"العين الإخبارية" تكشف.. أين وصلت جهود تصنيف "حرس إيران" إرهابيا؟
تتشابك الخيوط في مسألة تصنيف الحرس الثوري الإيراني "إرهابيا" في الاتحاد الأوروبي، وتتناقض الخطوات الجادة مع التصريحات، ما يفرض ضبابية.
وبالتزامن مع تمرير البرلمان الأوروبي قرارا يؤيد وضع الحرس الثوري على قوائم الإرهاب، وإعلان رئيسة المفوضية دعمها للخطوة، كان لرأس الدبلوماسية الأوروبية رأي آخر، ما أربك المشهد بشكل كبير.
والخميس الماضي، مرر البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة، قرارا يدعو الدول الأعضاء إلى وضع الحرس الثوري الإيراني على قوائم الإرهاب الأوروبية.
جاء ذلك بعد يومين من تصريح لرئيس المفوضية الأوروبية، أرسولا فون دير لاين، أعلنت فيه تأييدها تصنيف الحرس الثوري إرهابيا.
لكن شخصا واحدا سبح في الاتجاه المخالف، هو ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي قال إن التكتل لا يمكنه إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الكيانات الإرهابية إلا بعد صدور قرار من محكمة في الاتحاد يفيد بذلك.
وقال: "هذا الأمر لا يمكن أن يصدر به قرار دون محكمة، قرار من المحكمة أولا.. لا يمكنك أن تقول أنا أعتبرك إرهابيا لأنك لا تعجبني".
وأضاف أنه ينبغي على محكمة في دولة عضو بالاتحاد الأوروبي، أن تصدر إدانة قانونية ملموسة قبل أن يمكن للتكتل نفسه التحرك في هذا الشأن.
وفرض هذا التضارب بعض الارتباك وكثير من الضبابية على مسار وضع الحرس الإيراني على قوائم الإرهاب الأوروبية، لكن "العين الإخبارية" توضح في هذا التقرير كل المعلومات عن آلية الإدراج، وموقع ملف الحرس الثوري في الوقت الحالي، والمخارج القانونية من "عقدة بوريل".
آلية الإدارج
كأي نظام مؤسسي، يتخذ التكتل الأوروبي قراراته عبر آلية معينة، وهو ما ينطبق أيضا على قرارات الإدارج في قوائم الإرهاب؛ إذ تتخذ الدول الأعضاء خلال تصويت في المجلس الأوروبي، القرار النهائي.
وقالت المفوضية الأوروبية في إفادة لـ"العين الإخبارية": "إجراء الإدارج على قوائم الإرهاب يتخذ عبر قرار صادر من المجلس الأوروبي، بإجماع الدول الأعضاء"، ما يعني أن بوريل لا يملك حق التصويت، لكنه يبقى مؤثرا بالنظر إلى منصبه ومسؤولياته.
وتابعت أنه بموجب قانون الاتحاد الأوروبي، فإن الشرط الأساسي لإدراج منظمة على قائمة الاتحاد الأوروبي للإرهاب هو "قرار وطني صادر من سلطة وطنية مختصة في دولة عضو، مثل حكم محكمة أو فتح تحقيق أو أمر بالحظر صادر عن سلطة إدارية، وهذا يعني أن مستوى الاتحاد الأوروبي وحده لا يمكنه التصرف بدون هذا القرار الوطني".
ووفق هذه الإفادة، فإن الأمر لا يقتصر فقط على إدانة من محكمة، بل أنه يمكن أن يستند إلى قرار إداري في دولة عضو، وبالتالي فإن الأمر ليس معقدا إلى الدرجة التي طرحها بوريل، لأن قرارات المحاكم في أوروبا يمكن أن تستغرق سنوات طويلة.
وإجرائيا، يمر قرار إدراج منظمة ما أو فرد بعينه على قائمة الإرهاب الأوروبية بـ3 مستويات، قبل صدوره، أولها تقديم دولة عضو مقترح رسمي بالإدراج إلى مؤسسات التكتل في بروكسل.
بعدها، يذهب المقترح إلى ما يعرف بـ"الأجهزة التحضيرية"، وبالتحديد إلى فريق العمل المعني بالتدابير التقييدية لمكافحة الإرهاب، الذي يقوم بفحص وتقييم المعلومات الواردة في المقترح. ووضع الأساس القانوني للإدارج، ثم يقدم توصيات إلى المجلس.
وفي المرحلة الثالثة والأخيرة، يصوت المجلس الأوروبي على القرار، وفي حال الموافقة عليه بالإجماع، يصبح قرارا نافذا وينشر في الجريدة الرسمية، مرفقا ببيان بأسباب الإدراج.
مسار "حرس إيران"
وفيما يتعلق بملف الحرس الثوري، فإن الملف تخطى المستوى الأول من الخطوات الإجرائية، ولا يزال في المرحلة الثانية، وهي خضوع المسألة للفحص والتدقيق على يد فريق العمل المعني بالتدابير التقييدية لمكافحة الإرهاب، وفق ما علمته "العين الإخبارية".
وللتدليل على ذلك، فإن ألمانيا أعلنت مرارا عن مساعيها لإدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب، بل أن وزيرة خارجيتها أنالينا بيربوك قالت قبل أكثر من أسبوع: "يجب إزالة العقبات القانونية قبل الإدراج.. لهذا السبب اتصلنا بالاتحاد الأوروبي لتوضيح المتطلبات".
وقبل أيام، أكدت الخارجية الألمانية، في إفادة لـ"العين الإخبارية"، أن ألمانيا ستزيد الضغط على إيران، خاصة على الحرس الثوري.
وأضافت: "لذلك بدأت الحكومة الفيدرالية مناقشات داخل إطار الاتحاد الأوروبي لفحص القضايا القانونية للإدراج"، أي إدراج المنظمة الإيرانية في قوائم الإرهاب.
الأكثر من ذلك، أن وكالة رويترز للأنباء نقلت عن مصادر دبلوماسية أوروبية في 19 يناير/كانون ثاني الجاري، أن فرنسا وهولندا بين الدول الأعضاء التي تؤيد إدراج الحرس الثوري على قوائم الإرهاب.
وبالتالي، فإن الملف في الوقت الراهن تخطى مستوى تقديم المقترح، ويتواجد في مرحلة الدراسة (المستوى الثاني) ووضع الأساس القانوني للإدراج، وهو ما يفسر خروج بوريل بتصريحات علنية، في محاولة للتأثير على مرحلة الدراسة والفحص، وفق مراقبين.
فالممثل الأعلى للسياسة الأوروبية يعلم أن هذه المرحلة هي أفضل توقيت يمكنه فيه التأثير على مسار قرار الإدراج، نظرا لأن المرحلة الثالثة تخص الدول الأعضاء فقط، ولم يملك فيها صوتا.
ويتبنى بوريل موقفا مغايرا لمواقف البرلمان الأوروبي ودول أعضاء رئيسية مثل ألمانيا وهولندا، حيال فرض عقوبات على إيران، إذ يدفع باتجاه الإبقاء على المسألة ضمن ما يعرف بـ"عقوبات الحد الأدنى"، للحفاظ على "شعرة سياسية" مع طهران.
وفي دليل على اختلاف الرؤى، كتبت هانا نويمان، العضو البارز بالبرلمان الأوروبي، على "تويتر"، قبل أيام: "لقد أصبح من الواضح هذا الأسبوع، أن بوريل والبرلمان لديهما رؤى مختلفة لسياسة الاتحاد تجاه إيران.. هذا عادل بما فيه الكفاية في ديمقراطية، ولهذا نجتمع ونتناقش".
وتابعت: "ومع ذلك، فإن بوريل يتهرب من مثل هذا النقاش لأشهر حتى الآن"، وفق ما رصدته "العين الإخبارية".
مخارج قانونية
رغم محاولة بوريل تضييق المنفذ القانوني لإدراج الحرس الثوري على قوائم الإرهاب، إلا أن قانون الاتحاد الأوروبي وسابقة قانونية، وحكم محكمة في ألمانيا في 1997، يوسعان هذا المنفذ القانوني بشكل كبير.
ووفق إفادة "المفوضية الأوروبية" لـ"العين الإخبارية"، فإن الأساس القانوني للإدراج في قوائم الإرهاب، لا يقتصر فقط على إدانة من محكمة، بل إنه يمكن أن يستند إلى قرار إداري في دولة عضو، سواء بالحظر أو فتح تحقيق في جرائم ارتكبها الحرس الثوري.
الأكثر من ذلك، أن هانا نويمان كتبت في تغريدة سابقة تابعتها "العين الإخبارية"، إن فتح تحقيق في جرائم الحرس الثوري قد يكون كافيا كأساس قانوني للإدراج، إذ كتبت "لإدراج منظمة في قائمة الإرهاب، فإنها تحتاج إلى إدانة أو على الأقل تحقيقا ضدها بسبب أعمال إرهابية في الدول الأعضاء على الأقل".
سابقة قانونية
بالإضافة إلى الخيارات السابقة، فإن هناك سابقة قانونية واضحة في الاتحاد الأوروبي لمعاقبة فرد وفق نظام عقوبات الإرهاب في التكتل، استنادا إلى قضية قانونية خارج حدود التكتل.
ففي أكتوبر/تشرين ثاني 2011، استهدف الاتحاد الأوروبي خمسة إيرانيين بعقوبات ضمن نظام مكافحة الإرهاب، على خلفية محاولة فاشلة مزعومة لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة.
وقال الاتحاد الأوروبي في بيان نقلته وكالة الصحافة الفرنسية آنذاك: "عقب إحباط مؤامرة اغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، أخضع المجلس اليوم خمسة أشخاص لإجراءات تقييدية من الاتحاد الأوروبي تهدف إلى مكافحة الإرهاب".
قائمة المعاقبين شملت منصور أربابسيار، وغلام شكوري وقاسم سليماني وحامد عبد الله وعبد الرضا شهلاي، وجميعهم كانوا متهمين في قضية ينظرها القضاء الأمريكي حول محاولة الاغتيال.
جايسون برودسكي، مدير السياسات في منظمة "متحدون ضد إيران النووية"، وهي منظمة غير حزبية وغير ربحية في الولايات المتحدة، أكد هذه السابقة، وكتب في تغريدة خلال إعداد هذا التقرير: "هناك سابقة قانونية، حين قام الاتحاد الأوروبي بوضع فرد على قائمته للإرهاب؛ ضابط الحرس الثوري الإيراني غلام شكوري، بناءً على قضية تنظرها محكمة أمريكية، وليس بالضرورة محكمة في الاتحاد الأوروبي".
وهذا ليست أول مرة تثار فيها مسألة إدراج الحرس الثوري إرهابيا بناء على قضية في محكمة أمريكية، إذ سبق أن وسع النائب عن الاتحاد المسيحي الألماني ومتحدث الاتحاد في الشؤون الخارجية نوربرت روتغن المنظور القانوني، وذكر أن الأساس القانوني لا يقتصر على قضايا وملفات داخل الاتحاد الأوروبي.
وقال في تغريدة تابعتها "العين الإخبارية": "لا يوجد عدم يقين قانوني (في مسألة التصنيف).. تعلم وزارة الخارجية الألمانية أن الإدراج على لوائح الإرهاب يمكن أن يستند إلى قضايا خارج الاتحاد الأوروبي، لكنها لا تقول ذلك علنا"، لافتا إلى أن وزارة الخارجية ذكرت ذلك في مذكرة أرسلت للبرلمان الألماني.
ومضى في حديثه: "هناك قرار صادر عن محكمة جنائية في الولايات المتحدة بشأن تورط الحرس الثوري في الإرهاب"، لافتا إلى إمكانية إدراج المنظمة الإيرانية على قوائم الإرهاب الأوروبية على هذا الأساس، انطلاقا من التزام المحاكم الأمريكية بحكم القانون.
حكم سابق
الأكثر من ذلك أن هناك حكما سابقا صادرا عن محكمة في دولة عضو، يمكن أن يصبح الأساس القانوني للإدراج الذي اشترطه الممثل الأوروبي للشؤون الخارجية.
الحكم يعود وفق بحث أجرته "العين الإخبارية" إلى عام 1997، ومتعلق بقضية اغتيال عدد من المعارضين الأكراد للنظام الإيراني، في مطعم في العاصمة برلين عام 1992، والمعروفة "اغتيالات ميكونوس".
وكتبت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تغطيتها للحكم في ١١ أبريل/نيسان عام 1997، "بعد محاكمة دامت ثلاث سنوات تضمنت شهادة 166 شاهدًا، قضت المحكمة العليا في برلين بأن مقتل أربعة معارضين في مطعم ميكونوس تم بالتنسيق مع "لجنة العمليات الخاصة" السرية في طهران.
وتضم هذه اللجنة في عضويتها المرشد الإيراني ورئيس البلاد، وقادة الأجهزة الأمنية، وفي مقدمتها الحرس الثوري الإيراني، ما يجعل قضية "ميكونوس" صالحة كأساس قانوني لإدانة الأخير بالإرهاب، باعتبار أن قائدها عضو في لجنة عليا أمرت بعمل إرهابي في دولة أوروبية.
وتعليقا على ذلك، قالت الكاتبة رويا هاكاكيان في تغريدة عبر "تويتر" تابعتها "العين الإخبارية": "يقول الاتحاد الأوروبي إنه لن يصنف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية حتى تحكم محكمة بذلك. حسنا، هناك محكمة فعلت ذلك بالفعل".
وتابعت "في أبريل/نيسان 1997، أدانت المحكمة العليا في برلين قائد الحرس الثوري الإيراني (في إطار لجنة العمليات الخاصة) بتهمة إصدار أوامر القتل في مطعم ميكونوس".
ووفق مراقبين، فإن فريق العمل المعني بدراسة ملف إدارج الحرس الثوري، سيقوم بدراسة كل هذه المنافذ القانونية والوقائع، قبل أن يرفع تقريره إلى المجلس الأوروبي، لكن العملية ستأخد وقتا.