المغرب يحتفظ بالصدارة: أكبر عدد من الطلاب الأجانب في فرنسا مغاربة

رغم التحولات في خريطة التعليم العالي الدولي، ما زال المغرب يتصدر قائمة الدول التي ترسل أكبر عدد من طلابها إلى فرنسا.
اختار أكثر من 43 ألف طالب مغربي الجامعات الفرنسية وجهة لأحلامهم الأكاديمية خلال العام الجامعي 2023-2024، في استمرار لعلاقة تعليمية متجذرة تعود لعقود.
وهذا الرقم اللافت لا يعكس فقط عمق الروابط التاريخية والدبلوماسية بين البلدين، بل يشير أيضًا إلى رهانات جديدة تتعلق بالمنافسة العالمية على الكفاءات، وسعي فرنسا لتجديد استراتيجيتها التعليمية في وجه تحديات العصر.
وذكرت صحيفة "لا نوفل تريبين" الفرنسية، أنه على مدى عدة عقود، شغلت فرنسا موقعًا مركزيًا في المسارات الأكاديمية لآلاف الشباب القادمين من القارة الإفريقية، موضحة أنه "منذ السنوات التي تلت الاستعمار، فتحت الجامعات الفرنسية أبوابها لأجيال من الطلاب الأفارقة، الساعين للحصول على تكوين عالي الجودة واعتراف دولي".
ووفقًا للصحيفة الفرنسية، فإنه بالنسبة لكثير من العائلات، كان إرسال أحد الأبناء لمتابعة دراسته في فرنسا يُعد مشروعًا للارتقاء الاجتماعي، وحلمًا بتحقيق صعود مهني.
وقد ترسخ هذا الرابط التعليمي مع مرور الوقت، مما أدى إلى نشوء مجتمعات طلابية ديناميكية، وشبكات خريجين مؤثرة، وجسور دائمة بين المؤسسات الفرنسية والإفريقية.
وقالت "لا نوفل تريبين": "قد لعبت منطقة المغرب العربي، على وجه الخصوص، دورًا محوريًا في هذه القصة. فبفضل القرب الجغرافي، واللغة المشتركة، والعلاقات الدبلوماسية المستمرة، ظلت فرنسا وجهة مفضلة لعدد كبير من الطلاب المغاربيين".
المغرب يهيمن على المشهد الجامعي الفرنكفوني
ومن بين دول المغرب العربي، يحتل المغرب مركز الصدارة فيما يتعلق بحضور طلابه في فرنسا. ففي العام الجامعي 2023-2024، يتابع 43,354 طالبًا مغربيًا دراستهم في مؤسسات التعليم العالي الفرنسية.
وبهذا، تحافظ المملكة الشريفة على موقعها كأول بلد مزوّد للطلاب الأجانب في فرنسا، ممثلًا نحو 10% من إجمالي الطلبة القادمين من الخارج.
ورغم أن هذا الرقم مثير للإعجاب، إلا أنه لم يشهد تغيرًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. وهي ظاهرة تعكس تحولًا تدريجيًا في الديناميات التعليمية: فبحسب العديد من المحللين، قام المغرب بتطوير بُنى تحتية حديثة، وبرامج تكوين ذات قيمة مضافة عالية، ما عزز من جاذبية التعليم العالي المحلي، ودفع مزيدًا من الطلاب إلى بناء مستقبلهم الأكاديمي داخل البلاد.
استراتيجية فرنسية للبحث عن التأثير
وبالنسبة لفرنسا، لا تزال استضافة الطلاب الأجانب تشكل رهانًا رئيسيًا، ففي عام 2023-2024، التحق قرابة 430 ألف شاب من خلفيات متعددة بمقاعد الجامعات والمدارس العليا الفرنسية.
ويأتي هذا النمو المتواصل في إطار طموح معلن بوضوح: بلوغ 500 ألف طالب أجنبي في فرنسا بحلول عام 2027.
وهو مسار يعكس رغبة باريس في تعزيز مكانتها في المنافسة العالمية على استقطاب المواهب، خاصة في ظل تنامي جاذبية دول أخرى مثل كندا وألمانيا وهولندا.
وتعتمد فرنسا في هذا التوجه على عدة عناصر: سمعة الشهادات الفرنسية، وظهور برامج تعليمية باللغة الإنجليزية، وآليات دعم حركية الطلاب، إلى جانب حياة جامعية يُنظر إليها على أنها نابضة بالحياة، وفقًا للصحيفة الفرنسية.
ورأت الصحيفة الفرنسية أن بقاء المغرب كأول بلد ممثل ضمن هذا المشهد يُظهر استمرارية العلاقة الأكاديمية بين البلدين، وأيضًا ثقة متبادلة في قيمة هذا التعاون.
نحو شكل جديد من الشراكة الجامعية
ومع تغير السياق الدولي، يأخذ الارتباط بين المغرب وفرنسا في مجال التعليم العالي بُعدًا جديدًا. فبالرغم من استمرار اختيار العديد من الطلاب المغاربة لفرنسا، إلا أن هناك اهتمامًا متزايدًا بوجهات أخرى، في أوروبا، وأمريكا الشمالية، أو حتى في جامعات مرموقة تم إنشاؤها على الأرض المغربية نفسها.
وهذا التنوع في المسارات يعكس عالمًا أكاديميًا يشهد تحولات كبيرة، حيث تعتمد قرارات التوجيه الدراسي على مجموعة متنوعة من المعايير: جودة التكوين، الاعتراف الدولي، سهولة الوصول، وآفاق التشغيل.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أنه وفقًا لهذه المعايير سيتعين على فرنسا مواصلة تكييف سياساتها التعليمية للحفاظ على الديناميكية الحالية، ولكن أيضًا لبناء تبادل أكثر إنصافًا.
فالمغرب، الذي لم يعد يقتصر على إرسال المواهب الشابة، يؤكد اليوم قدرته على التحاور على قدم المساواة مع القوى التعليمية الكبرى.
وحذرت الصحيفة الفرنسية من أنه قد انتهى زمن العلاقات الأحادية الاتجاه، موضحة أن الشراكة الثنائية القائمة على تبادل المعارف ومشاركة الخبرات تفرض نفسها كأفق العلاقة المستقبلية بين المغرب وفرنسا في المجال الجامعي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY4IA==
جزيرة ام اند امز