لا يزال عام 2022 في بداياته، ولا تزال آمال كثيرة مُعلقة عليه للخروج من مآزق وأزمات تضرب مناطق الأرض.
كما يُنتظر في 2022 علاجٌ من أوبئة تتفشى في بقاع العالم وتكاد لا تستثني أحداً من أخطارها.
ورغم حالة التشاؤم، التي تخيم على بعض توقعات العام الجديد، فإننا نجد لأولئك المتشككين العذر بسبب ما شهده العالم خلال العامين الماضيين من اضطراب في اتجاهات متعددة. وربما كان "الشرق الأوسط" أفضل حالاً من أقاليم أخرى نالها حظ عثِر خلال 2021.
فبينما تركت جائحة كوفيد-19 بصماتها الثقيلة على منطقة الشرق الأوسط مثل غيرها، اضطرت شعوب المنطقة إلى التكيف مع أوضاع استثنائية واتباع قواعد صارمة في السفر والتفاعل الإنساني والاحتياطات الصحية الشخصية والعامة. وكان لمنطقتنا نصيب أكبر من غيرها خلال 2021 في التطورات الإيجابية وإشارات التحسن في بعض الملفات، والتي شهدت انفراجات ملموسة، منها الوضع الداخلي في تونس، والذي كان قد وصل إلى حالة احتقان شديد وتدهور عام في مختلف المجالات، بسبب فساد حركة "النهضة" الإخوانية، لولا تدخل الرئيس التونسي قيس سعيّد في الوقت المناسب، بقرارات إنقاذ وإصلاح دستورية.
وشهد العراق أيضا تطورات إيجابية خلال 2021 بتمكُّن رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، من استعادة هيبة الدولة العراقية وفرض سيطرتها بصورة كبيرة، وهو ما تجسد بوضوح في إجراء الانتخابات البرلمانية بسلام، والتي عكست نتائجها بُغْض العراقيين للطائفية ومن يفكرون بها، وإنْ كان دعاةُ الطائفية لا يزالون يقاومون ذلك التوجه العراقي الرسمي والشعبي نحو المواطنة كأساس للدولة.
إقليمياً، بدأت بعض أزمات المنطقة تشهد حلحلة تدريجية، وإنْ ليس بالضرورة تجاه حلول نهائية.. فهناك حراك إيجابي في اتجاه عودة سوريا إلى الجامعة العربية، والعمل جار لتهيئة أجواء ملائمة لإجراء انتخابات رئاسية في ليبيا، فيما بدأ تحرير الأرض اليمنية من مليشيا الحوثي والإعلان عن بدء إعمار اليمن.. هذه الملفات كلها مرشحة لمزيد من الاقتراب نحو الحل في العام الجديد.
مقابل هذه الإيجابيات، لا تزال بعض القضايا مُعلقة وقابلة للتطور في كل الاتجاهات، سلباً أو إيجاباً.. على رأسها بالطبع جائحة كورونا، التي داهمت العالم قبل عامين، ولا تزال تضرب الجنس البشري بأشكال مبتكرة ومتحورات فيروسية مستجدة، الأمر الذي يشير إلى استمرار الأزمة مع العالم لفترة طويلة.. غير أن خضوع العالم لهذا الوضع لعامين متتاليين "والثالث بدأ بالفعل" يحمل وجهاً إيجابياً، وهو أن العالم بدأ يتعايش مع تلك الجائحة ويتكيف مع وجودها ويستعد أكثر فأكثر بمزيد من اللقاحات والأدوية والإجراءات.
ولا يمكن نسيان أن عام 2021 كان الأول للرئيس جو بايدن في "البيت الأبيض"، ورغم التوقعات الكبيرة التي سبقت وأعقبت فوزه بالرئاسة الأمريكية، فإن الواقع لم يحقق هذه التوقعات.. وربما باستثناء عودة الولايات المتحدة إلى الفعاليات والمحافل الدولية، لم يقدم "بايدن" سوى خطاب دبلوماسي مطمئن، لكن دون دلائل واقعية على تغيير حقيقي في السياسة الأمريكية، سواء داخليا أو خارجيا.
حتى التغيير الفعلي الذي حصل في منطقة الشرق الأوسط، فقد انصب على تغيير أسلوب التعاطي مع إيران، وذلك بالانتقال إلى التفاوض والحوار بديلاً عن العقوبات وحدها. وهو ليس إلا رجوعا إلى نمط الرئيس "أوباما"، الذي "ورّط" واشنطن في اتفاق نووي غير فعال.
وبعد عام في "البيت الأبيض"، كل ما فعله "بايدن" هو الصبر والتفاوض والانتظار و"التهديد الكلامي" بوجود "خِيارات أخرى" ضد إيران، التي لا تزال مستمرة في أنشطة التخصيب النووي بلا أي رادع لهذا الخطر الذي توجِّهه "أطماعها الإقليمية".
الفرصة أمام "بايدن" ليست مفتوحة، بل ليست مستمرة حتى إلى نهاية هذا العام الجديد.. إذ ستُجرى انتخابات الكونجرس في نوفمبر المقبل، وبالتالي سيكون على "بايدن" مواجهة احتمال سيطرة الجمهوريين على التشكيلة الجديدة للكونجرس.. لكن الفرص الأخرى التي يحملها العام الجديد معه ليست قصيرة زمنياً ولا مشروطة أمام دول المنطقة، كما هي الحال بالنسبة للولايات المتحدة.. فأمام دول الشرق الأوسط فرصة ذهبية للبناء فوق ما تم التوصل إليه بالفعل من تفاهمات، وتفعيل إرهاصات التسويات والحلول، التي بدأت تلوح في الأفق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة