ترويض الحيوانات الضخمة لالتهام الكربون والتخفيف من تغير المناخ
أظهرت دراسة حديثة أن الحيوانات الضخمة التي تتجول بحرية في الطبيعة، تسهم في توازن الحياة على الأرض والتخفيف من تغير المناخ بطرق مدهشة.
قالت الورقة البحثية، التي أعدها علماء البيئة من جامعتي أكسفورد وآرهوس، إن الحيوانات البرية الكبيرة لها دور حاسم في وقف تدهور التنوع البيولوجي والتخفيف من تغير المناخ، تحديدًا في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، حيث موطن بعض آخر مجموعات الحيوانات الآكلة للعشب الكبيرة.
أشارت الورقة إلى أن تكثيف عمليات استعادة مجموعات الحيوانات الضخمة وحمايتها من الانقراض سيساعد على تعزيز مستويات التنوع البيولوجي، وتحسين عزل ثاني أكسيد الكربون في المناطق المحمية بشكل غير مسبوق.
تندرج نتائج البحث، التي نشرت في مجلة Earth، ضمن ما يطلق عليه "الحلول القائمة على الطبيعة"، وهي حلول مستوحاة ومدعومة من الطبيعة تسخر إمكانات العمليات الطبيعية، وتستخدم آليات الاستقرار المدمجة في المحيط الحيوي للمساعدة في معالجة التحديات البيئية المتعددة التي تواجه البشرية.
- انفجار القمح.. وباء خفي يهدد سلة غذاء العالم
- عدو جديد للمناخ.. الملابس المُعاد تدويرها ضارة جداً بالكوكب
استعادة الحيوانات الضخمة
تتناقص أعداد الحياة البرية في جميع أنحاء العالم بسبب الأنشطة البشرية واستمرار توسعها، وهو ما يظهر بوضوح في البيانات المتعلقة بالتوزيع العالمي للثدييات.
والثدييات هي فرع حيويّ يَشمل الكائنات الحيّة التي يُغطّي جسمها الشعر، وترّضع صغارها عن طريق الغدد الثديية، وهي الأرقي في سُلَّم الكائنات الحية، لدرجة أن العلماء يصنفون الإنسان من ضمنها.
يوجد ما يقارب 4600 نوع من الثدييات على سطح الكرة الأرضيّة، وجميعها تتشابه في عدة خصائص تجمع بينها.
وفقا لـOur World in Data ، يشكل البشر 34٪ من الكتلة الحيوية للثدييات العالمية، بينما تسهم الماشية بنسبة مذهلة تبلغ 62٪.
يعني ذلك أن الثدييات البرية تشكل 4٪ فقط من مملكة الثدييات، والعدد آخذ في الانخفاض وفق الدراسة، مما يشكل تهديدات خطيرة لمستقبل الحياة على الأرض.
يحذر بعض العلماء من هذا الانخفاض الحاد في أعداد الثدييات البرية، ما يجعلنا على شفا نقاط تحول بيئية، بمجرد أن نتعداها، سينهار النظام البيئي بشكل لا رجعة فيه، إلا أنه على الرغم من ذلك، يمكن استغلال الأعداد المتبقية كحلول طبيعية لتحدياتنا البيئية.
في البداية، يوصي العلماء بتكثيف عمليات استعادة الأنواع من الانقراض، المعروفة أيضًا باسم إحياء الأنواع، وهي عمليات تعتمد على تكوين كائن حي من نوع منقرض أو تكوين كائن يشبهه، عبر مجموعة طرق أبرزها الاستنساخ والتحرير الجيني والاصطفاء الاصطناعي.
السيطرة على الحرائق
في العديد من موائل الحيوانات الضخمة في جنوب الصحراء الكبرى، تُعد الحرائق الموسمية الدورية مكونًا طبيعيًا للنظام البيئي، وغالبًا ما تساعد أنواعًا معينة من النباتات على الإنبات وإزالة المواد المحتضرة الزائدة.
مع ذلك، فإن انخفاض أعداد الحيوانات الضخمة في هذه المناطق ساهم في زيادة الكتلة الحيوية للوقود، مما أدى في كثير من الأحيان إلى حرائق أكبر بكثير وأكثر شدة وأطول أجلاً.
غالبًا ما تكون الأراضي العشبية الشتوية الجافة في جنوب قارة أفريقيا بمثابة كومة من المواد القابلة للاشتعال، مما يسمح للحرائق بالخروج بسرعة عن نطاق السيطرة.
من خلال الحفاظ على الأنواع الكبيرة من الحيوانات العشبية واستعادتها، يمكن أن تسهم بقدر كبير من أعمال التخفيف من الحرائق بشكل طبيعي.
