المغرب يبدأ خطة التعافي من كورونا بتعديلات "المالية"
يعكف خبراء وزارة المالية المغربية على إعداد مشروع قانون مالية تعديلي، يتناسب والمستجدات الاقتصادية التي أحدثتها جائحة كورونا
يعكف خبراء وزارة المالية المغربية على إعداد مشروع قانون مالية تعديلي، يتناسب والمستجدات الاقتصادية والاجتماعية التي أحدثتها جائحة كورونا، خاصة في ظل تغيير جميع الفرضيات الاقتصادية التي بُني عليها قانون المالية المعمول به حالياً.
وبحسب تصريحات حصلت عليها "العين الإخبارية"، فإن خبراء ومهتمين يرون أن تعديل قانون المالية "أمراً منطقياً"، مشددين على تفاصيل الاعتمادات المالية المخصصة لكل قطاع، وأيضاً التوقعات بالنسبة للنمو والتضخم وباقي المؤشرات، هي التي ستظهر نجاعة وفعالية المشروع.
الصحة والتعليم مع إنعاش الاقتصاد
وحسب المعطيات التي حصلت عليها "العين الإخبارية" من مصادر متطابقة، فإن مشروع القانون التعديلي سيهم أساساً تحيين الفرضيات والتوقعات الاقتصادية بخصوص الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى وضع خطة عملية لإنعاش الاقتصاد الوطني، ومواجهة تداعيات كورونا.
ومن المعطيات التي تفرض نفسها بقوة على الحكومة المغربية في هذا الصدد، تراجع الإيرادات بسبب تجميد مجموعة من الأنشطة الاقتصادية أنشطتها بسبب تفشي كورونا، والحجر الذي تم فرضه حفاظاً على سلامة المواطنين. بالإضافة إلى عجز الميزانية والأداءات وأيضاً الدين.
- الموانئ تؤهل المغرب للتموقع ضمن الـ10 الأولى في الربط البحري
- المغرب يسحب 3 مليارات دولار من صندوق النقد لمواجهة كورونا
ويعد التحول الرقمي من الأولويات المطروحة على خبراء وزارة المالية المكلفين بإعداد المشروع، ناهيك عن تعزيز اعتبار كُل من الصحة والتعليم والبحث العلمي، بالإضافة إلى التشغيل والحماية الاجتماعية للعمال، من أعمدة المشروع.
وبحسب المعطيات المتحصل عليها، فإن المشروع التعديلي، يرمي إلى الحفاظ على مناصب الشغل، مع تعزيز وسائل الدعم الاجتماعي للفئات المتضررة والتي تعاني من الهشاشة.
ويهدف أيضاً، إلى تحفيز الاستهلاك واستقرار الاستثمار العمومي، مع ابتكار مجموعة من الآليات الجديدة لتوطيده وتدبيره بحكامة وفاعلية.
ومما تعول عليه الحكومة للتسريع بتعافي الاقتصاد الوطني، الحد من الواردات وتشجيع المنتوج المحلي، وزيادة الصادرات.
وفي نفس السياق، تهدف الحكومة من خلال المشروع المذكور، إلى تشجيع الإنتاج وعودة الحركة الاقتصادية، إذ رصدت لذلك غلافاً لدعم الشركات الوطنية المتضررة من تفشي كورونا، خاصة تلك التي تشتغل في القطاعات ذات البعد الاستراتيجي، ناهيك عن المقاولات الصغيرة والمتوسطة، مع التركيز على القطاعات الأكثر تضرراً كالسياحة وما يدور في فلكها.
من خلال دعم الشركات الوطنية المتضررة، ولا سيما في القطاعات الاستراتيجية، والمقاولات الصغيرة والمتوسطة، من خلال آليات الضمان خاصة، وإقرار دعم خاص لبعض القطاعات المتضررة، كالسياحة والأنشطة المرتبطة بها.
ومنذ مارس المنصرم، قررت الحكومة المغربية، تبعاً لإعلان الطوارئ، إغلاق الحدود البرية والجوية، مع فرض حظر للتجول، بالإضافة إلى منع التجمعات بشتى أنواعها. وأيضاً تجميد مجموعة من الأنشطة الاقتصادية. فيما كان العمل عن بعد حلاً لبعضها.
أمر منطقي
واعتبر جواد النوحي، الجامعي المتخصص في المالية العمومية، أن اللجوء إلى قانون تعديلي، هو مسألة منطقية جداً، وذلك لتغير الظروف والأوضاع التي وُضع فيها قانون المالية الذي صُدّق عليه من طرف البرلمان في ديسمبر / كانون الأول المنصرم.
وأوضح أن الفرضيات الاقتصادية تغيرت بشكل كبير بسبب تفشي كورونا وتداعياتها على الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن تضرر الاقتصاد والاجراءات التي يجب اتخاذها من طرف الحكومة تفرض أيضاً تعديلاً على القانون الجاري به العمل. لافتا إلى أن من المتغيرات التي جاءت مع جائحة كورونا، نسبة عجز الميزانية ونسبة النمو، بالإضافة إلى واردات الميزانية.
