استراتيجية "ذيل السمكة".. الإرهاب يمر بصدوع الأزواد وعسكر مالي
مشهد جديد يتشكل في مالي بعد سيطرة العسكر على السلطة في باماكو، وتطلعهم إلى مناجم الذهب في الشمال، لكن السبيل إليه يقتضي إعادة النظر في تحالفات سابقة.
وفي مايو/أيار عام 2021 أطاح العقيد أسيمي غويتا الذي قاد الانقلاب في مالي عام 2020 بالرئيس الانتقالي ورئيس الوزراء وعين نفسه نائبا للرئيس.
وتجد السلطات الجديدة صعوبة في إجراء إصلاحات بشكل سريع، حيث الجزء الأكبر من البلاد يعاني من الفقر وكذلك تعاني أجزاء كبيرة منها من عدم التطوير، ما جعلها تبحث عن استغلال مناجم الذهب في الشمال.
وعلى خلفية تحرك العسكر في باماكو أعلنت الحركات السياسية المسلحة في إقليم أزواد، الواقع شمال مالي، قبل أيام التعبئة العسكرية للدخول في صراع مسلح جديد ضد الحكومة.
وتنتشر عناصر تنظيمي داعش والقاعدة في المنطقة التي تسللت إليها منذ عام 2012 على خلفية القتال بين الأزواد والسلطات في مالي والتي انتهت باتفاق سلام وقع في الجزائر عام 2015.
استعادة السيطرة
وكان الجيش في مالي قد أعلن أنه بصدد "استعادة السيطرة على أراضيه"، وأنه في حرب ضد الجماعات الإرهابية في الشمال، الخطاب الذي أغضب خصومه الأزواد بعد ربطهم دون تفريق مع جماعتي القاعدة وداعش، رغم الاعتراف الذي تحظى به قضيتهم في الأوساط الدولية، وتهدد هذه المواجهات بين الجيش المالي والأزواد بعودة الصراع المسلح بين الجانبين الذي اندلع عام 2012، نتيجة مساعي حركات أزوادية للانفصال بالإقليم.
تحالف تكتيكي
البداية كانت قبل انتشار الحركات الجهادية بالمنطقة، ومطالبات الأزواد الانفصالية في شمال مالي، وعندما أتت التنظيمات الإرهابية للمنطقة كان هناك تنسيق بين الطرفين لمحاربة الجيش في مالي، إلا أن هذا التكتيك خالف الاستراتيجية الكلية للطرفين، ففي الوقت الذي تريد فيه الحركات الإرهابية بسط النفوذ على مالي والساحل الأفريقي عموما، اقتصر الأزواد على استقلالية منطقتهم فقط.
وتدخلت الجزائر لحل المشكلة بين الأزواد والجيش المالي وانتهت الوساطة باتفاقية الجزائر بين الطرفين في عام 2015، وبموجب هذا الاتفاق كانت هناك قوات فصل أممية بينهما، إلا أنه بعد انتهاء عمل هذه القوات، وانسحاب القوات الفرنسية، شعر الجيش المالي مؤخرا بالقوة بعد الدعم الروسي، وأراد أن يعيد السيطرة بمفرده على المناطق الشمالية الغنية بمناجم الذهب.
وسيطر الجيش على المعسكرات التي أخلتها القوات الدولية، ما أثار غضب قوات الأزواد التي ترى أن تلك المعسكرات تقع في منطقة نفوذها، بالتوازي مع عدم تطبيق بنود اتفاق الجزائر الذي ينص على دمج القوات ومن ثم الانتشار الكامل.
وقام الجيش المالي مؤخرا بالسيطرة على مناطق الذهب التي يستفيد منها الأزواد، الأمر الذي جعل الأخيرة تعلن أن اتفاق الجزائر لم يطبق وبالتالي لا معنى للتمسك بوقف إطلاق النار بين الجانبين.
وفي ظل الوضع المضطرب في شمال المالي تفرض أسئلة نفسها على المشهد المعقد، إذ يظهر في الخلفية وضع دولي أكثر تعقيدا؛ إذ تترجم القوى الدولية خلافاتها على الساحة في الساحل الأفريقي، فبينما تسعى فرنسا ومن خلفها أوروبا في الإبقاء على نفوذها المتآكل، تحاول روسيا تعزيز حضورها.
ويعتقد مراقبون أن الدعم الغربي للأزواد من أجل إضعاف حلفاء موسكو في مالي ربما يصب في نهاية الأمر في مصلحة الجماعات الإرهابية التي سبق لها أن وضعت قدما في المنطقة أثناء صراع مماثل.
ذيل السمكة
ونجحت الجماعات الإرهابية في التمدد من الشمال الأفريقي إلى حوض بحيرة تشاد ومنطقة الساحل والصحراء في غرب أفريقيا مستفيدة من الرخاوة الأمنية في المنطقة.
وعبر حركات شبه دائرية والتوائية تحاكي حركة ذيل السمكة أوجد تنظيما القاعدة وداعش مناطق انتشار وتمدد في غرب أفريقيا بتحالفات مع قوى إقليمية ومن بينها الأزواد، وتستغل هذه التنظيمات بشكل كبير حالة الفراغ السياسي والأمني في المنطقة لمزيد من الانتشار.
تطور طبيعي
محمد أغ إسماعيل الأستاذ في العلوم السياسية بجامعة باماكو في مالي يرى من جانبه أن عودة المواجهات من جديد بين الجيش والأزواد هي تطور طبيعي لرفض الحكومة في مالي تطبيق بنود اتفاق الجزائر السياسية والأمنية.
وقال إسماعيل لـ"العين الإخبارية" إن تحالف حكومة باماكو مع روسيا، وخروج البعثة الأممية التي كانت تفصل بين الطرفين، ووجود بعض المناطق تحت سيطرة الحركات الأزوادية يجعل اتفاق الجزائر على المحك، مضيفا أن الحكومة ترى نفسها الآن في موقف قوة، وأنه بإمكانها إعادة المناطق التي يسيطر عليها الأزواد.
وأوضح أن هناك بنودا في اتفاق الجزائر لا تريد الحكومة تنفيذها، ومنها دمج القوات أولا قبل إعادة نشرها في المناطق الشمالية، وتابع أن الحركات الأزوادية رفضت ذلك وتنصلت من الاتفاق كلية، وأنها علقت مشاركتها في جميع بنود الاتفاق منذ مارس/آذار الماضي، متوقعا أنه في ظل هذا الوضع ستتطور الأمور أكثر من ذلك.
وأشار إسماعيل إلى أنه وفق قرار مجلس الأمن وخروج القوات الأممية منذ شهر يونيو/حزيران الماضي وعدم تدخلها في أي اشتباك سيزداد الوضع سوءا.
وقال الباحث في العلوم السياسية إن الجيش بدأ يستعد للسيطرة على المناطق الشمالية، وأن الحركات الأزوادية بدأت بالإعداد لهجوم استباقي، وتستغل الحركات حالة الفراغ الأمني الموجودة وهذا ما يذكرنا بسيناريو 2012 من الصراع بين الجانبين.
تحالفات ظرفية
ولفت إسماعيل إلى أن الصراع الحالي في مالي هو ترجمة للصراع الغربي الشرقي في الحرب الروسية الأوكرانية إلى صراع آخر في منطقة الساحل الأفريقي.
وقال إن كل طرف في مالي يحاول أن يستفيد من هذا الاصطفاف الدولي، ولم يستبعد أن يمتد هذا الاصطفاف إلى تحالفات بين التنظيمات الإرهابية والحركات الأزوادية ضد الجيش المالي من جديد.
كما أوضح أن التنظيمات الإرهابية مستفيدة من هذا الصراع الذي يستنسخ سيناريو 2012، مع اختلاف خطير هو الانخراط الدولي الأعمق في الصراع بكل ما يحمله من تناقضات.
وأعرب المحلل السياسي عن اعتقاده بأن الجزائر لم يعد بمقدورها تقديم شيء بعد محاولات كثيرة بذلتها لتطبيق الاتفاق على أرض الواقع، لكن محاولاتها باءت بالفشل، ولم يستبعد أيضا إعادة الصراع لانشغال الجيش في حربه الداخلية عن أي التزام في النيجر لمواجهة أي تدخل عسكري بعد الانقلاب هناك.
المستفيد الأكبر
من جهته أكد منير أديب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي أن التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي هي المستفيد الأكبر من الفوضى التي تحدث في هذه المنطقة.
وقال أديب لـ"العين الإخبارية" إن الانقلابات العسكرية التي حدثت مؤخرا في غرب ووسط أفريقيا في النيجر والغابون ألقت بظلالها على عدم الاستقرار في المنطقة ككل، مضيفا أن ذلك أعطى فرصة كبيرة لهذه التنظيمات الإرهابية لمزيد من النجاحات في استراتيجيتها في التمدد في أفريقيا، لافتا إلى أن تنسيق الجهود بين حكومات مالي والنيجر وبوركينا فاسو لمواجهة الإرهاب أقل بكثير من التحديات الموجودة، في ضوء ضعف هذه الحكومات والتي زادتها الانقلابات ضعفا، فضلا عن غياب الاتحاد الأفريقي عن هذه المواجهة، مضيفا أن الصراع الدولي الموجود على هذه المنطقة الآن بدلا من المساعدة في محاربة الإرهاب، تحول إلى الاصطفاف مع المكونات الداخلية لمزيد من السيطرة.
اتفاقية الجزائر
يذكر أن اتفاق السلم والمصالحة هي اتفاقية وقعت بين مالي والجماعات السياسية والعسكرية، توسطت وأشرفت عليها الحكومة الجزائرية ووقعت بمدينة الجزائر العاصمة في الأول من مارس/آذار 2015، وتمثلت الأطراف الموقعة عليها كل من حكومة مالي المركزية والحركة العربية للأزواد، التنسيقية من أجل شعب الأزواد،وتنسيقية الحركات والجبهات القومية للمقاومة، والحركة الوطنية لتحرير الأزواد، والمجلس الأعلى لتوحيد الأزواد، والحركة العربية للأزواد (منشقة)، وحضر مراسم التوقيع ممثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
وتضمنت بنود الاتفاقية، احترام الوحدة الوطنية، إلغاء العنف، احترام حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون، تمثيل لجميع مكونات الشعب المالي في المؤسسات، وإعادة تنظيم القوات المسلحة والأمن، والتزام الأطراف بمكافحة الإرهاب، وتسهيل عودة وإدماج اللاجئين.
aXA6IDE4LjIyNS45Mi42MCA= جزيرة ام اند امز