كورونا يحظر العناق والقبلات.. و"تحية إيبولا" تنتشر في المتوسط
البعض يعتمد في الوقت الراهن تحيات جديدة مثل وضع الكوع على الكوع كما كان ذلك سائداً في أفريقيا عند انتشار وباء إيبولا.
غيّرت جائحة كورونا تقاليد أساسية في منطقة المتوسط، التي تنتشر فيها ثقافة التماس والقرب، فحظرت القبلات والعناق والمصافحة باليد، خوفاً من نقل عدوى "كوفيد- 19".
قبل انتشار الفيروس كان صياد الأسماك دانييل ريجيو في مدينة مرسيليا الفرنسية المطلة على البحر المتوسط يحيي الأصدقاء والزملاء بقبلتين، أما الآن فالمصافحة تتم عبر الكوع.
يعتمد البعض في الوقت الراهن تحيات جديدة مثل وضع الكوع على الكوع كما كان ذلك سائداً في أفريقيا عند انتشار وباء إيبولا أو القدم أو عبر وضع اليد على القلب أو محاكاة القبلات عن بُعد، مع حنين إلى العناق الفعلي.
لكن دانييل ريجيو الذي يبيع السمك في مرفأ مرسيليا ثاني مدن فرنسا يوضح: "لا يمكننا القول إننا غير مشتاقين إلى ذلك لكن هذا الأمر لن يقضي على روابط الصداقة".
واعتمد إيفون تابياس وهو متقاعد ينظم نزهات في مرسيليا "تحية ووهان" تيمناً بالمدينة التي ظهر فيها فيروس كورونا المستجد، لأول مرة.
ويقول الرجل وهو من سكان جزيرة فريول: "نلمس مشط القدم، نحن أبناء الجنوب نحتاج إلى هذا الاتصال".
في مونبولييه (جنوب شرق فرنسا) حيث يتبادل أبناء المدينة 3 قبلات في كل المناسبات كما الحال في لبنان "نعاني من نقص فعلي ونشعر بضيق فعلاً عندما نضطر للتخلي عن ذلك"، على ما تقول الطالبة ميلودي ريكو، التي تعمل حالياً على جمع راحتي اليدين أمام الصدر على الطريقة الهندية مع الانحناء قليلاً أو التلويح باليد عن بعد.
فاطمة بولمعات التي تسكن حي بوتي بار في مرسيليا توقفت هي الأخرى عن تقبيل أصدقائها، موضحة: "أقوم بالحركة التي كانت تقوم بها جدتي المغربية بوضع اليد اليمنى على القلب مع نظرة عميقة ليشعروا بمحبتي".
وتقول إيللي كومايتي من أثينا: "اشتقت إلى العناق والقبل فعلاً".
إلى بيروت، تقول زينة عقل، العاملة في مجال التأمين، إنها باتت تعوض التقبيل والعناق بزيادة "التعابير اللفظية مع استخدام الكثير من الأوصاف والنعوت، لكن أحياناً لا أجد الكلام المعبر فعلاً أو أن الناس لا يريدون كلاماً بل مواساة عبر العناق والاحتضان".
وتضيف: "أشتاق إلى التماس الجسدي والتقبيل والعناق أو حتى مجرد الربت على الكتف، أشتاق إلى ذلك خصوصاً عندما يحتاج الشخص أمامي إلى دعم معنوي في حالات الحزن والحداد مثلاً، أو عندما تكون هناك مناسبة فرح نريد الاحتفال بها معاً".
أما عالمة الإناسة جنفياف زويا من جامعة مونبولييه فتقول إن "التماس الجسدي هو أساس هويتنا" في المتوسط وهو أمر مختلف عن الممارسات في البلاد المطبعة بالثقافة الإنجليزية وعن البعد الآسيوي.
ويؤكد عالم الاجتماع التونسي محمد جويلي أن اللقاء بين أشخاص يعرفون بعضهم بعضاً يؤدي إلى عناق وقبلات وهذا مؤشر إلى المعرفة والامتنان.
ويتابع: "تصرفنا ناجم عن العادات ومن الصعب لطفل صغير أن يرى جده أو جدته من دون أن يعانقهما، وفي إسبانيا، يطلب من الشخص منذ الطفولة التقبيل وفجأة يقال له (لا تلمس أحداً) هذا مخالف للطبيعة البشرية".
ويقول الباحث في جامعة الجزائر ناصر جابي: "التماس الجسدي مهم جداً في الجزائر فثمة ملامسات كثيرة وحركات تعبر عن التعاطف".
ويشير إلى أنَّه على غرار دول أخرى "يحاول البعض إيجاد حلول بديلة مثل إلقاء التحية عبر الكوع لكن هذا التصرف يبقى هامشياً، نحتاج إلى وقت للانتقال إلى ثقافة معاكسة".
ومع الكمامة التي باتت أكسسواراً أساسياً مع تخفيف قيود العزل، تعلم الصياد دانييل ريجيو في مرسيليا "الابتسام عبر العيون".
ويلفت شونييه إلى أن "الحاجز الذي تقيمه الكمامة أكبر من عدم المصافحة أو التقبيل، نحن في مجتمع حيث وضع قناع على الوجه أمر اصطناعي بالكامل ويثير الاضطراب".