لا يوجد هناك إجماع على مفهوم الأقلية المسلمة والدولة الإسلامية، فبعض المنظّرين يرى أنه إذا كانت النسبة أكثر من 50٪ فإنها تصبح إسلامية.
لا يوجد هناك إجماع على مفهوم الأقلية المسلمة والدولة الإسلامية، فبعض المنظّرين يرى أنه إذا كانت نسبة الدولة أكثر من 50٪ فإنها تصبح لا محالة دولة إسلامية، ويرى آخرون أنه إذا كان المسلمون أغلبية مقارنة بكل الديانات الأخرى، فآنذاك يحق وصف الدولة بالإسلامية، ثم هناك صفوة من الفقهاء القانونيين، وبالأخص في مجال القانون الدستوري، يرون أن تحديد هذين المفهومين مرتبط بالقانون الأسمى للبلد، أي الدستور.
والحقيقة أن الأقليات المسلمة تعيش في كثير من الأحيان مرارة الحياة الصعبة، يحس بهذا الشعور كل من عاناه أكثر من الذي ينظر أو يقرأ له، فكل غريب للغريب نسيب، وقد عبر عن هذه الحقيقة منذ قرون امرؤ القيس لما زار قيصر وشعر بغربة لا متناهية، فأنشد:
أجارتنا إن المزار قريب
وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان ههنا
وكل غريب للغريب نسيب
ولا يخفى على كل متتبع حصيف أن هناك صعوبات جمة تحول دون معرفة عدد الأقليات الإسلامية في العديد من مناطق العالم، إما بسبب الفقر الذي تعيشه دولهم أو بسبب الأزمات السياسية المتتالية التي تمنع السلطات من الخوض في مثل هذه الإحصائيات احتياطاً من إثارة المشاكل الطائفية والعرقية.
لا ينبغي أن ننسى أن هناك ظاهرتين اثنتين تغطيان معظم الأحداث الحالية في أوروبا عموماً، هما موضوع الهجرة الذي أصبح لصيقاً بالإرهاب كما تصوره كل وسائل الإعلام، ووصول اليمين أو اليمين المتشدد إلى بعض كراسي الحكم
أما بالنسبة للهموم التي تعيشها الأقليات المسلمة، فإذا استثنينا الأقليات التي تعيش في الدول المتقدمة والتي تعرف هموماً مختلفة على رأسها الإسلاموفوبيا، فإن غالبية الأقليات تعرف نفس التحديات متمثلة في الفقر والاضطهاد والحروب والصراعات والاضطهاد العرقي. ولننظر إلى خريطة الصراعات السياسية والعسكرية منذ ثمانينيات القرن الماضي، فسنجد أن أهم مناطق الصراع هي التي فيها أقليات مسلمة، كما هو شأن جامو وكشمير وتركستان الشرقية والفلبين وبورما والبلقان، وغيرها.
ولا ينبغي أن ننسى أن هذه الأقليات تعيش تهميشاً سياسياً، إذ يتدخل الخاص والعام لعدم وصولها إلى المجال السياسي العام، وعدم الفوز في الانتخابات المحلية والتشريعية والجهوية، حتى لا تكون هناك أية مطالب لصالحها، وهو ما يحكم عليها بالانزواء، ناهيك عن نسبة الأمية المتفشية في صفوفها والأمراض والأوبئة التي تقضي على العديد من أبنائها، ويظهر ذلك واضحاً في أفريقيا، خاصة في جمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية، ووسط الأقليات الإسلامية الكبيرة العدد في الهند والفلبين.
أما في الدول المتقدمة فإن المهاجرين المسلمين يعيشون مشاكل متعلقة بالإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب عموماً، ويكفي لمن أراد التوسع في الموضوع أن يرجع إلى كتابات الفيلسوف والمفكر الألماني يورغن هابرماس، إذ دائماً ما يشير إلى أن العامل الانتخابي وضرورة حشد عدد أكبر من أصوات الناخبين هو السبب الذي يجعل بعض المجتمعات الأوروبية، بما فيها المجتمع الألماني، مريضة بالصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وهو ما يغذي في عقول الألمان مقولة «وجود الهوية والثقافة الوطنية في خطر» أو ما يشار إليه بالهوية المرجعية، وهذه الهوية يشعل فتيلها سياسيو الأحزاب كلما دعت الضرورة إلى ذلك، كما وقع في التسعينيات حين زحف آلاف المهاجرين من يوغوسلافيا السابقة وطلبوا اللجوء السياسي في ألمانيا، مما أثار زوبعة من الاحتجاجات السياسية.
ولا ينبغي أن ننسى أن هناك ظاهرتين اثنتين تغطيان معظم الأحداث الحالية في أوروبا عموماً، هما موضوع الهجرة الذي أصبح لصيقاً بالإرهاب كما تصوره كل وسائل الإعلام، ووصول اليمين أو اليمين المتشدد إلى بعض كراسي الحكم.
نحتاج إلى آلاف الصفحات للكتابة عن واقع ومستقبل الأقليات المسلمة في العالم، لكن واقعها في ظروف العولمة، وإشكاليات التعدد الثقافي، وعولمة حقوق الإنسان، وضرورة بناء الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك.. تستدعي من الدول والمنظمات ذات الحس الحضاري الكبير القيام بدورها التاريخي للعناية بمستقبل هذه الأقليات ورسم سياسات عمومية والتفكير في اتفاقيات دولية ملزمة تجمع ولا تفرق، توحد ولا تشتت، تبقي للإنسان كيفما كان كرامته وتجعله عضواً إيجابياً في النظام العالمي الجديد.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة