«يناير العاصف» في الشرق الأوسط.. «العين الإخبارية» تتعقب «الحصاد المر»
«عواصف يناير» تهز الشرق الأوسط الرابض على رمال متحركة سرعان ما ارتجت تحت وطأة لهيب عنف يتسع مداره مع تغيير الإرهابيين تكتيكاتهم.
حصاد صعب لشهر يستهل 2024 بتسارع مريع للهجمات والعنف ما ينذر بأن المنطقة مقبلة على سيناريوهات قد تقلب إحداثيات الأوضاع وتقلص هامش التهدئة إلى أدناه، وفق خبراء.
فبينما كانت شعوب الشرق الأوسط تأمل بدايات هادئة لعام جديد، جاء يناير/كانون الثاني مخيباً للآمال مع تفجر بؤر الصراع وتصاعدها سواء داخل المنطقة أو على أطرافها.
وجاء الشهر الملتهب محملاً بكثير من الأزمات والتوترات التي تتصاعد منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم.
حرب سرعان ما استشرى لهيب تأثيرها كالنار في الهشيم، فامتد إلى سوريا والعراق واليمن وبطبيعة الحال إلى لبنان المجاور على الصعيد العسكري، فيما كانت الارتدادات السياسية ذات نطاق أوسع إقليمياً ودولياً.
ضربة بضربة
على سبيل المثال، وفي فجر 12 يناير/كانون الثاني الجاري، شنت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وعدد من حلفائهما ضربات عنيفة طالت مواقع لمليشيات الحوثيين.
وشكل ذلك أول رد ذي طابع عنيف من قبل واشنطن على استهداف المليشيات الموالية لإيران السفن المارة عبر البحر الأحمر، لا سيما المتجهة إلى إسرائيل تحت مزاعم الدعم للشعب الفلسطيني.
ورغم أن وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت أن الضربات دمرت 30% من قدرات الحوثي، فإن المليشيات أعلنت تحديها لـ"واشنطن" وأنها ستواصل استهداف السفن، بينما واصلت واشنطن في المقابل الرد بضربات لم تتوقف، لكن مراقبين أعربوا عن خشيتهم مراراً من أن تشعل تلك الأمور الأوضاع أكثر فأكثر.
لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن حاول تخفيف حدة المخاوف بالتأكيد، اليوم الثلاثاء، على أنه لا يريد "حربا أوسع نطاقا" في الشرق الأوسط.
وفي الأراضي السورية والعراقية، واصلت الميليشيات الموالية لإيران ضرباتها وهجماتها التي تطال القواعد العسكرية الأمريكية.
وردت واشنطن بضربات عسكرية أوقعت بعض قيادات تلك المليشيات، في وقت تحمّل فيه الإدارة الأمريكية النظام الإيراني مسؤولية تلك الهجمات التي تتم بالمسيرات أو قذائف صاروخية.
لكن التطور الأخطر والأكثر لفتاً للأنظار كان الهجوم الذي وقع قبل يومين أقصى شمال شرقي الأردن والذي طال "برج 22" الواقع على بعد أمتار من تراب المملكة، وعند نقاط تماس حدودها مع سوريا والعراق، وقد تسبب بمقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة قرابة 30 آخرين بطائرة مسيرة.
وجاء هجوم "برج 22" وسط توقعات برد أمريكي قاس، كونه أول هجوم يطول قوات أمريكية بهذه القوة، ويوقع قتلى ومصابين، على نحو يمكن استنباطه بسهولة من تصريحات بايدن الذي حمل بدوره إيران المسؤولية المباشرة.
عدوى التصعيد
وسط الاتهامات التي تنفيها إيران بتحريك أذرعها في سوريا والعراق واليمن، شن الحرس الثوري الإيراني هجوماً فجر 16 يناير/كانون الثاني الجاري على مدينة أربيل شمالي العراق، مستخدماً صواريخ باليستية، وقال إنه هاجم مراكز تجسس وتجمعات لجماعات إرهابية مناهضة لطهران.
وفجر اليوم التالي، استيقظ العالم كذلك على تنفيذ الحرس الثوري الإيراني ضربات على موقع داخل الأراضي الباكستانية تسببت بمقتل طفلين، على نحو أغضب إسلام آباد بدرجة كبيرة والتي بدورها نفذت هجمات داخل الأراضي الإيرانية تسبب في سقوط 9 قتلى.
وتعليقاً على التطورات التي اتخذت طابعاً عسكرياً متصاعداً، يقول الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة، إن "منسوب المواجهات في يناير/كانون الثاني يشير إلى أننا أمام عام ربما يكون عام مواجهات وصدامات إقليمية بامتياز".
وأعرب "فهمي"، في حديث لـ"العين الإخبارية"، عن توقعاته بمزيد من الصدامات خلال الفترة المقبلة وعلى أكثر من مسرح عمليات من اليمن للعراق ومن العراق لسوريا والضفة الغربية في فلسطين، بالإضافة للتوترات في منطقة الخليج العربي وما يجاورها، إلى جانب مسرح العمليات الرئيسي في غزة.
صراع أوسع؟
ويؤكد "فهمي" أن "تعدد مسارح الصراعات والتوترات التي ظهرت بوضوح خلال يناير/كانون الثاني، يأتي كمقدمة إلى أننا قد نكون أمام صراع أوسع وأشمل، خصوصاً في ظل الهجمات المستمرة على القواعد الأمريكية ووصولها مؤخراً إلى نقطة قريبة للغاية من الحدود الأردنية، وبالتالي ستتسع هذه العمليات".
ودعا الخبير في شؤون الشرق الأوسط إلى عدم تناسي الانتخابات الأمريكية وتأثيرها، موضحاً أن "بايدن" مطالب برد قوي على ضربات المليشيات خصوصاً بعد هجوم "برج 22".
واعتبر أن هذا الرد يأتي في إطار يمكن توظيفه ضمن حملة الرئيس الحالي الانتخابية ولإرضاء الرأي العام الأمريكي.
وكان من الأمور الملفتة للنظر كذلك ببداية الشهر الحالي مقتل إسرائيل القيادي بحركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية ببيروت معقل حزب الله اللبناني، وتحديدا في 2 يناير/كانون الثاني الجاري.
وفي الثامن من نفس الشهر، قتلت تل أبيب وسام طويل القائد الميداني بحزب الله، وبين الحادثين قتل اثنان من قادة مليشيات النجباء العراقية بهجوم أمريكي، ويوم 20 من الشهر ذاته، قتل 5 مستشارين للحرس الثوري الإيراني بغارة إسرائيلية على دمشق.
تكتيك جديد
من جانبه، يقول حازم العبيدي، المحلل السياسي العراقي، إن "إيران ترى في الوقت الحالي فرصة مواتية لتطوير قدرات الميليشيات الموالية لها في المنطقة، لا سيما مسألة استخدام الطائرات المسيرة والتي كانت أداة ذات أهمية بيد الحوثي على مدار السنوات الماضية".
ويوضح "العبيدي"، لـ"العين الإخبارية"، أن "إيران تريد أن تقول إن لديها أدواتها المؤثرة في المنطقة، وتستطيع أن تحركهم معاً في وقت واحد، على نحو يشكل إرهاقاً لأي قوة مناوئة لها في المنطقة، وبالتالي يمكنها المناورة وإبرام بعض التفاهمات السياسية على حسب مصلحتها، مستفيدة في ذلك الإطار مما يجري في قطاع غزة".
ووفق الخبير العراقي، فإن ما يلفت الأنظار في هجمات المليشيات قبل نهاية يناير/كانون الثاني الجاري هو "المدى الذي وصلت إليه الطائرة المسيرة التي استهدفت برج 22 القريب من شمال شرقي الأردن، وما نتج عنه من خسائر في صفوف القوات الأمريكية".
وخلص إلى أن ذلك يعني أن "المسيرة كانت تحمل مادة شديدة التفجير أو ذات كمية أكبر من ذي قبل".
وفي ضوء هجوم الأردن والهجمات السابقة طوال يناير/كانون الثاني أو حتى قبله، يتوقع "العبيدي" أن تتزايد قدرات المليشيات خلال الفترة المقبلة، وأن تمتلك مسيرات أكثر تطوراً، وصواريخ لديها القدرة على الوصول إلى مدى أبعد، وأكثر قدرة على تحديد الأهداف وإصابتها.
وأشار كذلك إلى أن بؤرة الصراعات تتمدد وتتوسع في دول المنطقة، خصوصا في سوريا والعراق واليمن وإيران وباكستان ولبنان وفلسطين والأردن، معرباً عن توقعه بأن الفترة المقبلة قد تشهد اغتيالات بشكل متبادل.