عيد العرش بالمغرب.. تجديد للبيعة واحتفالات شعبية ورسمية
احتفالات شعبية ورسمية ضخمة يشهدها المغرب بمناسبة عيد العرش والذكرى الـ24 لتولي الملك محمد السادس الحكم.
ويظهر الاحتفال بعيد العرش ارتباطاً وثيقاً بين الشعب المغربي والعرش الملكي، ويعد عيد الجلوس واحداً من أبهى هذه التجليات.
ويمثل 30 يوليو/تموز من كل عام عطلة رسمية بمناسبة الاحتفال بعيد العرش، الذي يعد موعدا لتجديد البيعة للملك، باحتفالات رسمية وشعبية كبيرة.
وهذا العام تحل الذكرى الـ24 لاعتلاء العاهل المغربي عرش البلاد.
وألقى العاهل المغربي الملك محمد السادس الليلة الماضية خطاب العرش وبثه التلفزيون المغربي.
ومن المقرر أن يرأس العاهل المغربي اليوم الأحد حفل استقبال بساحة عمالة المضيق-الفنيدق في مدينة المضيق.
وسيرأس الملك محمد السادس غدا الإثنين بساحة مشور القصر الملكي العامر في مدينة تطوان، حفل أداء القسم الذي سيؤديه الضباط المتخرجون الجدد من مختلف المدارس والمعاهد العسكرية وشبه العسكرية والمدنية.
ومن المقرر أن تقيم القيادة العليا لأركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية مأدبة غداء بنادي الحرس الملكي بمدينة تطوان، كما سيترأس الملك، عصر غد، حفل الولاء بساحة مشور القصر الملكي العامر بمدينة تطوان.
وتوجه العاهل المغربي الليلة الماضية، بخطاب إلى الشعب المغربي، قدم فيه حصيلة الإنجازات خلال الفترة الماضية، ويستشرف فيه آفاق المرحلة المقبلة.
وخلال الخطاب، وجه الملك محمد السادس رسالة طمأنة للجارة الشرقية الجزائر، وتجديد لدعم فلسطين وانتصار للفقراء، كما وضع ملامح سياسة بلاده لعام مقبل.
وجدد العاهل المغربي دعوته إلى فتح الحدود مع الجارة الشرقية الجزائر، مُؤكداً أن العلاقات بين البلدين علاقات مستقرة، معرباً عن تطلعه لأن تكون أفضل.
وأكد الملك محمد السادس أن خدمة شعبه لا تقتصر فقط على القضايا الداخلية، وإنما من خلال حرصه أيضا على إقامة علاقات وطيدة مع الدول الشقيقة والصديقة، خاصة دول الجوار.
وأعلن العاهل المغربي الشروع، نهاية هذا العام، كما كان مقررا، في منح التعويضات الاجتماعية، لفائدة الأسر المستهدفة، معربا عن أمله في أن يساهم هذا الدخل المباشر في تحسين الوضع المعيشي لملايين الأسر والأطفال.
وأشار ملك المغرب إلى توالي الاعترافات بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، و"آخرها اعتراف دولة إسرائيل، وفتح القنصليات بالعيون والداخلة، وتزايد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي".
9 عقود
ويتميز الاحتفال بعيد العرش بالمغرب بتقاليد وطقوس شعبية تعود لأكثر من 90 عاماً، منذ أن كان المغرب تحت الاستعمار الفرنسي.
بدأ الاحتفال عام 1933 حين نشرت مجلة المغرب مقالاً موقعاً باسم مستعار، اختار صاحبه أن يكون "المغربي"، وطالب فيه علانية سلطات الاستعمار السماح للمغاربة بالاحتفال بذكرى جلوس السلطان محمد الخامس، آنذاك، على العرش.
في كتابه "حياة وجهاد" تحدث السياسي والصحفي المغربي الراحل محمد حسن الوزاني باستفاضة عن هذه المرحلة التاريخية، مؤكداً أن "فكرة الاحتفال بذكرى تولي السلطان محمد بن يوسف الحكم خلفا لوالده السلطان المولى يوسف راجت لأول مرة بواسطة محمد صالح ميسة، وإليه يرجع التفكير في هذه المبادرة".
وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1933 كان أول احتفال بعيد العرش وتميز بطعم خاص لدى المغاربة، اختلطت فيه مرارة الخوف من بطش الاستعمار بطعم الانتصار عليه بإقامة عيد وطني بعدة مدن، أغلقت فيه المدارس والكتاتيب وأغلق العديد من التجار محلاتهم واجتمع الناس في الساحات، فيما تلقى الملك الراحل محمد الخامس برقيات التهاني.
ووصف المستشار الملكي الراحل عبدالهادي بوطالب هذا اليوم في مذكراته قائلا: "كان اليوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 1933، وكان المكان الحديقة العمومية الكبرى المعروفة باسم جنان السبيل، على مقربة من باب أبي الجنود بفاس، لم يقِنا استظلالنا بأشجار الحديقة من الابتلال برشاش المطر المتهاطل".
وأضاف: "لم أكن أعي في سن صباي وأنا أحضر هذا الاجتماع أنه كان المهرجان الوطني الشعبي الأول الذي تعقده الحركة الوطنية المغربية بالمدينة، للاحتفال بالذكرى السادسة لعيد جلوس السلطان محمد بن يوسف على العرش".
وفي العام التالي 1934، أصبح الاحتفال بعيد العرش يكتسي صبغة رسمية، إذ اعترفت به سلطات الاستعمار الفرنسي على مضض، وذلك عبر قرار وزاري أصدره الصدر الأعظم (أعلى منصب تحت السلطان) محمد المقري في أكتوبر من السنة ذاتها، بعد أن أشار عليه المقيم العام الفرنسي هنري بونسوت.
القرار الذي صدر بالجريدة الرسمية ضم عدة بنود، أبرزها أن يقوم باشا كل مدينة بتنظيم الأفراح والحفلات وتزيين المدن، وأن يوزع اللباس والطعام على نزلاء الجمعيات الخيرية، وجاء في القرار أيضا أن يكون عيد العرش يوم عطلة.
بيعة وتجديد الولاء
هو أكبر عيد وطني في البلاد، يتخلل مجموعة احتفالات وطقوس تختلف من مدينة لأخرى، لكن الثابت فيها منذ إقرار الاحتفال هو حفل البيعة، أو ما يسمى في المغرب بحفل الولاء.
عُقد هذا الحفل التقليدي في 3 مارس/آذار في عهد الحسن الثاني، وافتتح أول مرة في عام 1934 من قبل القوميين المغاربة الذين رغبوا في تحدي سلطات الاستعمار الفرنسية، وكان بمثابة إعلان من الشعب المغربي برفضهم الوصاية الفرنسية على البلاد.
عادة ما يُقام الحفل بالرباط، إلا أنه لسنوات عديدة أقيم بمدن أخرى، كمراكش، فاس، طنجة، تطوان، الدار البيضاء، وغيرها من المدن المغربية الكبرى، بحضور ممثلين عن جميع المدن المغربية، يُمثلون المغاربة بشتى درجاتهم ومشاربهم الاجتماعية والسياسية.
ويقف الجميع في باحة القصر الملكي من أجل تقديم فروض الطاعة والولاء وتجديد العهد للعرش المغربي، والتأكيد على التمسك بـ"أهداب العرش العلوي".
وتعتبر البيعة وطقوسها "تجديدا من لدى المغاربة للبيعة التي في عنقهم إزاء الملك باعتبارها عقدا سياسيا ودينيا شاملا"، و"عقدا سياسيا واجتماعيا وروحيا ودينيا وربانيا وسماويا متكاملا".