رجال "BCIJ".. أمنيون فوق العادة يحرسون المغرب من وحش الإرهاب
المكتب المركزي للأبحاث القضائية يُلقب بـ"إف بي آي" المغرب، ويعتبره قانونيون "الذراع القضائي للمديرية العامة لمراقبة التُراب الوطني".
هو باب كغيره في المؤسسات العامة المغربية، ما إن تجتازه حتى تلمح عيناك رجال سود الأزياء، عظام القامات، لا يظهر منهم إلا عضلات مفتولة، وأصابعٌ على الزناد مُتأهبة حذرة.
تدلف المكان، فتستقبلك بناية شامخة، مكتوب عليها "المكتب المركزي للأبحاث القضائية" أو ما يعرف اختصارا بـ"بي سي آي جي"، وفوقها "المديرية العامة لمراقبة التُراب الوطني".
إنك إذا في ضيافة واحدة من أكبر المُؤسسات الاستخباراتية في المملكة المغربية، وبين رجال يُصنفون في قائمة نُخبة الأطر الأمنية في البلاد، وأكثرهم كفاءة.
أُسس المكتب عام 2015، ويُلقب إعلامياً بـ"إف بي آي" المغرب، ويعتبره القانونيون "الذراع القضائي للمديرية العامة لمراقبة التُراب الوطني" (المخابرات المدنية).
ويختص في جرائم "المس بأمن الدولة" و"الجرائم التخريبية المرتبطة بالتطرف والأسلحة والذخيرة والمتفجرات والاختطاف والرهائن والعصابات"، واختصاصات أخرى يضبطها القانون المغربي بدقة ووضوح.
سياق خطر
رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالمغرب، يوضح لـ"العين الإخبارية" أن "تأسيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية جاء في سياق أمني خطير جداً، عرف تنامياً للتهديدات الإرهابية على المستوى العالمي".
وأضاف أنه "تتويج لمسار حافل من اليقظة والعمل الدؤوب للمصالح الأمنية والاستخباراتية المغربية في حربها ضد التنظيمات الإرهابية، وسهرها الدائم على أمن واستقرار البلاد".
وقد عرف عام 2015 تنامياً كبيراً للتهديدات الإرهابية، وكانت سمته الأساسية، بحسب لزرق، عمليات التجنيد الواسعة التي كان يقوم بها مُناصرو تنظيم داعش.
وأشار إلى أن "المغرب تصدى لهذا بصرامة شديدة، سواء على المستوى الاستخباراتي والأمني، أو على المستوى التشريعي، من خلال إقرار البرلمان قانوناً يُجرم بشكل واضح التحاق أو مُجرد مُحاولة الإلتحاق بكيانات أو تنظيمات إرهابية أياً كان نوعها أو مكان نشاطها".
وبالتالي، فإن تأسيس المكتب، جاء استجابة لهذا السياق المحلي والدولي المتسم بنوع من الخطورة، وأيضاً تعزيزاً للاستراتيجية الاستباقية التي اعتمدها المغرب منذ سنوات لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني وتجفيف منابعه، وهي الاستراتيجية التي تؤتي أكلها بشكل إيجابي، يُضيف المتحدث.
انفتاح وتواصل
وبخلاف الصبغة السرية التي تكتسيها تحركات أغلب الأجهزة الاستخباراتية في دول العالم، يقول لزرق إن "المسؤولين على الشأن الأمني في المغرب اختاروا أن يكون عمل هذه المؤسسة واضحاً وشفافاً، وذلك من خلال فتح الباب بشكل دائم أمام الصحافيين سواء المغاربة أو الأجانب، ناهيك عن التواصل المُفصل عقب أي عملية أمنية يقوم بها المكتب".
وإذا عُدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، وبالضبط يوم الإعلان عن تأسيس المكتب، حرص المسؤولون على الانفتاح على مُختلف الفاعلين.
وتابع: "نتذكر هُنا حُضور شخصيات حُقوقية بارزة في حفل الافتتاح، كالمحجوب الهيبة، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، وأيضاً، محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ناهيك عن وزير العدل ووزير الداخلية والمسؤولين الأمنيين".
واعتبر لزرق هذا "إشارة واضحة على حرص المغرب على احترام الأجهزة الاستخباراتية والأمنية لحُقوق الإنسان، ستتأكد عملياً في السنوات الموالية خلال تدخلات وتحقيقات المكتب التي امتثلت حرفياً للقانون الجاري به العمل في هذا الصدد".
الخيام زعيم الـ"إف بي آي" المغربية
رجل تواصل بامتياز، بلسان سلس، وثقة عالية، يواجه عدسات وسائل الإعلام، ويجيب على أسئلة الصحفيين دون تحرج وبتمكن شديد من معلوماته الأمنية، وضبطه العالي لتحركات واستراتيجيات التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية بمُختلف أنواعها".
يُلقبه البعض بـ"صديق الصحفيين"، إذ له معهم موعدان، الأول في أعقاب تفكيك الخلايا الإرهابية، والثاني كُلما طلبته مُؤسسة لإجراء حوار أو لأخذ تصريح.
يتواصل بوضوح كبير، وصراحة شفافة، وخطاب مُباشر مُؤطر بسياج القانون وما تسمح به طبيعة منصبه الحساس جداً.. إنه عبد الحق الخيام، المدير العام للمكتب المركزي للأبحاث القضائية.
وقد ألف المغاربة وجه الرجل، إلى جانب كوادر أمنية أخرى، فهو تارة يستعرض "صيداً ثميناً" جنب المملكة ومواطنيها حمام دم، وتارة أخرى مُتحدثاً عن التحولات التي تعرفها استراتيجيات ومُخططات التنظيمات الإرهابية في استهدافها لاستقرار البلاد وأمنها.