على سبيل المثال، الجاموس والزرافات والظباء والنو الأزرق ووحيد القرن الأبيض والأسود، هي أنواع رعي جماعية، تقوم بقص الأعشاب إلى مستوى منخفض جدًا، وبالتالي يقلل من انتشار الحرائق وكثافتها وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تصدر عنها.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل أعداد كبيرة من الحيوانات العشبية على حفر التربة، وتدوسها بقوة أثناء إنشاء الممرات والمسارات الخاصة بها، وكلها أمور تساعد في تشكيل حواجز طبيعية ضد الحرائق، وتحسين قدرة النظام البيئي بشكل عام على مقاومة الحرائق.
تخزين الكربون الأرضي
تتمثل الفوائد غير المرئية التي تقدمها الحيوانات العشبية البرية الكبيرة في زيادة مخزون الكربون في التربة، ولعله الأمر الأكثر أهمية وقوة في المعركة ضد تغير المناخ.
يحدث هذا بطريقتين، أولهما من خلال نقل الكربون وتخزينه تحت الأرض عبر الروث الخارج منها.
كما يحدث ذلك عندما تستهلك هذه الحيوانات النباتات الغنية بالكربون، فتحبس الكربون في روثها أولًا، قبل أن ينتقل للتربة ويعزل داخلها.
يمكن أن يحدث احتجاز الكربون أيضا إذا تحسنت جودة التربة بسبب نشاطات الحيوانات العشبية سالفة الذكر، مما يسمح بقدرة تخزين أكبر وأكثر ثباتا للكربون، بالإضافة إلى تحسين فرص نمو الغطاء النباتي.
يساعد وصول الغطاء النباتي إلى حالة ناضجة على زيادة عزل الكربون في التربة إلى أقصى حد ممكن، وبالتالي تشجيع حلقة التغذية المرتدة والإيجابية لتخزين الكربون.
التكيف مع تغير المناخ
تتمثل الفائدة الأكثر دقة للحيوانات الضخمة في تأثيرها على تكيف النظام البيئي مع تغير المناخ، وفق ما توصلت إليه نتائج الورقة البحثية.
يساعد الاضطراب واسع النطاق الذي تسببه الحيوانات الضخمة على زيادة عدم تجانس الموائل، مما يخلق بيئة مناسبة للأنواع من جميع الأحجام، كما أنه يؤدي إلى زيادة تعقيد الشبكات الغذائية، وتحسين قدرة النظام البيئي على التكيف مع التغيير.
علاوة على ذلك، تطورت العديد من أنواع النباتات جنباً إلى جنب مع العشبية الكبيرة وتعتمد الآن عليها لنثر البذور، بطرق عديدة.
الأفيال وتخفيف المناخ
مما لا شك فيه أن الأفيال هي واحدة من أكثر "الأنواع الأساسية" فعالية على هذا الكوكب، وذلك لأنها تمارس تأثيراً كبيراً بشكل غير متناسب على نظامها البيئي المباشر، ويظهر ذلك بصفة خاصة في سياق التخفيف من آثار تغير المناخ.
ضمن النظام البيئي للغابات، توجد الأشجار على أطياف مختلفة وفق كثافات الكربون الخاصة بها.
تتميز أنواع الأخشاب الخفيفة بكثافة منخفضة من الكربون، وتنمو بسرعة كبيرة متفوقة على الأشجار البطيئة النمو في سعيها للحصول على ضوء الشمس، في حين تتمتع أنواع الأخشاب الثقيلة بكثافة كربون أعلى بكثير وتنمو بشكل أبطأ بكثير أيضًا.
الأهم من ذلك، أن أشجار الأخشاب الثقيلة ذات الكثافة الكربونية العالية قادرة على تخزين المزيد من الكربون في أخشابها، مما يجعلها أكثر ملاءمة من أشجار الأخشاب الخفيفة عندما يتعلق الأمر بالتخفيف من تغير المناخ.
تؤثر أفيال الغابات على وفرة الأنواع النباتية في هذا الطيف، وذلك لأنها تتغذى بشكل أكبر على أنواع الأخشاب الخفيفة، وبالتالي تقلل الكتلة الحيوية للوقود، مع تهيئة ظروف أكثر ملاءمة لأنواع الأخشاب الثقيلة كي تنضج.
تتطور العملية أكثر عندما تنتج الأشجار الثقيلة ثمار فاكهة كبيرة مستساغة للغاية، تستهلكها الأفيال بكميات كبيرة، فتنشر بذور أنواع الأشجار عالية الكربون على نطاق أوسع في النظام البيئي للغابات.
يساعد هذا النشاط أيضا في نقل بذور أشجار التخزين عالية الكربون نحو ظروف نمو أكثر ملاءمة، مما يحسن فرص النمو.
يقول البروفيسور ستيفن بليك من جامعة سانت لويس إنه في حال انقرضت الأفيال، فإن الغابات المطيرة في وسط وغرب أفريقيا "ستفقد ما بين ستة وتسعة بالمائة من قدرتها على التقاط الكربون في الغلاف الجوي".
aXA6IDMuMTQyLjIwMC4xMDIg جزيرة ام اند امز