مفكر مغربي لـ"العين": "لعبة خطرة" منحت الفوز للعدالة والتنمية
المفكر المغربي سعيد ناشيد يشرح لـ"العين" "الأسباب الخفية" وراء فوز حزب "العدالة والتنمية" في المغرب بالانتخابات التشريعية
من موقعه كأحد أبرز الذين تناولوا بالتحليل والتفكيك بنية خطاب الأحزاب والجماعات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، يحاول المفكر والكاتب سعيد ناشيد قراءة نتائج الانتخابات التشريعية المغربية الأخيرة التي وضعت حزب "العدالة والتنمية" في المقدمة. ناشيد يعتقد أن سر فوز هذا الحزب في المغرب يكمن في اعتماده أساليب سياسية غير أخلاقية مع كل الجهات التي يتعامل معها، ويقول إن هذه اللعبة خطيرة بكل المقاييس على مستقبل المغرب.
ما هي قراءتك الأولوية للنتائج المعلن عنها في الانتخابات التشريعية المغربية؟
كانت النتيجة متوقعة، على الأقل من حيث المرتبة الأولى (العدالة والتنمية) والمرتبة الثانية (الأصالة والمعاصرة)، لكن الشيء غير المتوقع هو الانهيار المدوي للقوى التقدمية المستقلة كافة، ما يعني بأن المغرب دخل في منحدر بالغ الصعوبة، وبصرف النظر عن الحسابات، إن وجود قوى تقدمية نقدية مدنية ومستقلة، مهما كان هامشها، يمثل الضمانة المتاحة أمام المشروع الحداثي الديمقراطي نفسه، والذي يحتاج إلى مجتمع مدني قوي، لقد لعبت العدالة والتنمية لعبة خطرة بكل المقاييس، واجهت الجميع بعدّة أوجه: وجه للملك يقول له إننا الحصن المتين لحماية إمارة المؤمنين من مطالب العلمانيين؛ ووجه للشعب يقول له إننا حماة الحشمة والحياء من الإباحيين والمثليين واليساريين والمثقفين والفنانين وأصدقاء الملك؛ ووجه للسعودية يقول لها إننا حماة المذهب السني من الغزو الشيعي؛ ووجه للغرب الرّأسمالي يقول إننا أدوات فعالة للخصخصة وانضباط الشعوب لسياسة التقشّف دون أن تنفجر الاحتجاجات كما حدث في اليونان مثلاً، وهي التجربة التي نجحوا فيها فعلاً بالمغرب، الأمر الذي تسجله العولمة الرأسمالية في ميزان حسناتهم. مسألة أخرى، إذا كان شعار المملكة المغربية هو "الله، الوطن، الملك"، فقد نجحت كتائب العدالة والتنمية إلى حد بعيد في تصوير الصراع السياسي بالمغرب كأنه صراع بين "حزب الله" و"حزب الملك". الشعب يحبّ الملك، بلا شكّ. لكنه إذا ما وقع في فخ التخيير بين (أهل الله) من جهة، والملك من جهة ثانية، فسيختار الله، علينا الاعتراف بأن الذي ينهار في مثل هذه المعادلة قصداً أو صدفة أو صيرورة هو "أحزاب الوطن".
ما الذي يدفع الناخب المغربي للتصويت على العدالة والتنمية على الرغم مما يبدو من سياسات لا شعبية تطبقها؟
يرتبط الأمر بحالة الانحدار في المستويات كافة، التعليم والثقافة والإعلام، وصولاً إلى الذوق العام، ثمة فراغ مروع في النقاش العمومي، بل تقريباً لا يوجد شيء اسمه النقاش العمومي، ثمة تهميش مريب للمثقفين العقلانيين لقاء رهان خطر على أشباه مثقفين فاشلين وجشعين، وفوق كل ذلك ثمة قوى نجحت في احتكار الكلام باسم الإسلام بعد أن قدمت نفسها حيناً من الدهر كمدافع عن إمارة المؤمنين ضدّ العلمانيين واليساريين والتقدميين، عموماً، إنها لعبة الابتزاز باسم الدين، وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن ملك البلاد نفسه لم يعد يتكلم عن أي مشروع حداثي ديمقراطي كما كان في بداية عهده، لكن، لا ننس أيضاً أزمة البدائل في الدولة والمجتمع على حد سواء، هنا لديّ رسالة واضحة، حين تكون أولوية الدولة تضييق الخناق على المثقفين العقلانيين، أو محاولة تعويضهم بأشباه مثقفين فاشلين وجشعين، فلا غرابة أن تجد نفسها مكشوفة أمام غزو الغلاة في ساعة التمكين.
هل نموذج الإسلاميين في المغرب مختلف عن باقي الدول التي تشهد تراجعاً لهذا التيار في الانتخابات مثل تونس ومصر مثلاً؟
بل هو نفس النموذج المدعوم من طرف تركيا وقطر وقناة الجزيرة والقرضاوي وبعض أقطاب الإدارة الأمريكية، ولكل طرف من هؤلاء رهانات محددة، قبل سنوات خلت التقيتُ بأحد رموز الإسلام السياسي بالمغرب ذاهباً إلى السفارة الأمريكية بالرباط، في لقاء روتيني كما قال، وعندما شرعتُ في تحذيره بما كنت أتوفر عليه من معطيات، أصغى إليّ بتمعن، ثم أنهى الحوار بالقول: يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. أظن أن المقصود سيبدو واضحاً إذا ما طرحنا السؤال، من يمكر بمن؟
هل لا يزال الخطاب الإسلاموي قائماً على استقطاب الناخبين عبر المشاعر الدينية أم أنه تغير فعلاً بحيث أصبح يقدم برنامجاً مبنياً على الواقع يقنع بالتصويت عليه؟
ليس هناك سوى الرهان على الدسائس وتأجيج الانفعالات السلبية: إذا لم نحكمكم نحن سيحكمكم رفاق السوء.. نحن مظلومون ويتآمرون علينا لأننا ندافع عن الإسلام ضد الكفار.. إنهم يريدون تغيير مناهج التعليم الديني وإلغاء تدريس القرآن، وإلغاء الصلاة، وإغلاق المساجد، وسيبيعون لكم الدمى الجنسية، وينشرون الرذيلة بين أبنائكم... فصوتوا علينا للنجاة! هذا هو فحوى خطاب كتائبهم إلى عموم الناس، وهي لعبة خطرة في آخر التحليل؛ إذ سرعان ما سيظهر من يزايد على طريقة: "لنجهلنّ فوق جهل الجاهلين". إن الجهل لا يُرَدُّ عليه بأي جهل مضاد، لا يُرَدُّ على الجهل سوى بالمعرفة والعلم والعقلانية.