أنهى الأمير محمد بن سلمان جولته السياسية الناجحة ليعلن (ضمنياً) أن السياسة السعودية الإقليمية قبل الجولة ستختلف عما كانت عليه قبلها
أنهى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود جولته السياسية الناجحة ليعلن (ضمنياً) أن السياسة السعودية الإقليمية قبل الجولة ستختلف حتماً عما كانت عليه قبلها، بل إن طريقة التعامل مع مسببي القلق في المنطقة ستختلف إلى حد كبير عما هي قبل تلك الجولة التي شملت أبرز عواصم صناعة القرار العربي والعالمي، كما أن القمة العربية التي ستعقد بداية الأسبوع القادم ستحظى باهتمام بالغ الدقة من تركيا وإيران لأنه ومنذ أكثر من 5 سنوات لم تكن تدرك هاتان الدولتان معنى الصبر الخليجي والعربي لتدخلاتهما في شؤون المنطقة وفهم لأصول وقواعد التعامل مع الدول التي تتشارك معها في التاريخ والجغرافيا.
إن الصمت السياسي الإيراني دليل كاف على حجم الصدمة ليس في الصعود السعودي، ولكن في قدرة قيادة المملكة على تحويل الاختلافات السياسية لدول العالم حول مصداقية النظام الإيراني إلى اتفاق الجميع على أنه نظام يحتاج إلى تقويم وردع
الجولة من الناحية الواقعية كانت تاريخية بالمعنى الحقيقي لها، فهي أضعفت موقف النظام الإيراني في دوائر صنع القرار في الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا التي تستعد لأن تخرج من الاتحاد الأوروبي، وستكون لها سياستها الخارجية المستقلة، وفرنسا التي يتوقع أن "ترث" بريطانيا في قيادة الاتحاد الأوروبي، وبالتالي وجب التنسيق معهما وبناء علاقات استراتيجية مستمرة، كما أن موقف النظام الإيراني يعاني ضعفاً بالأصل لدى الإدارة الأمريكية الجديدة التي تعمل بجد من أجل توحيد موقفها تجاه هذا النظام، من خلال تقليل من مؤيدي استراتيجية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كما أن هذه الرحلة كشفت للعالم الغربي وجود شخصية عربية في المنطقة تجيد التعامل مع الغطرسة الإيرانية، ويمكن الاعتماد عليها في أن تضع ملالي إيران في الخانة الحقيقية لها بدون تضخيم من خطرهم أو التقليل منه.
الشيء الرائع لهذه الجولة أنه تولّد منها مزاج سياسي عربي يشعر بالارتياح والرضا، لأن نتائجها أعطت رسالة للقوى الإقليمية المجاورة للدول العربية بأن التأثير السعودي كبير في الاقتراب من التعاون مع الغرب لمعالجة أزمات المنطقة؛ للتخلص من "خداع" النظام الإيراني، الذي يعمل على استغلال أي فرصة تعاونية مع الغرب لزعزعة استقرار المنطقة، التعامل المزدوج بين الغرب، حيث يتعامل وفق منطق دولة وحكومة والدول العربية وفق منهج الثورة، وهذا الاقتراب ناتج بحكم تاريخ العلاقات السياسية الخليجية -الغربية وبحكم الانعكاسات التي ترسخت في الذاكرة السياسية الغربية عن النظام الإيراني، منذ سقوط نظام الشاه والقائم على إثارة القلاقل أو في دعم كل ما يؤدي إلى فوضى أمنية.
سيتذكر الجميع هذه الرحلة السياسية كلٌّ وفق الزاوية الخاصة به، ففي حين أن هذه الرحلة العرب والسعوديين بذلك اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز والرئيس أيزنهاور، فإن النظام الإيراني سيتذكر هذه الجولة بشيء من الاحتقان الدبلوماسي بسبب ما أصابه وأصاب أذرعه السياسية في المنطقة من خسائر ويأس سياسي ترجم من خلال إرسال الصواريخ الباليستية (البائسة) إلى الرياض، بينما في الحقيقة ينظر الطرف الآخر إلى تلك الصواريخ بمثابة حوافز سياسية للعرب؛ لأنْ يعلنوا موقفهم الصريح خلال قمتهم القادمة من أجل تعطيل كل المشاريع السياسية الإيرانية في المنطقة.
صنّاع القرار السياسي في العالم، وفي الإقليم، فوجئوا بالتحول السعودي خاصة والتحول الخليجي بشكل عام، تجاه الاهتمام باستراتيجية الاعتماد على الذات في الدفاع عن أمن دولهم، وبأهمية التحرك السياسي لهم بعيداً عن القوى الدولية، وهذه المفاجأة أصبحت أكثر وضوحاً بعد الجولة من خلال إقناع الرأي العام الغربي بالجدية من خلال توضيح الموقف السياسي، ومن خلال تفسير القرارات الداخلية والخارجية لحماية الأمن الخليجي والعربي، وأن السعودية ومعها دول عربية أخرى على رأسها دولة الإمارات بلورت رؤية أمنية للحفاظ على الأمن القومي العربي.
إن الصمت السياسي الإيراني دليل كاف على حجم الصدمة ليس في الصعود السعودي، ولكن في قدرة قيادة المملكة على تحويل الاختلافات السياسية لدول العالم حول مصداقية النظام الإيراني إلى اتفاق الجميع على أنه نظام يحتاج إلى تقويم وردع.
الدور السعودي الجديد في الإقليم -رغم حداثته-بات مؤثراً وحاسما لملفات المنطقة، وهذا الدور هو صدى لرغبة القيادة الجديدة في سد الثغرات العربية ليس من أجل حماية الأمن القومي العربي فقط، ولكن حتى لا يكون تقرير مصير الشعوب العربية في أيادي الآخرين كما حدث، مؤخراً، في تركيا من خلال القمة الثلاثية التي جمعت روسيا وإيران وتركيا للبحث عن حل للأزمة السورية، وكأن الأمر لا يعني الدول العربية.
ما يحل في المنطقة العربية من فوضى سياسية وأمنية يرجع إلى غياب الدور العربي منذ 2013 الذي رغم ضعفه وموته سياسياً إلا أنه بقي في أسوأ الحالات ضامناً لاستقرار الدول العربية، ولكن اليوم فإن الدول العربية بحاجة إلى استراتيجية جديدة في تعاملها مع الخرائط السياسية لمنطقتنا تبدأ هذه الاستراتيجية بوضع حد من التدخلات الإيرانية في الشأن العربي!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة