أزمة تشكيل الحكومة المغربية دخلت شهرها السادس دون أن تسجل المشاورات بين الفرقاء السياسيين أي خطوة إيجابية
دخلت أزمة تشكيل الحكومة المغربية شهرها السادس دون أن تسجل المشاورات بين الفرقاء السياسيين أي خطوة إيجابية، بل إنها ظلت جامدة منذ أكثر من شهر، في ظل تباعد الرؤى بين الأطراف المعنية، وفتح الباب أمام "التصريحات" و"التصريحات المضادة"، مما يوحي أن لا انفراجة قريبة في هذا المسار العسير إلا بتدخل الملك محمد السادس، الذي ينتظر رئيس الحكومة المكلف، عبد الإله بنكيران عودته من جولته الإفريقية، ويتمنى "اللقاء معه دائما"، كما جاء في تصريح لبنكيران يوم الخميس.
وكانت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، المتصدر لنتائج انتخابات 7 أكتوبر، خرجت قبل أيام، ببلاغ يحمل في طياته 3 رسائل: الأولى أن بنكيران ليس مستعدا ليشكل الحكومة، والثانية بـ"اللي كاين"، أي دون اعتبار لمصداقية الحياة السياسية والحزبية، على حد تعبير نص البيان. والرسالة الثانية تقول إن بنكيران هو المخول أولاً وأخيراً لتشكيل الحكومة، وتحديد الأحزاب التي ستشارك فيها. والرسالة الثالثة يقول فيها بنكيران إن لا حكومة سوى مع أحزاب الأغلبية السابقة، أي حزب التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية.
وبعد هذه الرسائل، لم يتأخر رد عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وقال بعبارة صريحة: "التشكيلة الحكومية واضحة، وهي متكاملة ومتينة.. نعم لمقترح الأغلبية السابقة؛ لكننا لن نتخلى عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية".
وقد أكد الكاتب العام لحزب الاتحاد الاشتراكي، مؤخراً، في تصريحات إعلامية تشبثه بالمشاركة في الحكومة، معلناً أن "موقف حزبه ثابت لم يتغير، كونه يرغب في دعم التجربة الحكومية"، وأنه "لم يتلق جواباً رسمياً من رئيس الحكومة يفيد رفضه دخول فريقه الحكومي المرتقب، وما وصله مجرد تصريحات".
من جهته، اعتبر محند العنصر، أمين عام حزب الحركة الشعبية، أن بعض جوانب الشخصنة أدت إلى تعقد الأمور مما أدى إلى هذا الوضع، الذي وصفه بـ"المتسم بالتشنج وعدم الثقة بين الفرقاء، والذي سيصعب الأمر إذا ظل بنكيران متشبثاً بمواقفه". وأضاف العنصر أن المبادرة اليوم هي في يد رئيس الحكومة، لأنه "لا بد من إخراج الحكومة إلى الوجود، وفي حالة عدم وجود رغبة لديه في ذلك عليه أن يعلنها للجميع".
وفي انتظار أن ترى الحكومة المغربية النور، يبقى لهذه الأزمة، التي قاربت على نصف السنة، تداعيات سياسية واقتصادية كبيرة.
في السياق نفسه يرى عبد الرحمن علال، الباحث في العلوم السياسية، أن تأخر تشكيل الحكومة أدخل العديد من المؤسسات الدستورية في حالة من الجمود والشلل، على رأسها مؤسسة البرلمان بمجلسيه. موضحاً أن الحالة العادية تفرض وجود حكومة تباشر مهامها لكي يمارس البرلمان اختصاصاته المسندة إليه بأحكام الدستور، سواء تعلق الأمر بالرقابة أو التشريع أو تقييم السياسات العامة.
وأشار الباحث إلى أن البرلمان لا يؤدي أدواره بالشكل المطلوب، إذ إنه لا يساهم في التشريع ولا يراقب عمل الحكومة ولا يقيم السياسات العامة؛ لأن الحكومة لم تعين بعد، ولم تَعرض على البرلمان برنامجها ليصوت عليه.
ونبه علال، في تصريح خص به "العين"، إلى إن وجود المؤسسات الدستورية واشتغالها بشكل عاد هو من صميم دولة الحق والقانون، ومن صميم اشتغال الدولة بالمنطق القائم على رابطة المواطنة، فوجود تلك المؤسسات يقوي الرابطة المؤسساتية بين المواطن والدولة، وغيابها أو تعثر تشكليها يزرع جو اللاثقة، والاعتقاد أن وجودها من عدمه سيّان، والحال أنه اعتقاد ينعكس سلباً على الثقافة السياسية، حسب تعبير ذات المحلل.
وعلى المستوى الاقتصادي، اعتبر علال أن لتأخر تشكيل الحكومة ضريبة اقتصادية ومالية لها انعكاس مباشر على المناخ الاقتصادي العام، خصوصاً عدم عرض قانون المالية السنوي على مسطرة المصادقة خلال نهاية كل سنة، مما يفرض اللجوء إلى فتح الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية (فصل 75 من الدستور)، الشيء الذي يحرم الدولة من استخلاص ضرائب جديدة، ويؤخر فتح التباري على مناصب الشغل، ويقوي الشعور بالأزمة الاقتصادية.
وختم علال بأن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وفرز حكومة منتخبة ووجود استقرار حكومي كلها عوامل تقوي الاستثمارات، وتغري مستثمرين جدد بالقيام بمشاريع؛ لكن في ظل عدم استقرار حكومي فإنه ينعكس سلباً على رؤوس الأموال المستثمرة في المغرب، علماً أن المغرب استفاد منذ 2011 من جو الاستقرار السياسي الذي يعرفه في وضع إقليمي ودولي مضطرب، بحيث أن العديد من رؤوس الأموال استقرت في المغرب، وهو عامل معهم يجب الحفاظ عليه.
في سياق متصل، اعتبر عبد الخالق التهامي، الأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، أن الفراغ الحكومي والتشريعي وغياب أخذ القرار أثرا على سير عدة مقاولات وعدة قطاعات، خصوصا في الجهات وعلى الصعيد المحلي، مشيراً إلى تأثر، بشكل واضح، بعض المشاريع العمومية التي توجد في طور الإنجاز، والتي سحبت معها كل الممولين ومنتجي الخدمات لصالح الإدارات العمومية وكذلك الشركات المناوبة.
ومن تداعيات تأخر تشكيل الحكومة، أيضاً تأخر انطلاق مشاريع اخرى وتمدد مواعيد الأداء، خصوصاً كل ما يتعلق بقطاع البناء والأشغال العمومية وهو ما تظهره بعض مؤشرات مندوبية السامية للتخطيط، مع تأثر كل المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تنشط في قطاع الإعلاميات لاأ جزءاً كبيراً من اعمالها يتم مع الإدارات تحديداً، حسب ما أورده التهامي.
وأبرز ذات الخبير تأثير الأزمة على المستوى الإداري والوظيفة العمومية نظراً لغياب الرؤية الواضحة تم عملياً تجميد عملية التوظيف التي تكون عادة مبرمجة وقد تتأخر أكثر، مضيفاً أن التأثير السلبي يمكن أن يكون أيضاً ماكرو اقتصادي ويتعدى ما هو قطاعي.
ورداً على من يقللون من حجم تأثير الأزمة السياسية على الاقتصاد الوطني المغربي، خاصة بعد فتح حسابات قانون مالية 2017، اعتبر التهامي، أنه صحيح أن الإدارات والمؤسسات العمومية تسير بشكل شبه عادي، لكن الحال ليس كذلك لدى المقاولات الخاصة التي تشتغل أساسا تحت الطلب العمومي في عدة قطاعات بالرغم من فتح الباب أمام النفقات الاستثمارية التي لا تتم فعلياً وعملياً إلا في بعض الحالات الاستثنائية.
وتساءل التهامي "هناك من يقول إن المؤسسات الأخرى تشتغل وهناك ثقة المسثتمر الأجنبي في المغرب، لكن إلى متى سيظل صامدا في ظل ما وصلت إليه الأمور اليوم بعد 6 أشهر من الانتخابات؟"
وأشار إلى أن الأمر يمكن أن ينعكس سلباً على النموذح الاقتصادي المغربي الجاذب للاستثمار الأجنبي في ظل غياب محاورين حكوميين، وينعكس كذلك على المناخ العام المرتبط بالأعمال، "ما عدا بعض المشاريع الاستثمارية الضخمة التي يشرف عليها جلالة الملك شخصيا".
وخلص التهامي إلى أن وجود حكومة ومخاطب، ووجود قانون مالية مصادق عليه ومحدد، هو أمر أكثر من تقني، وله أكثر من تأثير خصوصاً إذا طال التأخر مثل ما حدث الآن.
aXA6IDE4LjE5MS4yMDAuMjIzIA==
جزيرة ام اند امز