما جديدا في المنطقة يقوم على التسامح والعدل ورفاهية الشعوب، وغيرت وجه أمتنا عندما ولت وجهها صوب المستقبل، ولا شيء سواه، ولم تلتفت وراءها ولم تُعر انتباهها لمن يحاول إعاقتها عن معانقة السماء، وأجمل ما يمكن أن نختم به ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: "لا مكان في المستقبل لمن يفتقد العلم والمعرفة".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة