المغرب وأدوار متزايدة لمحاربة الإرهاب في أفريقيا
عديدة هي الجماعات الإرهابية المتمركزة في منطقة الصحراء والساحل، التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة.
وبحسب مراقبين، فإن الانسحاب الأخير للقوات الفرنسية وحلفائها من المنطقة، من شأنه أن يُعيد نشاط هذه الجماعات، خاصة في ظل غياب الاستقرار الأمني والسياسي بالمنطقة.
المملكة المغربية، وبخبرتها الكبيرة في مجال محاربة الإرهاب، وتطويق الجماعات المتطرفة، تبذل جهوداً متزايدة، بشراكة مع أطراف دولية عدة، لضمان استتباب الأمن والاستقرار بالمنطقة والدفع بعجلة الاقتصاد للأمام عبر عدة مشاريع متنوعة في هذه المنطقة الكبرى.
أوضاع متأزمة
إن الحديث عن دول السحال والصحراء، يعني الحديث عن مساحة هي تسع مرات مساحة فرنسا أي حوالي 5 ملايين كيلومتر مربع، يقول الشرقاوي الروداني، المحلل والخبير الجيوستراتيجي.
وأضاف الروداني في تصريح لـ "العين الإخبارية" أن وجود انقلاب بمالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري وغينيا بيساو زاد من تأزم الوضع بمجموعة من الدول كشمال نيجريا والحدود الليبية التشادية والتي تعرف فراغا أمنيا كبيرا خاصة في المنطقة الجنوبية.
وأبرز أن انسحاب فرنسا وشركائها من عملية "برخال" و "تاكوبا"، سيكون له تأثيرا خطيرا على أمن واستقرار هذه الدول باعتبار أن فرنسا كانت دولة مهمة من خلال قوات وآليات خاصة تحارب تقدم الجماعات الإرهابية خصوصا بين حدود مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وأكد الروداني أن جود فراغات جيوسياسية خاصة مع وجود قوى محدثة للفوضى منها تنظيم الدول في الصحراء الكبرى وتنظيم جبهة "ماصينا" وتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين وجماعة أنصار الإسلام والتي تنشط في هذه المنطقة.
الجماعات الإرهابية ستستفيد من هذا الانسحاب، يقول الروداني، نظرا لأن الدولة المركزية في مالي ضعيفة وليست لها القدرة الكاملة على استتباب الأمن والاستقرار في دولة مساحتها شاسعة.
وأبرز أن التأثير سيكون كبير على أنشطة الجماعات الإرهابية والتي ستقوم بهجمات وضربات إرهابية في الأسابيع القادمة وستحاول زعزعة الاستقرار في مجموعة من الدول خاصة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وأضاف: "نحن أمام تطور إرهابي وتراكم أمني قد يكون له تأثير على الدول المغاربية" وهو ما استدعي تحركا عاجلا من هذه الدول.
عنصر أساسي
وتعتبر منطقة غرب أفريقيا ومنطقة دول الساحل وجنوب الصحراء من "مناطق عمق استراتيجي بالنسبة للمملكة المغربية بفعل تّأثيرها على أمنها القومي"، يؤكد الروداني.
ويرى المتحدث أن المغرب في ضوء هذه التحديات سيلعب دوراً مهما في محاربة الإرهاب على هذا المستوى، خاصة في ظل خبرته الكبيرة واعتماده على "مقاربة استباقية للحد من أي تطور أمني قد يؤثر عليه".
وأضاف أنه "بالنظر إلى كون مجموعة من الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها بالمغرب (مثلا: سنة 2009 خلية "فتح الأندلس" كان لها ارتباط بدول الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء) تضع تحديا لأمن المغرب".
ويمكن للمغرب أن يلعب دورا أساسيا في الاستقرار على اعتبار أنه يعالج محاربة الإرهاب بمنظور شمولي خاصة في مسألة التنمية، بحسب المتحدث ذاته.
وأكد أنه على الدول الغربية أن تتحمل كامل مسؤوليتها في استتباب الأمن والاستقرار من خلال وضع استراتيحية تنموية شاملة ومحاولة تفكيك خيوط التراكمات التي أدت إلى حالة عدم الاستقرار في هذه المنطقة.
وزاد أن "هناك اقتتالا عرقيا في هذه المنطقة ما بين "الفولان" و"ليغونبا" و"ليدوزو" وبالتالي يمكن للمغرب أن يلعب دورا كبيرا خاصة إذا ما تم استحضار برنامج الاستثمار الأولي يلعب دورا كبيرا في تنمية هذه المناطق".
وختم الروداني تصريحه بالقول: "المغرب أول دولة مستثمرة في دول غرب أفريقيا وكذا المغرب له عدة شركات متعددة الأطراف وكذا الثنائية والتي يمكن أن يساهم من خلال في تثبيت الاستقرار في هذه المناطق".
مساهمة فعالة
من جهة أخرى، يرى محمد بودن ، المحلل السياسي، أن المملكة المغربية لها مساهمة فاعلة في الجهود الأمنية و الإنسانية بالقارة الأفريقية.
وذلك راجعا بحسبه إلى أن الوضع يستدعي مقاربة متجددة لتثبيت الاستقرار والتصدي للأسباب المزعزعة له خاصة في الساحل والصحراء.
ويتبنى المغرب مقاربة شاملة ويقظة للتصدي للإرهاب بمختلف مسمياته ويشير هذا التحليل إلى أن هناك التزام طويل الأمد لدى المملكة بمنع الإرهاب والتصدي له وتعزيز ترسانة مكافحته بشكل كبير في ظل بيئة التهديد الحالية والأنماط الجديدة للتطرف والإرهاب، بحسب بودن.
وأضاف بودن، أن المقاربة المغربية أثمرت نموذجا وتراكما هاما مكن المغرب للمرة الثالثة على التوالي من الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب إلى جانب كندا "في الولايتين السابقتين كان إلى جانب هولندا".
وأضاف المتحدث نفسه: "فضلا عن المساهمة المشهودة والنشطة للمملكة المغربية في التحالف الدولي ضد داعش الإرهابي".
وأكد بودن أن تكريس المغرب لاسمه كفاعل دولي ملتزم بمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف وكأحد الشركاء الأساسيين في المبادرات الدولية للتصدي للإرهاب يرتكز على استراتيجية متكاملة تقوم على عدة محاور.
ويتجلى المحور الأول حسب المحلل السياسي، في التدابير الأمنية التي ترتكز على المقاربة الاستباقية والجاهزية واليقظة والمقاربة القضائية بدل المقاربة التصفوية.
ثم ثانيا، سياسات وطنية على المستويين الديني والاجتماعي مضيفا: "ويمكن أن نستحضر في هذا الإطار برنامج إصلاح الحقل الديني والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبرنامج مصالحة و غيرها".
وثالثا ينعكس في التعاون الإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب وتهديداته، بحيث تقوم المؤسسات المختصة بعمل استخباراتي وأمني وتنظيمي يومي من أجل حماية السيادة والأمن و الاستقرار.
تعاون دولي
ويظهر ذلك من خلال مساهمة المغرب في تفكيك وإحباط خلايا إرهابية خارج البلاد بتعاون مع مؤسسات أمنية بالبلدان الشريكة أو مع الشرطة الدولية "الإنتربول" والأوروبية "أوروبول" وكذلك في إطار التزامات المغرب المؤطرة بموجب اتفاقيةَ بودابست.
وأضاف المحلل السياسي أن المغرب يعمل على التصدي للمحتويات المتطرفة في الفضاء السيبراني والمجتمع الافتراضي ودعم مبادرات الاستقرار في العالم.
وأكد بودن أن المملكة المغربية كفاعل وشريك أساسي في مكافحة الإرهاب لا يعتمد على التدابير الأمنية فقط بل يقوم كذلك بتطوير مستمر لمنظومة يقظة تعمل على توقع المخاطر والتهديدات.
وأضاف أنه بناء على هذا الأساس وقع المغرب ومكتب الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب في مستهل أكتوبر/تشرين الأول 2020 اتفاقية مقر مكتب مكافحة الإرهاب في أفريقيا في العاصمة الرباط.
وأبرز أن هذا التوقيع يمثل دليلا على ثقة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في الاستراتيجية المغربية لمكافحة الإرهاب، فضلا عن تقدير انخراط المملكة المغربية في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
وأشار إلى أن الاستراتيجية المغربية لمكافحة التطرف والإرهاب وبصيرة الإدارة الأمنية حققت الكثير من النتائج التي جنبت المصالح الحيوية للبلاد و الأفراد سيناريوهات دموية، كانت على وشك الحدوث.
aXA6IDMuMTQ0LjI5LjIxMyA= جزيرة ام اند امز