"أمواج الفساد" تضع مستقبل "اتحاد ميركل" على المحك
ضربت قضايا الفساد المتلاحقة سفينة الاتحاد المسيحي الألماني الحاكم في مقتل، ووضعت فرصه في البقاء في السلطة على المحك.
ويعيش الاتحاد المسيحي حالة من الفوضى منذ فضح تورط 2 من نوابه البارزين في تلقي رشاوى واستغلال السلطة، في صفقات متعلقة بتجارة الأقنعة الطبية "الكمامات". بل تفاقم الأمر باكتشاف حالة فساد ثالثة في نفس الملف، قبل يومين.
ضربة مؤلمة لحزب ميركل قبل الانتخابات البرلمانية
وقالت مجلة "دير شبيجل" الألمانية "بينما يخشى الموظفون في جميع أنحاء البلاد على وظائفهم، ويواجه أرباب العمل صعوبات جمة، ويخاطر الأطباء والممرضات بصحتهم، كان ممثلو الشعب مشغولين بتحقيق مكاسب على حساب معاناة شعب بالكامل"، مضيفة "البلاد غاضبة بشدة منذ الكشف عن هذه القضايا".
وتابعت "لطالما كانت علاقة الاتحاد المسيحي بالمال مضطربة وأدت إلى فضائح وهزات عنيفة في فترات سابقة. لكن ذلك الاتجاه تراجع خلال العقدين الماضيين، لأن امرأة متواضعة للغاية وليس لها علاقة بالخزائن السوداء تترأس التكتل"، في إشارة للمستشارة أنجيلا ميركل.
ومع بدء العد التنازلي لفترة ميركل في السلطة، عادت ملفات الفساد لضرب الاتحاد المسيحي بقوة، ولا يتعلق الأمر بصفقات "الكمامات" فقط، بل بملفات شائكة أخرى يتخوف الاتحاد من تفجرها في الظروف الحالية، مثل ملف الأعمال الجانبية للنواب، والإثراء من العلاقات الشخصية.
وكانت ثالث حالة استقالة لنواب الاتحاد من البرلمان من نصيب مارك هاوبتمان، الخميس الماضي، وهو رئيس المجموعة الشبابية المؤثرة في كتلة الاتحاد المسيحي البرلمانية.
وكانت أسباب استقالة هوبتمان الكشف عن علاقته الوثيقة مع النظام في أذربيجان، والاتهامات التي طالته بالتورط في فضيحة تلقي رشوة في صفقات توريد كمامات لسلطات محلية في ألمانيا.
والأسبوع الماضي، أنهت فضيحة فساد متعلقة بالأقنعة الطبية (كمامات) الحياة السياسية للنائب الشاب من الاتحاد المسيحي نيكولاس لوبل.
ولم تكن هذه الحالة الأولى؛ إذ استقال جورج نسلين من منصبه كنائب لرئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي الحاكم -تنتمي له المستشارة أنجيلا ميركل- في ألمانيا أواخر فبراير/شباط الماضي، إثر فضيحة مماثلة.
ووفق "دير شبيجل"، فإن الرعب يسيطر على الاتحاد المسيحي في الوقت الحالي، في ظل مخاوف من تورط نواب جدد من كتلته في فضائح مماثلة.
الأكثر من ذلك هو تداول أسماء سياسيين في وزارة الصحة الفيدرالية التي يترأسها يانس شبان المنحدر من الاتحاد المسيحي، متورطين في قضايا فساد متعلقة بصفقات كمامات وغيرها من المواد الطبية في ظل أزمة "كورونا"، وفق دير شبيجل.
وأمام هذه الشكوك، تعهد شبان بـ"الشفافية الكاملة" في معالجة الاتهامات، لكن دير شبيجل تساءلت "هل تستطيع الوزارة نشر أسماء هؤلاء السياسيين؟، مضيفة "يخشى عدد من السياسيين والبرلمانيين دخولهم في دائرة الشك في الوقت الحالي".
لذلك، طالب رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي رالف بريينكهاوس نواب الكتلة بالكشف عمّا إذا حصلوا على مكاسب مالية من ممارسة أعمال تجارية متعلقة بأزمة كورونا.
ومن يرفض الإدلاء بهذه المعلومات سيخضع لتحقيق داخلي، ما يعكس حالة الرعب والهلع داخل التكتل من الكشف عن قضايا فساد جديدة.
وبصفة عامة، يرتبط نواب الاتحاد المسيحي تاريخيا بعلاقة خاصة مع عالم المال. وفي المتوسط، كسب كل عضو من أعضاء الكتلة 58 ألف يورو على الأقل من الوظائف الجانبية "وظائف بخلاف وظيفتهم الأساسية" في الفترة بين 2017 و2020.
وفي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يبلغ متوسط المكاسب المالية من الوظائف الجانبية للنائب الواحد 15 ألفا و500 يورو في نفس الفترة، فيما تبلغ 1800 يورو لنواب حزب الخضر "يسار".
وتشمل هذه الوظائف الجانبية إلقاء المحاضرات وكتابة المقالات، وكذلك التوسط في الصفقات التجارية، وترتبط بشكل وثيق بوظيفة النائب الأساسية في البرلمان كممثل للشعب.
وعلى سبيل المثال، شغل النائب عن الاتحاد المسيحي يواكيم فايفر 26 وظيفة بدوام جزئي في الثلاث سنوات الماضية، فيما شغل النائب الآخر بالاتحاد يوهانس رورينغ 24 وظيفة، وغالبا ما تسجل معظم هذه الوظائف كأعمال تطوعية.
ويقول المؤرخ فرانك بوش من مركز التاريخ المعاصر من جامعة بوستدام الألمانية: "من غير المستغرب أن يكون نواب الاتحاد المسيحي في قلب فضيحة الأقنعة"، موضحا "الهيكل العام للكتلة البرلمانية للاتحاد يزيد مخاطر الإثراء الخاص للنواب".
وأوضح الخبير المتخصص في تاريخ الاتحاد المسيحي إن "الأخير يسمح منذ عقود بالأعمال الخاصة لنوابه"، ما يزيد من احتمالية السقوط في الفساد.
ووفق "دير شبيجل"، فإن فضائح الفساد المتتالية ضربت الاتحاد المسيحي في وقت عصيب للغاية، وقبل أيام من انتخابات محلية في عدة ولايات، و6 أشهر من الانتخابات التشريعية الحاسمة "مقررة سبتمبر المقبل" التي تحسم مسألة خلافة ميركل على رأس الحكومة.
وتابعت أن هذه الفضائح تؤثر بشكل كبير على شعبية الاتحاد المسيحي، ويمكن أن تقوده لخسارة الاقتراع العام في سبتمبر/أيلول المقبل، في ظل حالة الغضب الشعبي الكبيرة من تصرفات نواب التكتل في ظل أزمة كبيرة مثل جائحة كورونا.
aXA6IDMuMTM4LjMyLjUzIA== جزيرة ام اند امز