التقارب المغربي الإسباني.. ملفات استراتيجية لإعادة بناء العلاقة
بعد قطيعة دامت أشهرا، يبدو أن المياه تعود لمجاريها بين المغرب وإسبانيا، ما يفتح المجال لبحث ملفات الشراكة بين البلدين الجارين.
ملفات عديدة تنتظر البلدين، يُنتظر أن يتم التطرق إليها في زيارات متبادلة لمختلف المسؤولين الحكوميين، وعلى رأسهم وزيرا خارجية البلدين.
ملفات عدة
حيال ذلك يوضح المحلل السياسي محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن التقارب سيبدأ بتركيز الجهود على مواجهة التحديات الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب وبلورة مقاربة متطورة لمسألة الهجرة واستكشاف مجالات جديدة على الصعيد الاقتصادي، سواء في إطار العلاقات الثنائية أو في سياق رؤية الازدهار المشترك التي تجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي في أفق 2027.
ويرى بودن أنه سيتم التطرق لتنشيط تبادل فوائد المزايا الاستراتيجية لموقع البلدين، وكذا إعادة تنشيط آلية اللجنة العليا المشتركة، ومختلف الآليات الثنائية الأخرى، وإغناء الإطار التعاقدي للعلاقات بين بلدين لهما جوار حتمي بتحدياته وفرصه.
من جهة أخرى أبرز المتحدث ذاته، أن رسالة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز للعاهل المغربي الملك محمد السادس تمثل مؤشرا دالا على دخول العلاقات بين البلدين في مرحلة إيجابية هادفة، يمكنها أن تشكل نقطة تحول استراتيجية في إطار دينامية مكثفة بالعوامل المشجعة.
مشيرا إلى أن إسبانيا، تُعبر بوضوح عن قناعاتها بخصوص قيمة مبادرة الحكم الذاتي التي قدمتها المملكة المغربية عام 2007 كحل منطقي ومرجعي للنزاع حول الصحراء المغربية، ومركزية الوحدة الترابية للبلدين، يمثل التزاما جديدا للمملكة الأوروبية مع المغرب كشريك استراتيجي أساسي في شمال إفريقيا.
مكاسب سياسية
وأضاف المحلل السياسي أن المغرب حصل على مكاسب سياسية عدة، وأولها، أن إسبانيا لها دور تاريخي في ملف الصحراء المغربية والاستدارة في موقفها وتكييفه مع مصالح المغرب يبقى لافتا وغير مسبوق.
وثانيها، أن الدبلوماسية الملكية أحدثت تأثيرا حقيقيا في الموقف الإسباني؛ وهنا يتبين أن هدف المغرب لم يكن إنهاء الأزمة مع إسبانيا فقط، بل حصول متغير استراتيجي في موقفها بخصوص الصحراء المغربية.
ثم ثالثا، وهو أن المملكة المغربية استثمرت علاقاتها الدولية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية والموقف الإسباني يعزز الدينامية العالمية لتكريس وجاهة مبادرة الحكم الذاتي والدعم المتزايد لسيادة المغرب على صحرائه بعد مواقف دولية و إقليمية قوية حصلت طيلة السنتين الفارطتين.
رابعا، الموقف الإسباني حطم أوهام "الكيان الوهمي" (جبهة البوليساريو الانفصالية) وعزل من يدعمه و خرج من المنطقة الرمادية بشأن دعم الوحدة الترابية للمغرب، وجاء منسجما مع الأسس المعيارية لقرارات مجلس الأمن خاصة القرار 2602.
ثم خامسا وأخيرا، الحديث عن مكاسب تتعلق بأهمية مباشرة التنسيق والتشاور بخصوص ملفات أمنية واقتصادية وجيواستراتيجية في إطار العلاقات الثنائية، أو ضمن علاقات المملكة المغربية بالاتحاد الأوروبي.
خيار واقعي
وأكد بودن، أن الموقف الإسباني خيار واقعي وعلى أساسه تتم إعادة ضبط للعلاقات بين البلدين على قواعد دقيقة ومحددات صريحة كما حددها الملك محمد السادس في خطاب 20 أغسطس/ آب 2021، والتي تتجلى في الثقة والشفافية و الاحترام المتبادل و الوفاء بالالتزامات.
وأضاف أنه "لا شك أن المفاوضات بين البلدين رسخت لدى إسبانيا خلاصة واضحة بشأن الإيمان العميق للمملكة المغربية بأن حقوقها السيادية مسألة محسومة، بالإضافة إلى أن وحدتها الترابية لا ينبغي أن يعتبرها أي بلد عقبة للتعاون معه".
وأكد المتحدث ذاته، أن "ثمة إدراكا إسبانيا صريحا لمكانة المملكة المغربية في الفضاء الإقليمي، وما تمثله قضية الصحراء المغربية بالنسبة للمغاربة و مدى الترابط الوثيق بين مصالح البلدين جيو-استراتيجيا واقتصاديا وأمنيا".
وأشار المتحدث عينه، إلى أنه "لم يكن بإمكان إسبانيا أن تتجاهل فرص المستقبل المشترك بين البلدين بحكم طبيعة العلاقات الثنائية المغربية -الإسبانية كواحدة من أهم العلاقات بين بلد أوروبي، وبلد إفريقي لما تتمتع به من زخم، وتاريخ حافل، وسعة نطاق، ومستقبل واعد وثقل لدى البلدين في الفضاء الأورو-متوسطي".
موقف يضاهي الخطوة الأمريكية
أبرز الحسن أقرطيط، الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، أن الموقف الإسباني من قضية الصحراء المغربية، لا يقل أهمية عن الموقف الأمريكي القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء، نظرا لتشدديه الواضح على اعتبار المبادرة المغربية للحكم الذاتي للصحراء المغربية، بصيغة "أكثر جدية ومصداقية وعملية".
وأضاف أقرطيط، في حديث مع "العين الإخبارية"، أن الموقف الإسباني يعبر عن إعادة تموضعها في العلاقة مع الصراع المفتعل حول مغربية الصحراء، وبطبيعة الحال فموقفها يفوق الموقف الألماني السابق، بالنظر لوزنه بسبب نفوذ إسبانيا داخل الاتحاد الأوروبي، وأمريكا اللاتينية، ثم لعلاقاتها مع "البوليساريو" والدول الداعمة لها.
المتحدث ذاته، أشار إلى أ، هذا الموقف، هو تحول كبير على المستوى الجيوسياسي في المنطقة، حيث "يأتي على الرؤية الجديدة للعلاقة مع المغرب التي تنبني على الشروط التي طرحها المغرب في خطاب 20 أغسطس من العام الماضي، والتي تؤكد على الشفافية والثقة والوضوح".
فالهدف -يضيف أقرطيط- هو استعادة الثقة بعدما اهتزت إثر وصول "إبراهيم غالي لإسبانيا والطريقة التي تم إدخاله بها"؛ حيث اعتبرت طعنة في الظهر للعلاقات المغربية الإسبانية، وهو ما يَبرز التصريحات الأخيرة للمسؤولين الإسبان قصد فتح شراكة أوسع وبدون حدود في العلاقة مع المغرب.
زخم لملف الصحراء في أوروبا
وأبرز الكاتب المغربي أن "هذا الموقف سيعزز من الدينامية التي عرفها ملف الصحراء المغربية منذ عام 2020 إلى الآن"، حيث سيكون له نفس التأثير والنتائج على المستوى الدبلوماسي والجيوسياسي التي كانت بعد الموقف الأمريكي، وسيدفع العديد من الدول على مستوى الاتحاد الأوربي للخروج من المنطقة الرمادية فيما يتعلق بالموقف من القضية الوطنية الأولى للمغرب ومبادرة الحكم الذاتي.
ورأى الخبير في العلاقات الدولية أن المغرب سيراهن على عمق العلاقات الإسبانية مع دول أمريكا اللاتينية، بالنظر للعلاقات النافذة لإسبانيا تاريخيا بتلك المنطقة، وفي نفس الوقت سيدفع دولا أخرى لتنحو منحى إسبانيا، خصوصا وأنه جاء في سياق إنجازات الدبلوماسية المغربية والمتغيرات في مقاربة ملف الصحراء المغربية.
ومرد هذا التحول، حسب أقرطيط، هو الأسلوب الجديد للسياسة الخارجية للمغرب، والذي عنوانه "البراجماتية" و"مصلحة الوطن فوق كل اعتبار"، وهي التي يمكن أن توصف بـ"السياسة الهجومية للمغرب"، كما جاء في خطاب الذكرى الـ46 للمسيرة الخضراء للمغرب، الذي أكد أن "المغرب لن يقبل من هنا فصاعدا أي شراكة سياسية أو تجارية أو اقتصادية لا تشمل أقاليم الصحراء المغربية" كما أنه "يجب على الشركاء أن تجاوز ازدواجية المواقف وأن يكون موقفهم واضح فيما يتعلق بالمصالح العليا للمغرب".
موقف شجاع
من جهته قال حسن بلوان الخبير في العلاقات الدولية، إن الموقف الإسباني الجديد من قضية الصحراء المغربية، يعتبر موقفا شجاعا وجريئا، كما يعد تحولا نوعيا في فصول العلاقة بين البلدين وانعطافة كبرى في مسار هذا النزاع المفتعل على اعتبار أن إسبانيا مستعمر سابق للأراضي الصحراوية المغربية ومعنية بشكل مباشر بجميع أطوار المفاوضات.
وأضاف بلوان في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن هذا موقف مهم واختراق استراتيجي للدبلوماسية المغربية، وسيعود بالنفع ليس فقط على البلدين بل ستتجاوز آثاره الإيجابية إلى العمق الأفريقي إذا استحضرنا أن البلدين هما حلقة الوصل بين القارتين الإفريقية والأوربية.
بلوان أكد أن الموقف الإسباني جاء لتصحيح مسار طويل من الإنكار الإسباني للحقوق المغربية المشروعة والانحياز للطرح الانفصالي المدعوم جزائريا، مضيفا أن إسبانيا اقتنعت أخيرا بتغير القواعد والتوازنات الإقليمية، ودافعت عن مصالحها الاستراتيجية التي لا يمكن الحفاظ عليها بمعزل عن المغرب باعتباره البوابة الحصرية للقارة الإفريقية التي تزخر بموارد واعدة وتتنافس عليها قوى عالمية.
وأبرز المتحدث عينه، أنه رغم التصعيد والتوتر الذي طبع العلاقات بين البلدين خلال الآونة الأخيرة لم تصل العلاقات بين المغرب وإسبانيا إلى حد القطيعة النهائية، على اعتبار حاجة كل طرف إلى الآخر، بحتمية التاريخ والجغرافيا.
وأضاف، أنه لذلك؛ فالعلاقات بين البلدين بعد هذا الموقف الجديد ستأخذ مجراها الطبيعي، لكن بشروط جديدة تحفظ مصالح البلدين في إطار الحوار والتعاون الثنائي المبني على الاحترام المتبادل وحفظ الوحدة الترابية المغربية، والإسبانية أيضا، خصوصا مع المستجدات والتحديات الإقليمية التي تعرفها المنطقة، سواء ما يجري في منطقة الساحل والصحراء أو تداعيات الأزمة الأوكرانية.
وخلص الخبير في العلاقات الدولية، إلى أنه عموما يمكن النظر للموقف الإسباني الجديد وانعكاساته الإيجابية على القارة الإفريقية وفق مجموعة من المحددات؛ أولها أن الموقف الإسباني الجديد من قضية الصحراء تحول نوعي في العلاقات بين البلدين، كما يشكل تطورا مهما في مسار قضية الصحراء المغربية التي يمكن القول إنها اقتربت من الحل النهائي مما سيخلص القارة الإفريقية من صراع مفتعل طويل الأمد يحد من فرص التعاون والتنمية بين مجموعة من الدول الإفريقية.
في حين أن المحدد الثاني للموقف الإسباني لا يمكن فصله عن مواقف مجموعة من الدول الأوربية المؤثرة التي اقتنعت بالحقوق المشروعة للمغرب خاصة أنه يأتي بعد أسابيع من موقف ألماني مماثل، مما سيزيد من فرص التعاون الأوروبي الأفريقي خصوصا إذا استحضرنا المكانة الجغرافية والاستراتيجية للمملكتين الإسبانية والمغربية في غرب المتوسط.
أما المحدد الثالث -بحسب بلوان- فيتجلى في أن الموقف الإسباني يعطي الدبلوماسية المغربية مكانة مهمة ومصداقية كبيرة على المستوى الإفريقي الداعم لمبدأ رابح-رابح، ويزيد في عزلة داعمي الفكر الانفصالي وتجار النزاعات في القارة السمراء التي تعاني من عدة تحديات أصلا.
المحدد الرابع والأخير، يبرز في كون الموقف الإسباني الجديد شكل ضربة موجعة للأطروحة الانفصالية والداعمين لها، وهي الأطروحة التي تراكم الخيبات والنكسات في هذا الملف، خاصة وأنها تستعمل جميع وسائل الضغط والترهيب لاستمالة بعض الدول الإفريقية، لذلك فالموقف الجديد لإسبانيا يؤكد نجاح الدينامية التي أطلقتها المملكة في قضية الصحراء كما ستقنع مجموعة من الدول الأفريقية الأخرى للاصطفاف إلى جانب الحقوق المغربية المشروعة، وفق بلوان.
aXA6IDEzLjU4LjQ1LjIzOCA= جزيرة ام اند امز