انفجار القمح.. وباء خفي يهدد سلة غذاء العالم
حذرت دراسة حديثة من انخفاض إنتاج القمح العالمي خلال السنوات المقبلة بسبب تغير المناخ، معتبرة ذلك تهديدا للأمن الغذائي العالمي.
وبشكل عام يشكل تغير المناخ تهديدا على المحاصيل والأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، حيث تعتبر الأمراض النباتية واحدة من المخاطر الرئيسية.
وأظهر فريق دولي من الباحثين، يرافقه الأستاذ سينتهولد أسينج من جامعة ميونخ التقنية (TUM)، أن المزيد من انتشار المرض الفطري الذي يطلق عليه "انفجار القمح" أو "عصف القمح" وهو مرض فطري يصيب القمح يمكن أن يقلل إنتاج القمح العالمي بنسبة 13٪ حتى عام 2050.
- درع البقاء.. أنظمة صحية قوية وصمود في مواجهة المناخ
- انبعاثات الميثان وهدف «صافي الصفر».. هل يفعل العالم ما يلزم؟
فمع مساحة زراعة عالمية تبلغ 222 مليون هكتار وحجم حصاد يصل إلى 779 مليون طن سنويا، يعد القمح محصولًا غذائيًا أساسيًا لدى أغلب شعوب العالم وعلى راس قائمة سلة الغذاء عالميا.
لماذا ينخفض إنتاج القمح؟
كما هو الحال مع جميع أنواع النباتات، التي تعاني من الأمراض التي تنتشر بسرعة أكبر مقارنة بالسنوات القليلة الماضية بسبب تغير المناخ، فإن إصابة محاصيل القمح في المناطق الدافئة والرطبة بفطر"magnaporthe oryzae" يشكل تهديدًا خطيرًا لإنتاج القمح منذ اكتشافه لأول مرة في عام 1985.
انتشر هذا الفطر في البداية من البرازيل إلى البلدان المجاورة، حيث حدثت الحالات الأولى خارج أمريكا الجنوبية في بنغلاديش في عام 2016 وفي زامبيا في عام 2018.
وينتاب مزارعو القمح حول العالم مخاوف حقيقية على المحاصيل من الدمار الناجم عن هذا المرض النباتي الذي قضى على ثلث محاصيل القمح في البرازيل في العام 2009، وقد أخذ الآن ينتشر مجددًا.
وتشير الدكتورة تفيد باربارا فالنت من جامعة ولاية كنساس الأمريكية، وهي خبيرة في هذا المرض الذي يبيد القمح إلى أن "وباء عصف القمح يمثل تهديدًا خطيرا للإنتاج العالمي للقمح”.
وقد وضع باحثون من ألمانيا والمكسيك وبنغلاديش والولايات المتحدة والبرازيل الآن نموذجًا لأول مرة لكيفية انتشار "انفجار القمح" في المستقبل.
المناطق الأكثر تضررا
وفقا للباحثين، فإن أمريكا الجنوبية والجنوب الأفريقي وآسيا ستكون المناطق الأكثر تضررا من انتشار المرض في المستقبل، كما أن ما يصل إلى 75% من المساحة المزروعة بالقمح في أفريقيا وأمريكا الجنوبية قد تكون معرضة للخطر في المستقبل.
الدراسة أجرتها منظمة "CIMMYT" غير الربحية المتخصصة في تعزيز تحسين كمية ونوعية واعتمادية أنظمة الإنتاج والحبوب الأساسية وباحثون من جامعات ميونيخ التقنية الألمانية وفلوريدا الأمريكية والمؤسسة البرازيلية للبحوث الزراعية والمركز الدولي لتطوير الأسمدة بالولايات المتحدة والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية بالولايات المتحدة.
ووفقا للتوقعات، سيستمر انفجار القمح في الانتشار في البلدان التي تأثرت بشكل طفيف في السابق، بما في ذلك الأرجنتين وزامبيا وبنجلاديش.
كما يخترق الفطر أيضًا البلدان التي لم تمسها من قبل وتشمل هذه أوروغواي وأمريكا الوسطى وجنوب شرق الولايات المتحدة وشرق أفريقيا والهند وشرق أستراليا.
ووفقاً لنموذج انتشار المرض، فإن الخطر منخفض في أوروبا وشرق آسيا، باستثناء إيطاليا وجنوب فرنسا وإسبانيا والمناطق الدافئة والرطبة في جنوب شرق الصين.
وعلى العكس من ذلك، عندما يؤدي تغير المناخ إلى ظروف أكثر جفافًا مع فترات حرارة أكثر تكرارًا تزيد عن 35 درجة مئوية، قد ينخفض أيضًا خطر "انفجار القمح".
ومع ذلك، في هذه الحالات، يقلل الإجهاد الحراري من إمكانية الإنتاج.
جهود الاحتواء
بفضل التمويل المقدم من وزارة الزراعة الأميركية، يعكف الباحثون في العديد من الجامعات في الولايات المتحدة وأمريكا الشمالية وبينها جامعة ولاية كانساس بالتعاون مع جامعة باسو فوندو في البرازيل على العمل من أجل إيجاد طرق مبتكرة لاكتشاف هذه الآفة ومنع انتشارها.
تقول الخبيرة باربارا فالنت إن المختبر الذي تعمل فيه في جامعة كنساس تمكن من تحديد الجينات التي توفر المقاومة الجزئية للمرض.
وأوضحت أن الوباء ينتشر بسهولة من الحقول المصابة إلى الحقول السليمة غير المصابة بفعل الرياح والأمطار، وينتشر في أجواء الطقس الرطب، كما أن المناطق المتضررة هي من بين المناطق الأكثر تأثرا بالعواقب المباشرة لتغير المناخ.
ويشكل انعدام الأمن الغذائي بالفعل تحديًا كبيرًا في هذه المناطق، ويستمر الطلب على القمح في الارتفاع، خاصة في المناطق الحضرية.
وفي العديد من المناطق، سيتعين على المزارعين التحول إلى محاصيل أكثر قوة لتجنب فشل المحاصيل والخسائر المالية.
وعلى سبيل المثال، في الغرب الأوسط من البرازيل، يتم استبدال القمح بالذرة بشكل متزايد، كما أن هناك استراتيجية مهمة أخرى لمواجهة خسائر الغلة المستقبلية وهي تربية أصناف القمح المقاومة.
وأطلق "CIMMYT" بالتعاون مع شركاء "NARs" العديد من أصناف القمح المقاومة لـ"انفجارعصف القمح" والتي كانت مفيدة في التخفيف من تأثير عصف القمح.
ومع تحديد موعد البذر المناسب، يمكن تجنب الظروف المشجعة على انفجار القمح خلال مرحلة ظهور "الكوز".
وقد أثبت هذا نجاحه، إلى جانب تدابير أخرى، ويعني هذا تجنب البذر المبكر في وسط البرازيل والبذر المتأخر في بنغلاديش.
يشار إلى أن الدراسات السابقة حول تغيرات الغلة بسبب تغير المناخ نظرت بشكل رئيسي في الآثار المباشرة لتغير المناخ مثل ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط هطول الأمطار، وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، لكنها تجاهلت بشكل ما الدراسات المتعلقة بالأمراض الفطرية حتى الآن وعلى رأسها "انفجار القمح".
ويقوم العلماء حديثا بنمذجة ضغط المرض في المرحلة الحساسة بشكل خاص، وتركز الدراسات الحديثة على تأثير "انفجار القمح" على الإنتاج، ومن الممكن أن تؤدي العواقب الأخرى لتغير المناخ إلى زيادة انخفاض محصول القمح.
التطبيقات الذكية وحشد المزارعين
يعمل خبراء الأمراض النباتي والعلماء حاليا ومن بينهم الخبيرة باربارا فالنت والدكتور موريسيو فرنانديز، خبير في التنبؤ بالأمراض في جامعة باسو فوندو في البرازيل.
وبمساعدة الباحثين في بوليفيا وباراغواي والمكسيك وبنغلادش، استطاعوا معا تطوير تطبيق للهواتف الذكية للحصول على مساعدة من المزارعين في جميع أنحاء العالم.
وأشارت فالنت إلى أن “التطبيق يسمح للمزارعين في المناطق التي يظهر فيها المرض بإرسال تنبيه عند رصدهم للمرض في حقولهم. كما يسمح لنا بتوثيق متى وأين يحدث المرض بالضبط.”
وأضافت أنه "كلما تمكنا من اكتشاف المرض بسرعة كلما تمكنا من السيطرة عليه على نحو أفضل”.