دقيقة استقطعت من وقت المنظمة الأممية الثمين، أبى فيها الخراب القطري إلا أن يحضر، فمن هوايات قطر المفضلة الصيد في الماء العكر.
سلوك قطر الذي يثير الاشمئزاز يستدعي الشفقة في الوقت نفسه، فخارج نهج الحكمة والعقل، تمضي الدوحة في طيشها المطرز بقلّة الحيلة، نحو افتعال مواقف تحجمها أكثر، وتقزمها أبعد، فليست إلا الفكرة الإخوانية البائسة التي أثبتت فشلها الذريع، وليست إلا لحظة المواجهة، مواجهة الحقيقة وكأنها المرآة الصقيلة العاكسة، هذا إذا أراد نظام قطر أن يتعرف حقا إلى وجهه القبيح، أو الذي أصبح قبيحاً بسبب ممارسات لا تمت إلى الأخلاق، فضلاً عن الأعراف الدبلوماسية والتقاليد السياسية، بأية صلة..
فما سر الدقيقة التي أحرجت قطر أمام العالم في جنيف؟
عندما انتهى الدكتور أنور بن محمد قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، من الاستعراض الدوري الشامل لتقرير دولة الإمارات الثالث لحقوق الإنسان أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، وهو تقرير شامل وافٍ متقدم نال إعجاب الجميع، فتح باب المداخلات التي أبداها مندوبو وسفراء العالم، وكانت، في مجملها ومفصلها، إيجابية موضوعية، متضمنة، كعادة الدول المحترمة، مقترحات وتوصيات في صلب موضوع التقرير ليست إيجابية بالضرورة، لكن مقبولة لجهة صدقيتها وحرصها إزاء دولة هي عضو فاعل في المجتمع الدولي، وتشكل سياستها الخارجية مكوناً رئيساً في الاتجاه العالمي العام، نظراً لوقوفها الدائم مع حق الشعوب في الحياة الكريمة، ومع القضايا العادلة في عالم يزخر بالعداوات الرخيصة والموت المجاني من كل جانب.
وفي حين كانت تلك السمة الغالبة على الجلسة التي استعرضت فيها دولة الإمارات تقريرها، كان الاستثناء أو النشاز من قطر المرتبكة المربكة، فقد تحدث باسمها دبلوماسي من درجة متدنية، وكأن السفير خجل من مواجهة زملائه بالافتراءات المرسومة التي يراد طرحها، أو أن الأسباب شاءت أن يمثل الوجه القذر للنظام القطري دبلوماسي صغير في صغر وضآلة قطر ونظامها البائس اليائس، وهكذا كان: الدبلوماسي القطري الصغير وليس أمامه إلا دقيقة، 60 ثانية بالضبط، حتى يعلق على تقرير دولة الإمارات الوافي الشامل، الذي أوضحت من خلاله سجلاً بارزاً من الإنجازات والمبادرات عبر الأربع سنوات ونصف السنة الماضية.
إلى متى تسعى قطر إلى إحراج نفسها في المحافل الدولية؟ وإلى متى تستهلك رصيدها المعنوي والمادي في مثل هذه المهاترات؟
بدا الدبلوماسي القطري الصغير مرتبكاً، فالارتباك مرض ينتشر في الأوساط القطرية بالعدوى، وفي الدقيقة التي أحرجت قطر أمام العالم في جنيف، تكلم متلعثماً عما سماه «إطلاق المعتقلين في الإمارات»، و«وقف التعذيب»، و«فك الحصار عن قطر»، وكل ذلك وسط استغراب واستهجان الحضور.
عندما انتهت الدقيقة التي أحرجت قطر في جنيف، تنفس الدبلوماسي القطري الصغير المسكين الصعداء، فقد أنهى، بعد مشقة، وبصعوبة بالغة، مهمته القذرة، وآن له بعد لهاث الـ 60 ثانية، وما سبقها من تحضير وتدبير، أن يلتقط أنفاسه.
دقيقة استقطعت من وقت المنظمة الأممية الثمين، أبى فيها الخراب القطري إلا أن يحضر، فمن هوايات قطر المفضلة الصيد في الماء العكر، وتعكير صفاء الأشياء، ومحاولة تقمص المواقف الفجّة والبطولات الفارغة، واستعراض مهارات الغدر والطعن في الظهر، وفيما أجابت الإمارات، من خلال تقريرها المقنع، لجهة المعلومات والأدلة، على 107 توصيات كانت طرحت في الدورة الماضية، توجت سجلها في ملف حقوق الإنسان بالعزم على إطلاق «الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان» حسب مبادئ باريس في خلال العام الجاري 2018، مما يعزز آليات وأدوات حقوق الإنسان في الدولة.
