دير "القديس هيلاريون".. شاهد حي على هوية فلسطين التاريخية
دير "القديس هيلاريون" الموجود في فلسطين، يمثل قيمة استثنائية ملموسة في جوانب تاريخية وثقافية ومعمارية ودينية.
يمثل دير "القديس هيلاريون" الموجود في فلسطين، وتحديداً في وسط قطاع غزة، قيمة استثنائية لما يحمله من جوانب تاريخية وثقافية ومعمارية ودينية، حيث يعد هذا الدير شاهداً على هوية فلسطين التاريخية.
ويتشكل دير "القديس هيلاريون" من تحفة معمارية، حيث توجد في جهته الشرقية الغربية، الكنيسة، التي يقع مدخلها الرئيسي غرباً، ويمكن الوصول إليها من خلال طريق مرصوف بحجارة من الرخام.
ويعرف أسفل أرضية الكنيسة بـ"الديباس الكنسي"، وهو المنطقة المظلمة التي تقع أسفل منطقة قدس الاقداس في الكنيسة، وهي التي نقل إليها تابوت جثته.
وتشير التنقيبات الأثرية إلى أن الدير يحتوي على (180) غرفة معمارية، كما يوجد به مجموعات معمارية أخرى، ومنها "الحمام" والذي يوجد به قاعة ومطبخ لإعداد الطعام، وأماكن لتخزين النبيذ وعصر الزيتون، إلى جانب شبكة واسعة من قنوات المياه المصنوعة من الفخار والرصاص داخل الدير، وأخرى من قنوات الصرف الصحي الموجودة على مستويات راقية تؤدي إلى خارج الدير، إضافة لوجود بقايا قطع رخامية تدل عليها.
ويقول عزيز المصري، الباحث الفلسطيني في التاريخ والآثار، في حديثه لبوابة "العين" الإخبارية، أن الدير يعد من أكبر المواقع الأثرية في فلسطين من حيث المساحة والتصميم إضافة إلى احتواء الدير على بقايا رفات "القديس هيلاريون" التي لا تزال موجودة حتى اليوم داخل تابوت من الرخام.
وحظي الدير بأهمية عالمية حيث تم تسجيله على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي، حيث يختصر هذا الدير قصة راهب فلسطيني من غزة، عمل على نشر المسيحية في القرن الرابع الميلادي، قبل أن يتم إبعاده بالإكراه إلى اليونان، بسبب الرومان، غير أن أحد تلاميذه أعاد جثمانه، وأقام مع زملائه كنيسة في نفس المكان الذي بدأ فيه معلمهم "هيلاريون" دعوته.
ويشير المصري، الذي يشغل أيضًا رئيس قسم الدراسات التاريخية في مؤسسة بيت القدس للدراسات والبحوث الفلسطينية، إلى أن الكنيسة احتوت على العديد من العناصر المعمارية، ما بين الكنيسة والديماس وغرف الرهبان وصالة التعميد ومعصرة الزيتون والعنب ومطحنة للقمح، بالإضافة إلى الفندق الذي كان يخصص للزوار المسيحيين من كل مناحي العالم، والذين كانوا يقصدون المكان للتبرك به.
ويعود دير "القديس هيلاريون" إلى الفترة البيزنطية، كما عرف شعبيا باسم "تل أم عامر"، بسبب امرأة كان تكنى بذلك، وتجلس على التل منذ الصباح حتى المساء كي ترعى أغنامها.
وبحسب المصري، فإن الدير يعتبر من أقدم الأديرة في فلسطين، وترجع تسميته للراهب "هيلاريون" الذي عاش في القرن الرابع للميلاد، عندما كانت المسيحية هي العقيدة المهيمنة في هذه المناطق آنذاك.
ويعتبر "القديس هيلاريون"، وهو راهب فلسطيني من غزة، أحد مؤسسي الحياة الرهبانية في فلسطين، وتحديدا خلال فترة احتلال الرومان الذين عادوا الديانة المسيحية آنذاك، وأن دير القديس هيلاريون يعتبر من أهم وأقدم الأديرة التي أقيمت في فلسطين، حيث شيد "هيلاريون" الدير وتظهر رسوماته المنحوتة على الجدران سماحته التي اتصف بها طوال حياته.
ويضيف الباحث في التاريخ والآثار، إلى أن هذا الدير أنشئ في البداية كصومعة أقامها "هيلاريون" نفسه، وكانت تشبه القبر، وأصبح يزوره العديد من السياح لغرض الشفاء وتلبية حاجاتهم، قبل أن يترك "هيلاريون" غزة قاصدا مصر من أجل تعلم البلاغة، وخلال مروره بصحراء سيناء، وجد أحد الرهبان المسيحيين وهو "القديس أنتوني"، ومكث عنده ليتعلم منه الرهبنة، قبل أن يعود لغزة، ويجد والديه قد توفيا، ليعتزل بعدها الحياة، ويعيش في الصحراء.
وقامت الجيوش الرومانية بقيادة جوليان، بتدمير دير "هيلاريون" الذي أُبعد لليونان، وتوفي هناك، وقد قام أحد تلاميذه بنقل جثمانه إلى غزة، ودفنه في المكان نفسه الذي أقام فيه صومعته الأولى بـ"خربة أم عامر" في مخيم النصيرات.
كما يحتوي الدير على مكان حوض التعميد الأساسي الموسوم على شكل الصليب اليوناني، علما بأن هذا الأمر لا يوجد إلا بالأماكن الدينية ذات الصبغة التي تولت مرتبة الكاتدرائية في الديانة المسيحية وهي رتبة عليا من الرتب الكنسية.
وتقوم جهات محلية وحكومية في غزة بمحاولة الحفاظ قدر الامكان على موقع الدير، وذلك من خلال القيام بأعمال تطوعية لإزالة الأعشاب، وإزاحة الرمال، وتدعيم العوارض الخشبية المتهالكة التي يمكن أن تؤثر على طبيعة الحجر، كما أجريت سابقا عدة حفريات به، قبل أن تقوم بعثة فرنسية ترأسها الخبير الفرنسي رينيه اثلير بعدة عمليات تنقيب وترميم وصيانة في الدير، قبل أن تتوقف بسبب الأوضاع السياسية المضطربة في فلسطين.
ويختم رئيس قسم الدراسات التاريخية في مؤسسة بيت القدس للدراسات والبحوث الفلسطينية، حديثه بأن الدير بحاجة لإعادة عمليات التنقيب التي توقفت في العام 2000، لكن قطاع غزة، لا يملك الإمكانيات والخبرات اللازمة لذلك، موضحا أنه يوجد بداخل الدير حتى الآن رفات الكثير من الرهبان المسيحين التي لا تزال موجودة داخل الدير، وتحتاج لعمليات تنقيب من قبل خبراء كي يتم استخراجها بطريقة صحيحة.
aXA6IDE4LjIyMi40NC4xNTYg
جزيرة ام اند امز