مساجد تروي حكاية التسامح والأصالة في الإمارات
أغلب الدراسات أكدت اختفاء آثار العديد من المساجد التاريخية في الإمارات بفعل عوامل الطبيعة
تزخر دولة الإمارات بسلسلة من المساجد والجوامع الأثرية التي بقيت شامخة على مدى قرون من الزمن كمنارات دينية وحضارية تروي قصة التعايش والتسامح والانفتاح على الآخرين، خاصة بعدما تحول عدد كبير منها إلى معالم سياحية يقصدها الزوار من كافة دول العالم.
وعلى الرغم من تأكيد أغلب الدراسات على اختفاء آثار العديد من المساجد التاريخية في الإمارات بفعل عوامل الطبيعة، تسلط وكالة أنباء الإمارات "وام" الضوء على بعض هذه المساجد الأثرية التي لا تزال شاهدة على تاريخ المنطقة العابق بالعراقة والأصالة.
البداية.. مع مسجد "النطلة"، وهو مسجد أثري صغير في واحة مدينة العين، تشير بعض الوثائق التاريخية إلى أنه أنشئ قبل ما يقارب 1200 عامً، ويتميز بشكله التراثي.
وتم ترميمه بشكل يحافظ على هويته التاريخية دون أي تغيير في بنيته أو محيطه ليبقى شاهداً على فترة زمنية هامة من تاريخ الأجداد، فبقيت الممرات المؤدية إليه مغطاة بأشجار النخل، أما ساحته الخارجية حيث كان يجتمع السكان القدامى، فكانت تطل على "فلج العيني" الذي استخدمت مياهه للوضوء، وري الأشجار المحيطة بالمسجد.
وشيد المسجد في البداية من سعف النخيل وأعيد بناؤه فيما بعد من الطين والحجارة المرصوصة، ويتكون من غرفة مساحتها الداخلية لا تزيد عن 5×4 تقريباً، وله محراب ونوافذ كبيرة وصغيرة تسمح بدخول الهواء والضوء للمسجد.
وعلى الطريق الساحلي بين مدينتي دبا وخورفكان يقع مسجد البدية الذي يعود تاريخ بناؤه إلى عام 1446 وفق ما كشفت عنه نتائج الدراسة التي أجرتها إدارة التراث والآثار بالفجيرة، بالتعاون مع جامعة سيدني في أستراليا.
وإلى جانب استقباله للمصلين في أوقات الصلاة الخمس، يجذب المسجد العديد من السياح الذين يتوافدون إليه من كل مكان باعتباره أحد الكنوز الأثرية والتاريخية التي تزخر بها دولة الإمارات.
وبني مسجد البدية بشكل بسيط من الأحجار والطين والجبس، وتبلغ مساحته 53 متراً مربعاً، ويستوعب ما بين 50 و70 مصلياً، ويتخذ شكلاً مربعاً متساوي الأضلاع.
ويختلف عن المساجد الأخرى القديمة والحديثة من حيث مساحته الصغيرة، وطريقة بنائه وعنصره المعماري والإنشائي في التسقيف، إذ لم تستخدم الأخشاب في رفع سقفه، بل يعتمد على عمود في وسطه، ويحمل هذا العمود قباب المسجد الأربع في نظام هندسي بديع.
وتتسم قباب المسجد بأنها غير متساوية في الحجم، وكل قبة مكونة أصلاً من 3 قباب مركبة الواحدة فوق الأخرى، فهناك قاعدة القبة الكبيرة أولاً، ثم عليها قبة أصغر، فثالثة ذات رأس دقيق، وهذه القباب متجاورة لا تبعد الواحدة عن الأخرى كثيراً، ويحمل هذه القباب الأربع عمود وسطي واحد هو العمود الرئيس.
فيما توجد أعمدة جانبية صغيرة أخرى، وتستند إلى قمة العمود الوسطي أسس البناء وقواعد سقفه التي تحمل القباب الأربع في نظام هندسي بديع، ويبلغ طول ضلع المسجد 15 ياردة، وله باب واحد، في حين يتكوّن محرابه من فسحة بطول ياردتين وعرض ياردة واحدة.
وتحمل جدران المسجد بعض آثار لنقوش وزخارف طمست معالمها بفعل الأيام، كما تتضمن فتحات يدخل منها الضوء وكوات لوضع المصابيح، وتحتوي على زخارف بارزة تسمى "مقرنصات" في أركان الجدران المتصلة بالقباب.
وفي الخارج يتميز المسجد بشريط زخرفي جصي أعلى جدران المدخل، وتتميز زخارفه بتنوعها وبساطتها.
وفي الشارقة لايزال "مسجد العقروبي" الذي تم بناؤه عام 1904 بالقرب من شاطئ منطقة الخان مقصدا للمصلين إلى يومنا هذا نظرا لمحافظته على الذاكرة المكانية المتفردة للمنطقة.
ويحيط بالمسجد، ساحة محاطة بسور قصير مبني بمواد بدائية كما المسجد نفسه، وعلى يمين الساحة هناك مأذنة قصيرة لا يتعدى طولها 3 إلى 4 أمتار تقع في زاوية بعيدة عن المسجد على غير عادة بناء المآذن في الوقت الحالي حيث تكون ملتصقة مباشرة بالمسجد.
ويحتوي على 3 أبواب خشبية قديمة، و3 شبابيك مطلة على البحر مباشرة، وهي كبيرة الحجم تسمح بمرور كمية كبيرة من الضوء إليه، فيما سقفه لا يزال من الخشب.
ويتسع مسجد العقروبي لقرابة 100 مصل، ويتألف حسب تخطيطه القديم من بيت الصلاة ومحراب مجوف ينتصف جدار القبلة، بينما يخلو من الصحن الوسط، كما لا يوجد أثر لمئذنة حيث انه أنشيء في الأصل لخدمة المنطقة والسوق والمساكن القريبة وإقامة الصلوات اليومية فقط من دون صلاة الجمعة بسبب عدم وجود منبر قرب المحراب.
وبالانتقال إلى إمارة رأس الخيمة يطل الجامع الكبير الذي شيد بين عامي 1777 - 1803 من فوق تلة ترتفع عن سطح البحر في المنطقة القديمة على ساحل الخليج العربي.
ويرتبط أبناء الإمارة روحياً بهذا المسجد منذ إنشائه حتى الآن، نظرا للدور الكبير الذي لعبه في حياتهم كونه أول مسجد تم تأسيسه في المنطقة القديمة بإمارة رأس الخيمة.
كما أن دوره لم يقتصر على أداء العبادات فقط، بل تحول إلى منبر للأئمة الذين تناوبوا على الصلاة والوعظ فيه، حتى أصبح منارة للعلم يفد إليها الناس من كل حدب وصوب.
ويتسع المسجد إلى ألف مصل داخل وخارج باحته، وتبلغ مساحته الداخلية 1000 متر، ويضم قاعة رئيسة للصلاة تحتل ثلثي مساحته، كما يضم 28 نافذة مقوسة على جانبيه وممراً مغطى بأحجار جبلية وثلاثة أبواب كبيرة تفتح باتجاه الجهة الشرقية، إلى جانب 60 عموداً يعلوها سقف مغطى بسعف النخيل.
وخلال عملية الترميم التي شهدها المسجد بين عامي 2012 – 2013 تم اكتشاف ثلاث طبقات من الطين واللبن تحت الجدران والأعمدة، علما أن المسجد كان يضم قبة من الجص عند المدخل من جهة اليمين، وكان المؤذن يصعد ليرفع الأذان من فوقها، أما السقف فهو من خشب الجندل.