ذلك سر الدقيقة التي أحرجت قطر أمام العالم في جنيف، في حين حظي تقرير دولة الإمارات بنقاش ثري يستحقه، وكانت هنالك 97 مداخلة من الوفود الحاضرة توصي، أو تشيد بالتقرير، أو تضيف إليه، وشهدت الجلسة التفاعلية مناخاً إيجابياً بناءً حول سجل الإمارات وفق الآلية المعمول بها في مثل هذه الأجواء، اللهم إلا خروج قطر المرتبكة المربكة، كعادتها عن العرف من جهة، والمناقشة المطروحة من جهة ثانية، لتغرد أو تنوح في اللفظ الأصح بعيداً عن السرب، ولتعرض «مظلوميتها» على لسان الدبلوماسي الصغير المتلعثم في غير الزمان والمكان المناسبين، ما كان مدعاة للسخرية من الوفود وسكرتارية المجلس، حيث جاء حديث الدبلوماسي القطري الصغير، في خلال الدقيقة المخصصة، وإن بدا مستهجناً، منسجماً مع السياسة القطرية التي لم يعد لها شغل إلا اللطم واللوم والتوبيخ وإبداء العبارات المعبرة عن الحزن والحيرة والحسرة.
السؤال: إلى متى تسعى قطر إلى إحراج نفسها في المحافل الدولية؟ وإلى متى تستهلك رصيدها المعنوي والمادي في مثل هذه المهاترات؟
ما علينا.. المهم أن عرض تقرير دولة الإمارات الثالث لحقوق الإنسان جاء ناضجاً بكل المقاييس، وكان واضحاً ومقنعاً التطور الكبير في عرض سجل الدولة للأربع سنوات والنصف سنة الماضية، ما جعل معظم التوصيات الجديدة يدور حول مسائل جدلية مثل «إلغاء أو تجميد عقوبة الإعدام»، ومسائل طبيعية اعتيادية مثل «الانضمام إلى بعض الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان».
إنه زمن الإمارات المتسع، الرحب، الشامخ، الزاخر بالمنجز المعجز، والذي يواجه، بقوته وقدرته وحسمه، أزمنة الخائفين المتربصين، وفي صميمها زمن قطر الصغيرة الغارقة في الصغائر.
وبين زمن الإمارات وأزمنة خصوم تقدمها وأدوارها الوطنية والعربية والإنسانية، ولبيان حجم المفارقة، ربما يحلو طرح هذا السؤال: ما الذي لم يقله الدبلوماسي القطري الصغير في الدقيقة التي أحرجت قطر أمام العالم في جنيف؟
لم يقل الدبلوماسي القطري أن ملف قطر في حقوق الإنسان يتدهور عاماً بعد عام، ضداً على تطور ملفات دول المنطقة، وصداً على الخطاب القطري المعلن نفسه.
ولم تقل قطر في الدقيقة الأممية التي فضحتها وأحرجتها إن ملف العمالة في قطر في أسوأ حال، سواء من حيث التشريع أو التنفيذ، بما في ذلك، بل خصوصاً، ملف عمالة كأس عالم الغفلة المحتمل في 2022.
لم تقل قطر في الدقيقة التي أحرجتها إنه لا انتخابات في الدولة المرتبكة المربكة لمجلس الشورى بالمخالفة الصريحة لقانون إنشائه، وأنه لا جمعيات نفع عام بالرغم من المطالبات المتواصلة ومواعيد عرقوب، فيما تمكين المرأة وعد يقال ولا يتحقق، ونظرة سريعة إلى المراكز القيادية في المجتمع والحكومة تكفي وتغني عن مزيد الشرح.
ولم تقل قطر في الدقيقة التي أحرجت قطر أمام العالم في جنيف، إن الاعتقالات من دون محاكمة، مقرونة بالتعذيب وانتهاك الكرامات، ومسبوقة بحوادث الإخفاء القسري الذي هو الخطف بعينه، ظاهرة قطرية أصيلة.
ولم تقل قطر في دقيقة فضحها وإحراجها، إنه لا حريات في قطر، وإن نظام الدوحة يفهم حرية التعبير على طريقته الخاصة: التعبير الحر عن منهج الإخوان و»داعش» والقاعدة وتيارات الظلام والتكفير، والمبالغة في إثارة الفتن ونشر خطاب التطرف والتطيف والعنصرية والكراهية والبغضاء.
نقلاً عن "الخليج" الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة