كيف أثر التغير المناخي على توزيع الحيوانات في الأرض؟
من ضمن الموضوعات المثيرة للاهتمام، التنوع البيولوجي وحركة الكائنات الحية بين القارات، وخط والاس الذي كان لغزًا حتى وقت قريب؛ فما القصة؟
في منتصف القرن التاسع عشر، كانت هناك مراسلات كثيرة من فتى مغامر شغوف يُدعى «ألفريد والاس»، وعالم الطبيعة الشهير «تشارلز داروين». كان والاس مهتمًا بجمع الأنواع ودراستها، تمامًا مثل داروين، وأشار لداروين في عدد من الرسائل بينهما عن التطور، وقتها كان داروين في حيرة من أمره، هل ينشر أفكاره حول التطور أم لا؛ فجاءت رسائل الفتى المغامر والاس لتدفع داروين نحو إخراج كتابة الشهير «أصل الأنواع» إلى النور. وصار والاس مشاركًا لداروين في نظرية التطور.
نفس الشخص المغامر، أقصد والاس، لاحظ في رحلاته أنّ هناك توزيعًا غريبًا للأنواع بين آسيا وأستراليا، ووضع خطًا، أُطلق عليه اسم «خط والاس»، وكان في شرق الخط أنواع من أصول أسترالية وآسيوية، بينما في الغرب، كانت الأنواع من أصول آسيوية فقط. لفت هذا الأمر نظره، ووضع هذا الخط الفاصل.
ربما حاول والاس استكشاف اللغز وراء هذا الاختلاف، لكن يبدو أنّ المهمة لم تكن أولوية بالنسبة إليه أو حاول ولم تساعده الإمكانات وقتها؛ فترك الأمر للعلماء من بعده، إلى أن قرر فريق بحثي من المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيورخ، فتح صندوق الأسرار والنظر في أسباب وكيفية انتقال هذه الأنواع بين القارات، وكان تركيزهم على آسيا وأستراليا؛ حيث يقع خط والاس هناك. ووجدوا أنّ للتغير المناخي والأحداث الجيولوجية التي حصلت منذ ملايين السنين دورًا مهمًا في انتقال الأنواع بين القارتين، ونشروا ما توّصلوا إليه في دورية «ساينس» (Science) في 6 يوليو/تموز 2023.
انزلاق
قبل 45 مليون عامًا، انزلقت الصفيحة الأسترالية شمالًا تحت الصفيحة الأوراسية، علمًا بأنّ الأوراسية هي التي تحمل أوروبا وآسيا؛ ما أدى إلى تقريب هاتين اليابستين من بعضهما، ما أتاح تبادل القارتين للكائنات الحية. وتكوّنت العديد من الجزر البركانية بين أستراليا وآسيا، وكانت هذه الجزر بمثابة الجسر الذي استخدمته الأنواع للهجرة بين القارتين.
توزيع غير متكافئ
لكن عند النظر إلى تقسيم الأنواع، نجد أنّ أعداد الأنواع التي انتقلت من آسيا إلى استراليا، كان أكبر من الأنواع المنتقلة من أستراليا إلى آسيا، ما يُوحي بعدم التكافؤ بين الانتقالات. وهذا دفع الباحثين للتعمق أكثر في هذه الحالة الغريبة.
قفز الأنواع عبر الجزر
استخدم الباحثون نموذج جديد يجمع بيانات التغيرات المناخية وحركات الصفائح التكتونية منذ 30 مليون سنة مضت إلى الآن. بالإضافة إلى مجموعات بيانات تشمل 20 ألف نوع من الفقاريات. كل هذا من أجل إنشاء نموذج يُحاكي البيئة وقتها؛ لفهم ما جرى.
ووجدوا أنّ الظروف البيئية منذ ملايين السنين، لعبت دورًا حاسمًا في تبادل الأنواع بين القارتين؛ إذ كانت الحيوانات الناشئة في آسيا أكثر قدرة على القفز عبر الجزر الأندونيسية إلى جزيرة غينيا الجديدة وشمال أستراليا. (علمًا بأنّ جزيرة غنيا الجديدة، تقع في شمال أستراليا) من حُسن الحظ أنّ مناخ تلك المناطق كان رطبًا واستطاعت الأنواع التكيّف معه.
من جانب آخر، راح الباحثون ينظرون في ظروف أستراليا، وجدوا أنها كانت في البداية أكثر جفافًا، وتطورت أنواعها في هذه البيئة، ما جعلها أقل تحملًا لهطول الأمطار وقتها، وبالتالي لم تستطع العبور أو التكيّف خارجها، ما جعل حيواناتها أقل قدرة على الحركة بعيدًا عن الموطن. على عكس الحيوانات القادمة من آسيا، التي عبرت الجزر الاستوائية الرطبة التي تفصل آسيا عن أستراليا.
لكن هل هذا يعني أنّ الأنواع الآسيوية أقوى من الأسترالية؟ حسنًا، هذا يأخذنا إلى نقطة أخرى مهمة، وهي أنّ الأنواع البيولوجية التي تطورت في المناطق الاستوائية، لديها قدرات مميزة مقارنة بنظيرتها في المناطق الباردة؛ إذ تتميز بالنمو السريع ولديها قدرة كبيرة على التنافس وتتحمل ضغوطات البيئة والتعايش مع الأنواع الأخرى.
وبذلك، استطاع فريق المعهد الفدرالي للتكنولوجيا في زيورخ الكشف عن لغز خط والاس بعد دمج علوم المناخ والتاريخ الجيولوجي للأرض وتطور الكائنات؛ فقد ساهمت هذه التغيرات المناخية والجيولوجية في تعزيز فهمنا للتغيرات الحاصلة في أنماط التنوع البيولوجي. وهذه فائدة كبيرة من فكرة دمج التخصصات العلمية المختلفة من أجل نقطة بحثية محددة.