الصندوق الأسود للأرض.. بث مباشر لنهاية العالم في "حافلة مدرسية"
صندوق بحجم حافلة مدرسية، مصنوع من مواد فولاذية مقاومة للكوارث، يقبع في صمت داخل جزيرة نائية، بينما تعمل مستشعراته على قياسات عديدة يجري بثها للجمهور، انتظارا لتوثيق اللحظة الموعودة.. نهاية العالم.
فكرة الصندوق الأسود للأرض هي بالأساس جهد مناخي يسعى إلى رسم صورة في أذهان البشر تربط بين تدهور البيئة ونهاية الحياة كما نعرفها على الكوكب.
وبشكل عام، ظهر الصندوق الأسود لأول مرة بعدما استطاع الإنسان الطيران في أثناء القرن العشرين، وكان وقتها واحدًا من أهم ابتكارات القرن؛ واستُخدم الصندوق في تسجيل ومراقبة كل ما يحصل في أثناء الرحلة الجوية، مثل الارتفاع والسرعة والفترة الزمنية ومدى فاعلية معدات الطائرة.
- كتف نرويجي لنشطاء المناخ.. ضخ 17 مليار يورو لتطوير حقول نفط وغاز جديدة
- تغير المناخ يستحدث وظائف جديدة.. هل سمعت عن شُرطة الحرارة؟
وعادةً ما كان الصندوق يُستخدم في مراجعة الأحداث الحاصلة في الطائرات قبل الحوادث؛ لفهم ما جرى، ومن هنا اشتعلت فكرة صندوق الأرض الأسود.
باختصار، يعمل الصندوق الأسود للأرض على تتبع الكوارث الطبيعية الأرضية، ما يساعد في اتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ السلامة، وتقليل الخسائر المحتملة؛ فما قصته تحديدا؟
توثيق نهاية العالم
بعد مؤتمر الأطراف السادس والعشرين (COP26)، المعني بتغير المناخ في غلاسكو بالمملكة المتحدة في عام 2021، اشتعلت فكرة إنشاء صندوق يوّثق نهاية العالم، على يد مجموعة من المهندسين الأستراليين، وقرروا إنشاءه على مسافة 240 كيلومترا تقريبًا من ساحل القارة الأسترالية، من ناحية الجنوب، حيث تقع جزيرة «تسمانيا».
هناك قرروا أن يكون موضع صندوق أسود بحجم حافلة مدرسية؛ ليعمل في صمت على تسجيل وتوثيق التغيرات الحاصلة في المناخ، ومدى استجابة الإنسان لهذه التغيرات. وعُرف هذا المشروع باسم «صندوق الأرض الأسود».
وقرر المهندسون القائمون على المشروع أن يكون الصندوق على سطح جزيرة تسمانيا تحديدًا؛ لأنها آمنة، وأن يُغلف بألواح شمسية وطبقة من الفولاذ؛ لتحمل الصدمات وتهديدات الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والزلازل، تمامًا مثل الصندوق الأسود للطائرة. وكان من المقرر أن يبدأ بناء الصندوق في أوائل عام 2022.
مُسجل المناخ
من مهام الصندوق تسجيل قياسات وبيانات درجات الحرارة ومستويات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ودرجات حمضية المحيطات واستهلاك الطاقة واستخدام الأراضي الزراعية والنمو السكاني وانقراض الأنواع.
من جانب آخر، سيُوثق الصندوق آخر أخبار وعناوين الصحف ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالتغير المناخي، كذلك ومخرجات المؤتمرات المعنية بتغير المناخ، ومدى استجابة رؤساء الدول والقرارات المُتخذة للحد من آثار التغير المناخي.
ربما نتعظ!
يهدف القائمون على المشروع إلى أن يكون هذا الصندوق قويًا بما يكفي؛ حتى يخزن أكبر قدر من المعلومات والبيانات للأجيال القادمة في المستقبل، بدون أن يتأثر بالعوامل الطبيعية أو البشرية التي قد تُدمره في حال حدوث كوارث خارجة عن السيطرة، ما يجعلها فرصة جيدة للأجيال القادمة؛ حتى يتطلعون إلى ما حصل في الماضي (الحاضر بالنسبة إلينا)؛ خاصة وأنّ الصندوق يسجل كل شيء بدون أي تحيزات لأطراف معينة.
وربما يكون صندوق الأرض الأسود بمثابة العظة أو المقبض الذي يضرب سندان الأنشطة البشرية المؤثرة على المناخ.
نظرة تشاؤمية
عندما أعلن المهندسون الأستراليون عن فكرة هذا الصندوق، نظر بعض الناس إلى تلك الفكرة بنظرة تشاؤمية بعض الشيء؛ بسبب ارتباط الصندوق بتوثيق نهاية العالم، وهذا شيء غير محمود.
لكن من جانب آخر، لننظر إلى الصندوق الأسود على أنه وسيلة لتنبيهنا بما يجري حولنا، ما يُعطينا دافعًا لتوجيه الأمور نحو مسارها الصحيح، وتقليل المخاطر المحتملة؛ خاصة وأنّ بياناته ستكون متاحة للجمهور.
aXA6IDE4LjIyMi43OC42NSA= جزيرة ام اند امز