ولد عبد الحق الخيام في واحد من أكبر الأحياء الشعبية لمدينة الدار البيضاء، وتلقى تعليمه الأمني الأول في المعهد الملكي للشرطة، ثُم عمل بمصالح الشرطة القضائية في عدة مناطق بمدينة الدار البيضاء.
استقر به المقام في الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وهي فرقة أمنية مُكلفة بالقضايا المُعقدة والحساسة للدولة، وهُناك قضى فترة مُهمة من حياته المهنية.
ترقى في الرُتب داخل الفرقة الوطنية، ليصير نائباً لرئيس الفرقة، ثُم رئيساً لها بعد تعيين سلفه مديرا للشؤون القضائية بالمديرية العامة للأمن الوطني.
وفي عام 2015، تمت ترقية الخيام إلى رُتبة والي أمن، ثم عُين بعدها مُباشرة على رأس المكتب المركزي للأبحاث القضائية.
طيلة مسيرته المهنية، عُرف الخيام إما بمُشاركته أو إشرافه على التحقيق في ملفات أمنية حساسة، تتعلق إما بفضائح مالية، أو قضايا الرشوة، ناهيك عن الاتجار في المخدرات، وخاصة القضايا المُتعلقة بالجريمة المُنظمة والإرهاب.
حصيلة مُشرفة
عمل الأطر الأمنية المكونة للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، وباقي المؤسسات التي يُنسق معها، بدت ثماره جلية على أرض الواقع، وحصدت إشادة دولية واسعة، كان آخرها تقرير الخارجية الأمريكية الذي أشاد باليقظة الأمنية والاستراتيجية المغربية المتكاملة لمحاربة الإرهاب والتطرف.
وتعتمد المملكة المغربية منذ عام 2003، استراتيجية متعددة الأوجه لمحاربة الإرهاب، ومُحاصرة البؤر المتطرفة التي تخطط للمس بأمن المواطنين وسلامتهم، تتأسس على الاستباق والتحصين مكنتها من تفكيك نحو 200 خلية إرهابية.
وخلال 2019 وحده، تمكنت الأجهزة الأمنية في المغرب من تفكيك أكثر من 25 خلية إرهابية ينشط فيها أكثر من 125 شخصًا كانوا بصدد التخطيط لهجمات تستهدف العديد من الشخصيات العمومية، بالإضافة إلى مؤسسات سيادية ومواقع سياحية.
ومُنذ تأسيسه عام 2015، وحتى سبتمبر/أيلول 2019، قام المكتب المركزي للأبحاث القضائية بتفكيك 72 خلية إرهابية، منها 66 خلية لها ارتباط بداعش و6 خلايا لها علاقة بما يسمى بتنظيم "الفيء والاستحلال".
وبحسب مُعطيات رسمية، فإن العمليات الأمنية التي قام بها المكتب، مكنت من توقيف 1183 شخص خلال نفس الفترة، منهم 14 امرأة و 33 قاصراً و 49 من ذوي السوابق الإجرامية.
وتعامل المكتب 124 حالة لعائدين من مناطق النزاع، منها 101 من سوريا العراقية، و15 حالة من ليبيا، بالإضافة إلى 8 حالات تمت إعادتها من الأراضي السورية العراقية إلى المغرب بتنسيق مع قوات التحالف الدولي، بتاريخ 10 مارس / آذار من السنة الماضية.
وآخر ضربة وجهها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، هي التي نفذها الشهر الجاري من خلال عمليات أمنية دقيقة ومتوازية على مُستوى 4 مُدن مغربية في تفكيك خلية إرهابية تنشط في طنجة (شمال) وتيفلت وتمارة والصخيرات (ضواحي العاصمة الرباط)، أسفرت توقيف 5 متطرفين تتراوح أعمارهم ما بين 29 و43 عاماً.
الخلية كانت تُخطط لاستهداف مراكز مصالح الأمن والدرك، بالإضافة إلى شخصيات عمومية وعسكرية. إذ ضُبطت في حوزة أعضائها 3 أحزمة ناسفة، تحتوي على مجوفات لولبية لتحميل الأجسام المتفجرة، و15 زجاجة تحتوي على مواد ومشتملات كيميائية مشبوهة، وصاعقين كهربائيين، ومعدات إلكترونية، ومساحيق كيميائية وأسلاك كهربائية.
وضبطت أيضاً 3 أقنعة ومنظارين ومعدات إلكترونية وكهربائية للتلحيم، وكاميرا رقمية متطورة، وعبوتين للغاز المسيل للدموع ومجموعة كبيرة من الأسلحة البيضاء من أحجام مختلفة.
كما ضبط بحوزتها عبوات غاز من الحجم الصغير، وأسطوانتين للضغط مملؤتين بالمسامير والأسلاك، وأخرى تحتوي على سائل كيميائي مشبوه، وعدة حقائب بلاستيكية تحتوي على لولبات حديدية ومواد مشبوهة، وخمس بطاريات للشحن و25 مصباحا كهربائيا.
وأسفرت عمليات التفتيش أيضا عن ضبط مجسم ورقي يرمز لشعار تنظيم داعش الإرهابي، و3 سترات مفخخة في طور التحضير، وعدة أنابيب بلاستيكية تدخل في تحضير وإعداد الأحزمة المفخخة.
إضافة لإلى 3 كيلوجرامات تقريبا من نترات الأمونيوم، ناهيك عن زجاجات المولتوف، وتوصلت إليها العناصر الأمنية بعد التحقيق مع زوجة أمير الخلية.
aXA6IDMuMTQyLjIwMS45MyA=
جزيرة ام اند امز