بدوره، أكد المحلل الاقتصادي، كريم الشرقاوي، أن تعديل قانون المالية هو أمر ضروري، مشدداً على أنه من حيث المبدأ، الخطوة إيجابية وتفرضها الظروف الحالية للبلاد، لكن محتوى هذا التعديل هو الذي يجب أن يكون محط نقاش وتمحيص، وهذا لن يظهر إلا بعد إحالة القانون على البرلمان.
وأضاف أن تفاصيل هذا القانون، من حيث توقعات النمو، بالإضافة إلى القطاعات التي أعطتها الحكومة الأولوية، وأيضاً المخصصات المالية لكل قطاع، ومخططات النهوض بالقطاعات المتضررة. هي من ستحدد لنا فعاليته من عدمها.
وشدد على أن هذه التعديلات ستترجم الرؤية الحكومية للتعامل مع تداعيات الجائحة الاقتصادية والاجتماعية، وأيضاً ستظهر الأولويات التي ستركز عليها الحكومة، سواء الصحة أو التعليم أو الدعم المباشر، وغيرها من المحاور التي سنكتشفها عند إعلان الوزارة المعنية عن مشروع القانون التعديلي.
خسائر كبيرة
وفي مارس المنصرم، كشف وزير المالية المغربي، محمد بنشعبون، أمام الغرفة الأولى للبرلمان، مجموعة من الأرقام التي تعكس الخسائر الكبيرة للاقتصاد المغربي، على غرار باقي الاقتصادات العالمية، بسبب تفشي كورونا.
وأوضح بنشعبون أن المملكة المغربية تخسر كُل يوم بسبب فرض الحجر الصحي، حوالي مليار درهم مغربي، أي ما يُناهز 101 مليون دولار. مُشيراً إلى أن نقص موارد الخزينة العامة تراجعت بـ 50.5 مليون دولار في اليوم الواحد خلال نفس الفترة.
وشدد بنشعبون على أنه إلى حدود مارس فقد الاقتصاد المغربي 6 نقاط من نمو ناتج الداخلي الإجمالي خلال 2020.
ولفت الوزير، إلى أن الخسائر كادت أن تكون أكثر عمقاً، لو لم يتم تقديم الدعم المالي للمتضررين من طرف صندوق مواجهة تبعات كورونا الذي تم إنشاؤه بتعليمات من الملك محمد السادس، وكان أول المتبرعين لصالحه.
وتجدر الإشارة، إلى المملكة قدمت دعماً مالياً مباشراً للأفراد المتضررين اقتصادياً من تفشي فيروس كورونا، سواء أولئك المصرح بهم في صندوق الضمان الاجتماعي، أو المشتغلين في القطاعات غير المهيكلة والمهن الحرة.
تعديل استثنائي
وتجدر الإشارة إلى أن القانون التنظيمي للمالية، يمنح الحكومة إمكانية استثنائية لتعديل قانون المالية، في بعض الحالات الطارئة.
وبحسب القانون المغربي، فإنه بعد الانتهاء من إعداد المشروع من طرف خبراء وزارة المالية، يقوم الوزير بعرضه في المجلس الوزاري، ثم المجلس الحكومي بغرض التعديل والمصادقة. ليُصبح ساري المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية في أعقاب مناقشته وتعديله، ثم المصادقة عليه من طرف البرلمان بغرفتيه.
ويمنح القانون التنظيمي للمالية، البرلمان مهلة 15 يومياً، منذ إحالة المشروع على مكتبه، للمناقشة والتصويت.
وكانت آخر مرة تلجأ فيها المملكة المغربية إلى تعديل قانون المالية، قبل تسع سنوات، وبالضبط سنة 1991، وذلك استجابة لمجموعة من المطالب الاجتماعية التي رفعها الإضراب العام الذي عرفته المملكة في 14 ديسمبر 1990.
إجراءات استباقية
وسبق للعاهل المغربي، الملك محمد السادس، أن أصدر تعليماته المستعجلة للحكومة بغرض اتخاذ مجموعة من الخطوات الاستباقية لحماية الاقتصاد الوطني. كما بادر بنفسه بالتبرع لصالح صندوق مواجهة تداعيات الفيروس على الاقتصاد.
ولمواكبة التطورات مع التحكم في التداعيات، أنشأت الحكومة لجنة اليقظة الاقتصادية، تتكون من 8 قطاعات وزارية، بالإضافة إلى البنك المركزي، والمنظمات المهنية.
واضطرت الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ، ومعها فرض الحجر الصحي على المواطنين، الشيء الذي أدى إلى تجميد عدد من القطاعات، خاصة السياحة، وأنشطة إنتاج وتجميع السيارات، بالإضافة إلى قطاعات أخرى.
ومن بين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بشكل استباقي، تقديم الدعم للمؤسسات المتضررة اقتصادياً من الجائحة، بالإضافة إلى تقديم دعم مالي مباشر، سواء للأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بسبب كورونا، أو أولئك الذين يعيشون وضعية هشة.
ودخلت الحكومة المغربية بمختلف وزاراتها والقطاعات التابعة لها، في سلسلة من جلسات الحوار والتشاور مع المهنيين والمنظمات الممثلة لهم، بغرض الاتفاق على خطط لمواكبة عملية استئناف الأنشطة الاقتصادية، والحد من تداعيات كورونا عليها.