فرنسا لديها مشروعها في ليبيا كما أن إيطاليا عادت تنفتح على الجميع، ولم تعد زاوية الاختيار تضم طرفا على حساب أخر
مع تعدد مسارات البحث عن نقطة بداية لتوافق سياسي، وليس عسكري في الشأن الليبي، يثار تساؤل حول تداعيات ما يمكن أن يطرح في السياق الراهن للعديد من الأطروحات الواردة من مصر والجزائر إقليميا وفرنسا وايطاليا أوروبيا، إضافة لتحرك المسار الدولي ممثلا في الجانبين الروسي والأمريكي.
فاللافت في الوقت الراهن أن دخول الجانب الجزائري على الخط واتجاهه إلى الجانب الفرنسي للتنسيق والحوار للترتيب لمسار سياسي حقيقي يحتاج إلى قوى دافعة، ومواقف راسخة لا تتغير نتيجة لتطور الأحداث، وهو ما يجب تفهمه في أكثر من مسار.
فالجزائر تتحرك لاعتبارات أمن قومي بالأساس ومخاوف من مد تركي وتصاعد دور الإخوان في المنطقة المغاربية، وبالقرب منه ما يجري في تونس إضافة إلى ما يجري في غرب ليبيا لا يغيب عن الأذهان، وبالتالي فإن الأمر مرتبط بحسابات معقدة ومتصاعدة.
وفي ظل ارتباط تركي جزائري حول استثمارات ومشروعات كبيرة في الداخل الجزائري بصرف النظر عن التصريحات الجزائرية المسئولة تجاه الجانب التركي ومطامعه في النفط والغاز مثلما صرح وزير الخارجية الجزائري مؤخرا، ومتهما أطرافا بالاسم في مسرح العمليات بليبيا وعلى رأسها قطر، وبالتإلى فإن الطرح الجزائري الجديد منقوص، ويحمل تناقضات ويحتاج إلى دعم فرنسي حقيقي وتوافق مع ايطاليا أوروبيا ومصر عربيا، حيث ليس بكاف أن يكون الاتصال والتنسيق مع الأطراف المهمة مثل مصر مقتصرة على تبادل الرؤى والأفكار مع التأكيد على الدعم الجزائري للموقف المصري بالأساس بعد إطلاق القاهرة لمبادرتها، وتأكيد إعلان القاهرة على ثوابت لحل الأزمة الليبية، وفقا لما يتم سابقا والعودة لمفاوضات برلين كأساس للحل، ومنطلقا للتوصل إلى آلية سياسية واستراتيجية محددة.
إن جوهر التوصل لحل سياسي يحتاج إلى حشد المواقف والاتجاهات والمصالح لكل طرف وحضور حقيقي ومباشر لطرفي المعادلة الليبية مع دخول الأمم المتحدة.
يتزامن مع الطرح الجزائري، مع عدم وجود إرادة سياسية دولية للحل، بدليل تحفظ الولايات المتحدة على تعيين مبعوث جزائري خلفا لغسان سلامة، وهو ما يشير إلى أن الجانب الأمريكي لن يذهب إلى تفكيك عناصر الأزمة شأنه شأن الجانب الروسي، والذي ما زال ممسكا بفرص الحل من أعلى وعبر استراتيجية هادئة، وعدم التعجل في الحسم، بدليل عدم انخراطه رسميا في التوصل إلى نقطة بداية، وهو ما يمكن أن يفسر لماذا تستمر المواجهات عبر الأطراف الوكيلة والإقليمية وعدم وجود رغبة في الحسم.
ففرنسا لديها مشروعها في ليبيا كما أن إيطاليا عادت تنفتح على الجميع، ولم تعد زاوية الاختيار تضم طرفا على حساب أخر، وقد اتضح من التحركات الثنائية الإيطالية الجزائرية من جانب، والفرنسية الجزائرية من جانب آخر، الحرص على استمرار قنوات التواصل بصرف النظر عن ما يمكن أن يجري على أرضية سياسية، أو استراتيجية، وهو ما يجري في الوقت الراهن بحثا عن آليات للحل أو الحسم.
في الوقت ذاته تتواصل الحركة التركية العسكرية بالأساس والعمل على التصعيد، وإعادة ترتيب الحسابات الاستراتيجية بتكتيك شامل مستنسخة تماما سيناريو العمل في سوريا من خلال استراتيجية إنهاك كافة الأطراف في مواقف ومبادرات ومناقشات، مع العمل على الأرض ومن خلال مواجهات محتملة ترتب لها جيدا وتتخوف تبعاتها من الجانبين الفرنسي والمصري بل والإيطالي، وتراهن على استمرارية المشهد بصورة أو بآخري.
ولم يعد يقدم الجانب التركي رؤية أو تصور لحل سياسي قبل تحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، وهو ما قد يحسم بعض المواقف وفقا لرؤية تركية خاصة تضع على رأس أولوياتها المصالح العليا التركية على أية مصالح أخرى، وتستقوي في هذا بالعديد من الأطر والتوجهات الحاكمة سواء من داخل دائرة الدول المعنية مباشرة بالملف الليبي أو خارجه بل ومن داخل حلف الناتو، وهو ما يجب الانتباه لتبعاته من مصر والجزائر الأطراف العربية المعنية وروسيا وفرنسا وإيطاليا على المستوى الأوروبي، وهو ما يجب إدراك تقييماته السياسية الحقيقية .
على جانب آخر تبدو تحركات بعض الأطراف المعنية مثل مصر ذاهبة إلى ترتيب الحسابات الاستراتيجية والعسكرية خاصة وأن إجراء القاهرة لمناورة حسم 2020 يشير بقوة إلى أن مصر ترتب لكافة الخيارات بصرف النظر عن الإجراءات التركية الحالية في المتوسط وأمام السواحل الليبية والتي يجب الانتباه لتداعياتها الحقيقية، والتي ستمثل محورا لأي حركة مصرية على المستوي العسكري، وهو ما سبق وأن حذرت القاهرة من تجاوز الجانب التركي لسرت والجفرة، والذي قد يؤدي لمواجهة حقيقية يدرك تبعاتها الجانب التركي، ويرتب لكافة السيناريوهات .
تبقي إذن كافة الخيارات العسكرية واردة بقوة ما لم تصل الأطراف المعنية لنقطة توازن حقيقي يمكن أن ينطلق منها مسار سياسي جديد بصرف النظر عن أنه دوليا أو مصريا أو جزائريا خاصة وأن تعدد مسارا الحل السياسي وتبني أفكاره يحتاج إلى دعم أممي غائب وإرادة سياسية واستراتيجية غير متوافرة وغياب التنسيق بين كافة الأطراف الراهن، والتي تعمل في إطار انفرادي ، واتصالات ثنائية في الأغلب، وهو ما عبرت عنه التحركات الجزائرية والمصرية والفرنسية مؤخرا، وهو ما استثمر فيه الجانب التركي بصورة جيدة وعمل على المضي فيه من خلال العمل العسكري، والتجاوب الحذر مع أي طرح سياسي قائم على فكرة المصالح التركية أولا وأخيرا مع استمرار التنسيق مع روسيا .
إن جوهر التوصل لحل سياسي يحتاج إلى حشد المواقف والاتجاهات والمصالح لكل طرف وحضور حقيقي ومباشر لطرفي المعادلة الليبية مع دخول الأمم المتحدة على الخط لتسهيل العمل مجددا وفقا لطرح برلين، وإعادة بناء الاستحقاقات السياسية المعطلة، وفي حال التوصل لنقطة بداية يمكن الانطلاق بعدها لحوار أشمل، ولكن - وللأسف - فإن الطرف التركي سيكون أكبر معوق للتوصل لهذا الأمر في ظل مصالح حقيقية مستجدة ستدفع تركيا لإقرارها والعمل على أسسها انطلاقا من مخطط متكامل عسكريا في الأساس، ومن خلال فرض استراتيجية الأمر الواقع على الجميع .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة